معرفة

ليلة الحب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

*"حكاية حبّ في زمن ركض المدينة نحو مزيدٍ من الجشع "

كتبتزينب.ع.م.البحراني: " جولييت تظهر أخيرًا! وليلى تنهض من قبرها، وقيس يجوب المُدُن. قصص الحبّ تتواتر، نتوارثها ونحبّها ونحكيها ونرويها بماء الكلام، وهي تتكرّر في كلّ بيت، في كلّ لحظة. الحبّ وصيف الدّنيا.. والموت فيه جميلٌ كالاستراحة!. قالت زهرة: "سأقرأ المسرحيّة من جديد".. قُلت: " غدًا أحضر لكِ الكتاب". في اليوم الثّاني اشتريت مسرحيّة روميو وجولييت، كتبتُ في الصّفحة الأولى: إلى العزيزة زهرة.. إنّ الحبّ غريبٌ دائمًا........ ص28".

هذا الحبّ الغريب، الذي تحدّثت عنه شخصيّة (فهد الرّبيعي) على صفحات رواية (ليلة الحبّ)، هو البطل الأوّل والآخِر والظّاهر والباطن والسّلطان الحاكم بأمره على أحداث الرّواية. حيث يواجه القارئ مفهوم الحبّ كما يندُر أن يُكتب عنه في عصرنا الحاضر. الحبّ على الطّريقة العربيّة، حيث الخوف، والتّخمين، وهستيريا الشّوق والتّساؤلات الدّاخليّة. حين يحتلّك الآخر فجأة، ويتمدّد بداخلك قبل أن تدري. وحين تخاف أن يبدو سرّ صورته في عينيك للآخرين، وعلى رأسهم أصدقائك. وليس على الطّريقة المتأمركة المُعلّبة، التي تمّ تصديرها من عالمٍ مُجمّد يعتبر الطّرف الآخر مُجرّد تجربة إلى عالم الرّواية العربيّة والمجتمع العربي. وما يُميّز أسلوب مُعالجة هذه الثّيمة بين سطور هذا النّص هو التناغُمٍ البديعٍ بين الخيال والواقع العاطفي، والذي يسمح لروح القارئ بالإبحار في عالم الرّواية دون مطبّات نفسيّة مؤذية. ليأتي مسّ قضيّة تسارع الحراك الاجتماعيّ في مكان تحرّك أحداث الرّواية وزمانها موازيًا لتصاعُد أحاسيس الشّخصيّات في تناسُقٍ بديع. يبدأ القارئ ولوجه عالم الرّواية من خلال التعرّف إلى شخصيّة (فهد الرّبيعي) الفنّان الحزين الذي تزجّ به أحاسيسه المرهفة في غرام الشّابّة الجذّابة، المحفوفة بمُعجبين "يزيدهم وهمًا عيونها السّوداء العميقة ذات الألق والضّوء" (زهرة الوسمي).

فينجرف بكلّ أحاسيسه تجاهها رُغم تحذيرات صديقه (عبد العزيز مقبل) الذي قال له: " أنّ زهرة تتصرّف بعفويّة، تُسامر دون رقيب، تُقيم علاقات واسعة دون نساء ورجال. علاقات صداقة بريئة عابرة، لكن من لا يعرف زهرة يظنّ بها كلّ الظّنون! زهرة تضحك مع جيرانها الرّجال، تُشارك في حفلات تعارف مُختلطة وتُراقص الرّجال في هذه الحفلات. يظنّ الكثيرون أنّها تُحبّهم بعد أوّل لقاء! ما طباع زهرة؟ لمَ حملت هذه العين الدّاعية للحب؟ لم تخرج هذه النّظرة المُشعّة من عينيها وتستقرّ في القلب؟ ماذا يحدُثُ بعد كلّ ذلك للرّجال؟ كيف يتّصلون بها ويًخبرونها عن ولعهم وحبّهم وشغفهم ؟ كيف تضحك زهرة من كلّ ذلك ولا تجرح شعورهم وتُرحّب به فيُعاودون الاتّصال؟ ماذا تفعل زهرة بالجميع؟...... ص7" .. لكنّ (فهد الرّبيعي) يعجز عن كبح جماح أحلامه المُتصاعدة بأن تغدو (زهرة) جُزءًا من واقعه إلى الأبد: " كُنتُ أحلم بامتلاك زهرة وأنا في كامل صحوي. والحلم في الصّحو خطير. حينما نحلم نائمين نستيقظ وينتهي الحلم، لكن حين نحلم في اليقظة لا نستيقظ......ص6". رُغم خوفه الهائل من الفشل في تحقيق هذا الحلم، والوصول إلى طريق مسدود ينهار بمعنويّاته في هاوية هزيمة جديدة: " أخاف الفشل. أتذكّر ما قاله لي عبد العزيز، فالفشل كالهزيمة. وأنا انهزمت حتّى النّخاع. بادت أحلامي الكبيرة، وتبدّد عُمري، ولم يبقَ إلا انتظار الرّيح. الرّيح المحمّلة بالغبار والأتربة والموت.....ص8". أمّا (عبد العزيز مقبل)، صديق (فهد) وزوج أخت (زهرة)، فتتجاذبه أطراف الحيرة بين رغبته في تفجير حقيقة كون (زهرة) مخطوبة فعليّا لرجل أعمالٍ شاب من قبل لقائها الأوّل ب(فهد) خوفًا عليه من مغبّة استرساله في عالم أحلامٍ قد تؤذيه خاتمتها، وبين إشفاقه على صديقه من سماع خبر صدمةٍ جديدة بعد تاريخٍ من الصّدمات المعنويّة على أكثر من صعيد، لا سيّما وأنّ هذا الحلم الجديد سُرعان ما بدأ مُعجزته في تضميد جروح وانكسارات صديقه النّفسيّة، الأمر الذي بدا مُفاجأة أضافت مزيدًا من التّعقيد أمام خيارات (عبد العزيز) وهو يرى (فهد) وقد " ظهرت عليه بوادر تغيّر جديدة، صار أكثر مرحًا وأناقة، وأكثر طلاقة في الحديث، وتراجعت نظرة التّشاؤم من الحياة في سلوكه. كان يتكلّم بحبّ عن المُستقبل. وكان - يبدو- راغبًا في الدّخول في الحياة الجديدة.

وأن يكون مُشاركًا فعليّا فيها. الحبّ الجديد الذي استحوذ عليه غيّره تمامًا...ص39" أمّا (زهرة الوسمي)، فتلجأ بعواطفها إلى (فهد) ذي المشاعر المُرهفة، والغرام الجيّاش، خلال فترة غياب خطيبها (ذياب الدّرهمي) وإهماله لها ليلحق بمكانه المنشود في عالم المال والأعمال، والذي يؤمن بمبدأ: " العمل يأتي أوّلا، ثمّ النّساء. وبعد ذلك يهون كلّ شيء" . ونسمعه يُعلن عن نيّته تجاه ارتباطه ب(زهرة) قائلا: " كنت أفكّر بالطّريقة الشّائعة عند الرّجال: أتزوّج زهرة في العلن وأذهب إلى غيرها في الخفاء. كلّ الأشياء الكبيرة والهامّة تحدث في الخفاء. صفقات المال.. اللذة.. الخيانة.. الغدر والمؤامرات، اعتدت على المناورة.. أجواء السوق.. هنا نكذب ونقول نتجمّل.. ذكاء، ومُجاملة.. نغدر وكأننا نقول نُكتة.. المال هو هدفنا.. يبدو تفاهمنا أنا وزهرة ضربٌ من الخيال....ص59".. ومن خلال (ذياب الدّرهمي) تسلّط الرّواية ضوءًا ساطعًا على طموحات جيلٍ جديدٍ بدأ يظهر في المنامة منذ أواخر فترة التّسعينات، والذي " يعمل بجدّ ليجد له مكانًا مرموقًا....ص42"، في ظلّ التغيّرات المُتسارعة على الصّعيد المادّي والاجتماعي في المدينة. وهكذا تسترسل أحداث الرّواية على لسان (فهد الرّبيعي) العاشق الحالم، (عبد العزيز مقبل) الصّديق الحائر، (زهرة الوسمي) المحبوبة التّعيسة، و (ذياب الدّرهمي) الخطيب الشّاب وعاشق المال الذي لا يرتوي.. دون أن تُهمل الأحداث دور (علي الضّحاك) صديق فهد الذي يعشق الرّقص والملقّب ب(جون ترافولتا).. (حمد السّويلمي) ربّ عمل ذياب، و(جواد ناصر) زميله. وأخيرًا.. المُضيفة الأجنبيّة (سوزي) التي تحوّلت إلى عشيقة ل(ذياب) أثناء رحلة صعوده ثمّ إلى سكرتيرة عامّة في مكتبه. لا يسعني إلا أن أعبّر عن إعجابي بفكرة الرّواية ومضمونها كقارئة. فرُغم النّهاية التي جاءت أسرع من تطلّعات قارئ مُعجب بهذا النّص، ورُغم لؤم المؤسسة التي تولّت مهمّة إعداد الكتاب للطّباعة والنّشر إلى الحدّ الذي جعلها تُهمل مهمّة مُراجعة السّهوات الطّباعيّة كأغلب مؤسسات النّشر التّجاريّة التي لا تحترم واجباتها تجاه حقوق الكاتب. إلا أنّ الجهد المبذول في صياغة هذا النّص البديع، والمشاعر النّفسيّة المُتضاربة التي نجحت في التقاطها من أعماق شخصيّات الواقع لتنقلها بنجاح إلى شخصيّاتها الرّوائيّة، والأثر العذب الذي تتركه في النّفس شبيهًا بأثر أغنيةٍ عاطفيّة مؤثّرة انتقيت كلمات حكايتها بعناية، يجعل من قراءتها إضفاءًا ثريّا لذائقة عُشّاق قراءة الرّوايات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف