الإرث الأدبي للكاتب المغربي محمد شكري:مسيرة أدبية في زمن الأخطاء»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
*ألفريد هكنسبرغر :المغرب أضاعت فرصة الحِفاظ على إرث أحد أشهر كتّاب العالم
كتب عبد الواحد المهتاني:مرت سبع سنوات على رحيل الكاتب المغربي محمد شكري، الذي حلت الذكرى الخامسة والسبعون لميلاده منذ أسبوعين. وإذا كان الموت هو واقعة الغياب الجسدي وانطفاء الحياة تماماً، فإن ما يعطي للإنسان المبدع حضوره هو إرثه الأدبي، وفي حالة محمد شكري فكتبه لم تعد متوفرة في أي مكان، باستثناء بعض المناطق في فرنسا وبريطانيا والمغرب.
يبدو المشهد قاتما في الذكرى الخامسة والسبعين لميلاد شكري. هذا الوصف جاء على لسان ألفريد هكنسبرغر، في مقال مترجم من الألمانية إلى العربية، تحت عنوان "الإرث الأدبي للكاتب المغربي محمد شكري:مسيرة أدبية في زمن الأخطاء"، نشر مؤخرا بموقع قنطرة. المقال يحاصرنا بالعديد من الأسئلة المرتبطة بمصير وصية شكري حول إنشاء مؤسسة باسمه تعتني بأعماله وتهدف إلى دعم الكتّاب الناشئين وكذلك الفنانين الآخرين، حسب رؤية شكري.
واعتبر نفس المصدر أن الدولة المغربية أضاعت فرصة الحِفاظ على الإرث الأدبي لأحد أشهر كتّاب المغرب، مبرزا النقاش الذي دار آنذاك بين شكري ووكيل أعماله، من جهة، وأصدقاء الراحل، من جهة أخرى، حول إنشاء مؤسسة تعنى بإرثه الأدبي، وهل ستكون في أوروبا أم في المغرب.
يقول الكاتب إن روبرتو دو هولندا ناقش شكري قبل وفاته بخصوص مصير أعماله. وفي هذا السياق، يشرح الوكيل الأدبي: "كان هناك خياران مطروحان، إما إعطاء الأعمال لجامعة أوروبية أو أمريكية، أو وضعها بعهدة مؤسسة مغربية". اختار محمد شكري الحل المغربي، فقد خشي، من جهةٍ، احتمال أن تتوقف الحكومة عن التكفّل بالمصاريف الباهظة لعلاجه من مرض السرطان، في حال إعطائه حقوق نشر أعماله للخارج. ومن جهةٍ أخرى، كان من شأن منح حقوق النشر لإحدى الدول التي استعمرت المغرب واضطهدته تاريخيًا أن يكون مخزيًا.
ثم ينتقل ألفريد هكنسبرغر، في معرض حديثه عن وصية شكري: "جلس العديد من الأصدقاء عند محمد شكري في غرفته في المستشفى عشية وفاته. وكان يومها يمازحهم كما كان متفائلاً للغاية، حيث كان يعتقد أنَّه قد رتّب أهم الأمور، ألا وهي الحفاظ على مكانةٍ لأدبه بعد موته. إذ كان بحوزته بيانٌ موثقٌ لوصيته الأخيرة، ينص على نقل ملكية إرثه كاملاً لصالح مؤسسة. وكان من المفترض أن تدار هذه المؤسسة بشكلٍ مشتركٍ من قِبَلِ خمسة رؤساء، هم: محمد الأشعري، وزير الثقافة الأسبق، وحسن أوريد، الناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقا، وحسـن نجمي، ومحمد برادة، وهما رئيسان سابقان لاتحاد كتاب المغرب، وأيضًا عبد الحميد عقار، الأستاذ الجامعي ورئيس اتحاد كتاب المغرب في فترةٍ لاحقة".
ويذكر أنه بعد وفاة محمد شكري اختفت هذه الوثيقة دون أن يظهر لها أثر، حسب قول روبرتو دو هولندا، الذي عمل وكيلاً أدبيًا للكاتب فترةٍ طويلة، والذي قال: "بعد ذلك اتصلت بكلٍّ من محمد الأشعري وحسـن نجمي، لكنني لم أتلقَ منهما أي ردود".
الخلاصة التي ينتهي إليها روبرتو دو هولندا، الذي تحوّل من وكيلٍ إلى صديقٍ حميمٍ لمحمد شكري بعد سنوات طويلة من العمل المشترك، أنه "يمكن القول من منظور اليوم، إن أداء الخارج كان من شأنه بالتأكيد أن يكون أفضل بكثير من أداء المغاربة أنفسهم".
ويعلق كاتب المقال على هذا الوضع "يبقى في الواقع سلوك الرؤساء الخمسة لمؤسسة شكري، التي أنشئت على الجانب المغربي ثم توقف عملها بعد وفاة المؤلف مباشرة، إشكاليًا للغاية. فالتنازل عن الحقوق الأدبية لصالح المؤسسة يتعارض مع قانون الإرث المغربي. وعائلة محمد شكري المكوَّنة من أختيه وأخيه، هي الوريثة الرسمية ولا يمكن تجاوزها ببساطة".
ويضيف: "يتساءل روبرتو دو هولندا حتى يومنا هذا "لماذا دفع هؤلاء السادة الخمسة الكرام شكري للتوقيع على تصريحٍ يعلمون بعدم وجود أي صلاحيةٍ له؟". ويضيف دو هولندا باستياء واضح: "إنَّ الوزير السابق والمتحدث باسم القصر الملكي لديهما إلمامٌ دقيقٌ بالوضع القانوني بالتأكيد". وبالرغم من ذلك تُرِكَ محمد شكري معتقدًا بأن كل شيء يسير على ما يرام. "إنني أسمّي هذا انتهاكًا للوصية الأخيرة للإنسان" كما يقول دو هولندا".
ويوضح بأنه ليس من الصعب فهم هذا الاستياء. لقد دفن الرؤساء الخمسة رؤوسهم في الرمال بعد وفاة شكري واختفوا تقريبًا عن الأنظار. ولم يسع أيٌّ منهم قط لإيجاد حلٍ، ناهيك عن التوصّل إلى اتفاقٍ معقولٍ مع ورثة محمد شكري. ومن الطبيعي أنْ يتمسّك هؤلاء بحقوقهم، فالأمر يتعلق بالكثير من المال في نهاية المطاف. إنَّ أيدي دور النشر مكبلةٌ فيما يتعلق بالتكليف بترجمات جديدة لكتب شكري أو طباعة نسخ إضافية منها بعد انتهاء مدة العقود المبرمة، بسبب النزاعات العائلية حول توزيع الإرث.
بدأ شكري ينشر أعماله في الدوريات الأدبية العربية والأمريكية منذ سنة 1966. وقد قام الروائي الأمريكي المقيم بطنجة بول بولز صاحب رواية "السماء الواقية" بترجمة "الخبز الحافي" إلى الإنجليزية، ونشرها في الولايات المتحدة بعنوان "من أجل الخبز وحده"، ثم ترجمها الروائي الطاهر بن جلون إلى الفرنسية و نشرها سنة 1981 بباريس. وقد عرف هذا الكتاب نجاحا كبيرا، إذ ترجم بعد ذلك إلى أكثر من عشرين لغة، ولم يصدر في نسخته العربية التي كتب بها إلا سنة 1982، لكن سرعان ما منع في المغرب لتتكفّل بعد ذلك بنشره دار الساقي ببيروت، و كانت دار الآداب قد رفضت نشره في السبعينيات.
كتب محمد شكري فـي القصة القصيرة ("مجنون الورد"،
و "الخيمة"). كما كتب فـي الروايــة و السيرة الذاتية الروائية ("الخبز الحافي"، و"السوق الداخلي"، و"زمن الأخطاء"، الجزء الثاني من سيرته الذاتية، و"وجوه" الجزء الثالث من السيرة الذاتية). وكتب فـي المسـرح ("السعادة"، و"أسترناكوس العظيم أو موت العبقري"، و"الطلقة الأخيرة"). وكتب أيضا في مجال المذكـرات ("جان جنيه في طنجة"، و"تينسي وليامز في طنجة"، و "بول بولز وعزلة طنجة"). و فـي الحقل النّقـدي كتب "غواية الشحرور الأبيض"، إضافة إلى مقالات عن الآداب العالمية، كان قد نشرها في مجلّة ldquo;الآدابrdquo;،إلى جانب حوار نشر في كتاب و رسائله مع محمد برادة، التي نشرت في كتاب بعنوانrdquo;ورد و رمادrdquo;، صدر عن وزارة الشؤون الثقافية سنة 2000 .
وقد حققت مبيعات كتب محمد شكري أرقاما قياسية، إذ بيع من ldquo;الخبز الحافيldquo;مثلا أكثر من عشرين ألف نسخة في عام واحد، قبل أن تقع مصادرته في المغرب. وكانت كتبه و لا تزال تهرّب في دول عربية مثل الأفيون و تباع كالخبز في دول أخرى. ورغم منع تدريس كتابه "الخبز الحافي" بالجامعة الأمريكية بالقاهرة فقد انتزع محمد شكري لقب كاتب عالمي