ترحيب بالوجه المتغيّر وانتقاد للتشبث بالسلاح لدى حزب الله

أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في مؤتمر الاثنين عن الوثيقة السياسية الجديدة للحزب وهي الثانية من نوعها منذ تأسيسه في عام 1985. وقد شددت الوثيقة على قيام لبنان حرًّا سيّدًا مستقلاًّ قويًّا حاضرًا في معادلات المنطقة ومساهمًا في التاريخ، مشيرة إلى أنّه لتحقيق ذلك "يجب قيام دولة عادلة وقادرة وقوية ونظام سياسي يمثل ارادة الشعب وتطلعاته الى العدالة والحرية والكرامة".وانطلاقًا من هذا الخطاب، سعت إيلاف إلى قراءة مواقف قوى الاكثرية له، إلا أنَّ مواقف وجوه بارزة في قوى الغالبية لم تأتِ متطابقة في تفسيرها ورؤيتها لما جاء.

بيروت: إثنتان وثلاثون صفحة قرأها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مدى ساعة وربع، جمعت في كلماتها الوثيقة السياسية الجديدة التي جاءت معبرة لكل ما نادى به الحزب خلال السنوات الماضية من قضية السلاح الذي أعلن نصرالله "ارتباطه ببقاء التهديد الاسرائيلي ودوام اطماع العدو"، مشددًا على ضرورة تعزيز "المقاومة" ما دامت الدولة لم تصبح بعد "قوية وقادرة"، مما "يفرض على المقاومة السعي الدؤوب لامتلاك اسباب القوة وتعزيز قدراتها وامكاناتها".

وبإعلانه الوثيقة السياسية للحزب، طوى نصرالله صفحات "الرسالة المفتوحة" التي أصدرها الحزب عند خروجه إلى الضوء في لبنان والتي دامت اكثر من 24 عامًا.

وعلى مسمع ومرأى من رئيس المجلس السياسي السيد ابراهيم امين السيد الذي اعلن الوثيقة الاولى من حسينية الشياح، الغى السيد نصرالله مفاعيل الرسالة المفتوحة بعدما باتت بنودها وعباراتها غير ملائمة لمرحلة سياسية وتوافقية معينة تكرست بعد تشكيل ما يسمى بحكومة "الوحدة الوطنية". فمن عدم الاعتراف بسلطة ومشروعية الدولة اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي، رسم السيد نصرالله الخطوط العريضة للدولة التي يريدها حزبه. فتحدث عن لبنان واحد وموحد، ورفض كل اشكال التقسيم والفدرلة مستعيرًا بعبارات " لبنان السيّد، الحر، المستقل، القوي، القادر على المواجهة والحاضر في معدلات المنطقة". وبهذا اراد "حزب الله" بوثيقته ان يعكس رغبته الحقيقية في الاشارة الى انه تجاوز عمليًا ونظريًا مرحلة شعار " الدولة الاسلامية في لبنان"، ليجعل من حملته " النظام من الايمان" وغيرها بوابة نحو العبور الى قلب النظام اللبناني لا الى الدولة اللبنانية.

ومن طرح مبادئ السلطة القضائية المستقلة، واقتصاد القطاعات المنتجة، الانماء المتوازن ، التربية واللامركزية الادارية يمكن الإستخلاص ان السيد نصرالله لم يشأ ان يدخل "حزب الله" في المرحلة القادمة في أي من المواضيع الخلافية التي يمكن ان تثير حفيظة بعض الاطراف اللبنانيين، مستندًا بذلك إلى الهجمة التي تعرض لها حليفه الاستراتيجي الرئيس نبيه بري عندما عبّر عن نيته الشروع في مشروع إلغاء الطائفية السياسية من الحلفاء قبل الخصوم.

اضافة الى ذلك اراد السيد نصرالله في وثيقته الجديدة عدم الزام نفسه بشيء، اللهم من خلال الاشارة الى مجموعة من البرامج للعمل في المستقبل . وما تركيز الحزب على البعدين الاقليمي والدولي في رؤيته المستقبلية، سوى لتأكيد اولوية المواجهة الكبرى مع الولايات المتحدة الاميركية ومشروعها من جهة والخطر الاسرائيلي من جهة ثانية. ولم يخف الامين العام للحزب صعوبة المواجهة ومخاطرها، ولكنه حاول في الوقت ذاته ان ينبه اللبنانيين الى انتصار مشروع المقاومة " تحصيل حاصل" بعد سلسلة الانهيارات التي يتعرض لها المشروع الاخر في منطقة الشرق الاوسط.

وانطلاقًا من هذا الخطاب، سعت "إيلاف" إلى قراءة مواقف قوى الاكثرية لهذا الخطاب في مضمونه. ولم تأت مواقف وجوه بارزة في قوى الغالبية متطابقة في تفسيرها ورؤيتها لما جاء على لسان نصرالله.

فالنائب عقاب صقر من كتلة "المستقبل" اكد لـ"إيلاف" ان الوثيقة الجديدة لحزب الله "تختلف عن الوثيقة الاولى الصادرة منذ خمسة وعشرين عاما"، مشيرًا الى انها "تراعي الجميع"، معتبرًا ان الحزب استخلص عبرًا كثيرة لجهة التعاطي مع الدولة اللبنانية ومع العالم العربي. اما في موضوع السلاح، فرأى صقر ان هذا الموضوع "بقي غامضًا وملتبسًا" وإن أكد ان نصرالله تحدث عن استمرار المقاومة ما دامت هناك اراض محتلة واسرى في السجون الاسرائيلية. كذلك اعتبر صقر ان هناك معايير اخرى اثبتت "تطوّرًا ونضوجًا" لناحية التعاطي مع جميع الاطراف اللبنانيين، حيث تحدث عن هجرة المسيحيين وخطرها، كما نبذ الفتنة الطائفية.

غير ان صقر انتقد عدم قيام الحزب في وثيقته السياسية باي نقد ذاتي لما جرى خلال السنوات الماضية. كما لفت نائب البقاع إلى استخدام الحزب لكلمة "اسرائيل" في الوثيقة عوضًا عن "العدو الغاشم" و"الغدة السرطانية" و"الكيان الغاصب"، متسائلاً عن معنى هذا الامر في هذه المرحلة مشيرًا إلى براغماتية جديدة في الخطاب الحزبي.

أما النائب في كتلة حزب الكتائب سامر سعادة فأحالنا إلى الموقف المبدئي لحزبه من قضية سلاح حزب الله، فأكد الموقف "الرافض للمساواة ما بين سلاح الجيش اللبناني وسلاح حزب الله وتقاسم السيادة على ارض الوطن بالشكل الذي طرحه السيد حسن نصرالله"، وهو الامر الذي "يتناقض مع مصلحة لبنان العليا ومع التزاماته الدولية". وطالب سعادة بعدم الرضوخ لقرارات حزب الله، مناشدا الجميع "العودة إلى روح ثورة الارز ومبادئها وثوابتها".

بدوره، اعتبر عضو كتلة "القوات اللبنانية" نائب جوزف المعلوف ان ما طرح في وثيقة حزب الله، يثير تساؤلات عدة أبرزها ما تحدث عنه نصرالله " عن الازدواجية بين الجيش والمقاومة" معتبرا ان هذا الامر "مرفوض جملة وتفصيلاً" وان المكان الذي يجب ان تطرح فيه هذه القضية، هو عبر الاستراتيجية الدفاعية التي تناقش على طاولة الحوار". واكد المعلوف ان "منطق الفرض الذي يتكلم به نصرالله، إن من خلال شروطه حول السلاح او الديموقراطية والطائفية السياسية امر في غاية السلبية ولا يتماشى مع ادعاءات الحوار والمصالحة والوحدة الوطنية".

ولم يكن رئيس "حركة الاستقلال" ميشال رينه معوض اقل حدة من زميليه، إذ اكد ان نصرالله "يثبت للبنانيين في كل اطلالة خطورة مشاريعه وافكاره على لبنان"، وذكّر معوض برفضه القاطع "مبدأ العودة إلى لغة السلاح او الاصرار على بقاء السلاح في يد الحزب حتى تحقيق مشاريع خارجية"، مؤكدا "عدم السماح لمن تزين له نفسه الانتفاض على الطائف ومحاولة النيل من الوحدة الوطنية". ورأى معوض ان نصرالله "زرع التشاؤم في النفوس من امكان حدوث اي تطور ديمقراطي في لبنان"، متّهمًا اياه بـ"ضرب مفهوم الديمقراطية".

وفي السياق هذا يقول المحلل السياسي نسيب حطيط لـ " إيلاف" ان إعلان الوثيقة يأتي بعد 24 عامًا من الوثيقة الاولى "مما يعني انها لا تتعلق بوثيقة مؤتمر دوري، بل هي رؤية استراتيجية ومفصلية لحزب الله". ويعتبر حطيط " ان تأكيد مقدمة الوثيقة على فشل المشروع الاميركي وتحليل حيثياته يشيران الى ان الهدف الرئيس للحزب في المرحلة المقبلة سيكون مقاومة هذا المشروع ليس الدخول في التفاصيل اللبنانية الضيقة، وهذا ما يحتّم عليه انتقاء تحالفاته اينما وجد المشروع الاميركي، بحيث يدعو الى قيام جبهة عالمية للمقاومة حتى لو وصل الامر الى دول اميركا اللاتينية".

ويرى حطيط " ان السيد حسن نصرالله حسم في وثيقته مسألة انتماء المقاومة إلى الأمة وليس إلى الطائفة او القومية او المفهوم الوطني الضيق ، وإن من دون اغفال هذه العناوين"، معلنًا " مبررات هذا التحول السياسي للحزب من قوة تحرير الى قوة ردع ، الامر الذي يفرض على المقاومة تطورًا في خطابها السياسي من خلال عدم الدخول الى العناوين التفصيلية التي تحتمل بعض التأويل". ويقول إن "الوثيقة يغلب عليها طابع الامن السياسي الذي يحمي توجهات الحزب دون تعريضه لضربات النقد، كما ان السيد نصرالله حاول انكار تهمة الارهاب عن حركات المقاومة والصاقها بالتالي بالادارة الاميركية، وهو بإعلانه ان حركات المقاومة تمثل آخر حصون الدفاع يعني اعترافاً ضمنياً منه بسقوط الحكومات والانظمة وعجزها عن القيام بسمؤولياتها امام الشعوب".

ويلاحظ المحلل حطيط ان "الوثيقة اقتصرت على جانب المقاومة العسكرية والسياسية ولم تصل الى المقاومة الثقافية كما انها اهملت المقاومة الاقتصادية والاجتماعية مع انها احدى الوسائل الفعالة في المشروع المقابل".

بدوره يعتبر عضو امانة قوى الرابع عشر من آذار مصطفى علوش لـ " ايلاف " ان السيد نصرالله يحاول بوثيقته ربط لبنان بالمحاور الاقليمية، وهذا أسوأ وضع بالنسبة إلى لبنان الذي لا بد من ان ينتهج سياسة الحياد الايجابي". ويضيف :"بعد ازدياد الصراع الدولي مع ايران يحاول حزب الله اعادة تموضع لبنان في هذا الاطار من خلال نقله مباشرة الى ساحة الصراع". وبسؤاله عما إذا حملت الوثيقة جديدًا في رأيه، يجيب علوش " انها وثيقة تلخيصية لمسيرة حزب الله، وكنا ننتظر من السيد ان يطرح شيئًا يخفف من عبث الوثيقة التأسيسية الاولى التي تتمحور على ولاية الفقيه".

ويختم بأن "الموقف الخلافي مع حزب الله لا يزال على حاله، وما هذه اللهجة التخفيفية منه سوى محاولة لابقاء الوضع على حاله"، رافضًا "نظرية الاستراتيجية الدفاعية المبنية على المزاوجة بين المقاومة الشعبية والجيش اللبناني، فلا بد من توحيد السلاح تحت راية الدولة".