لبنان

'جينة' الكرسي النيابي... بالدم وخاتم الزواج

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بقلم ريتا عازار: ضجت وسائل الإعلام اللبنانية منذ مدة، وقبلها نظيراتها العالمية المتخصصة منها، بأبحاث طبيب لبناني عن الجينة الوراثية للفينيقيين. ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في 7 حزيران/يونيو المقبل، يطيب لبعض الظرفاء التحدث عما أطلقوا عليه تسمية "جينة الكرسي" الوراثية، والمقصود لا يستدعي شرحاً مستفيضاً، بل إن جملاً بسيطة تعبّر عن المعادلة اللبنانية في علم الوراثة: إذا كان الجد أو والد الجد قبل الإستقلال أو بعده نائباً، فلا بد أن "جينة الكرسي" مطبوعة في الأبناء والأحفاد، وإن حدث أن ركدت فهي بالطبع لا تموت. هكذا هو الوضع في لبنان، فمن كان جده أو والده أو شقيقه نائباً فإن احتمال "إصابته بالنيابة، على كبر، وارد بنسبة كبيرة". وهذه الجينة يبدو أنها تنتقل أيضاً بالبناصر، حيث يستريح خاتم الزواج.

هذا الواقع يظهر بوضوح في عرض لأسماء المرشحين للموسم النيابي المقبل أو في مراقبة بناصرهم، من جبل لبنان إلى الشمال، إلى بيروت والبقاع ومنه إلى الجنوب، وإذا كانت الطائفة الشيعية ومن التسعينيات في الجنوب تتمثل في مجلس النواب برجال "حزب الله"، فهذا التمثيل ناتج أيضاً من بنوة، إنهم أبناء الثورة الإسلامية.

كم يحب اللبنانيون الأبناء! كم يحبون العائلات! حتى من توافرت له الظروف ليكون منظوراً في بلاد الأرز دون أن يحمل اسم عائلة معروفة ودون ان يضع في بنصره خاتم ارتباط بعائلة مرموقة، يصاب، فجأة ودون إنذار بـ"جينة الكرسي"، وتتحول اهتماماته من أتباعه العصاميين إلى أتباعه الأقربين، النائب العماد ميشال عون، ابن عائلة لبنانية عادية، يوم انتُقد عام 2005 لاختياره صهره المهندس جبران باسيل مرشحاً عن منطقة البترون، لم يحك يومها عن كفاءة صهره بل أخبر الناس وعبر شاشات التلفزة بأن باسيل هو ابن عائلة معروفة وبأن عمه "كسرى" كان رئيس بلدية لمدة طويلة جداً. ومن جهته رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ابن العائلة البشراوية العادية، اختار وكان لا يزال في سجنه تحت الأرض، زوجته السيدة ستريدا لتمثّل "القوات" في برلمان 2005. تعددت التفسيرات والمبررات، ولكن يبدو أن النصر حليف العائلية.

ترى تنتقل "جينة الكرسي" في الهواء الذي يتنفسه النافذون؟
فحتى الأحزاب التي تنادي جهاراً وبلا هوادة بأنها لا تشبه سواها، وتنتقد العائلية بشدة، تختار ابناء عائلات معروفة لتمثيلها، فالحزب السوري القومي الإجتماعي يختار مثلاً غسان إبن أسد الأشقر مرشحاً في المتن الشمالي، وسليم إبن عبد الله سعادة في الكورة. أما "التنظيم الشعبي الناصري" والذي يحمل الشعب في اسمه يتوالى ورثة معروف سعد على النيابة والترشح عن أحد المقدين السنيين في صيدا. والأمر نفسه يسري على "تيار المستقبل"، بينما يقول كثر من العارفين أن العائلية قوية في حركة "أمل" و"حزب الله" ، ولكن ليس في شكل ظاهر. ليس في الحزب على الأقل.

في المقابل تبدو أحزاب أخرى منسجمة أكثر مع الواقع، فالحزب التقدمي الإشتراكي يمثله ابن البيت الجنبلاطي في مجلس النواب، صحيح أنه يقدّم معه أحياناً وجوهاً جديدة، ولكنه هو الثابت وهي المتحركة، تماماً كما حزب الكتائب، لا أحد يمثّله كما آل الجميل، تصل معهم إلى النيابة وجوه جديدة لكنهم الثابتون أما الباقون فيتبدلون. وحلم حزب الوطنيين الأحرار سيتحقق أخيراً في حزيران المقبل مع وصول نجل الرئيس كميل شمعون إلى كرسي النيابة عن أحد المقاعد المارونية في الشوف.

يخطر ببال بعض اللبنانيين، تبديل الأحوال. يحاولون عصيان ذاكرتهم الجماعية والانقضاض على كل ما له علاقة بالبنوة وبالبنصر، ويفاجئون مَن حولهم بأنهم عند الساعة الصفر يسقطون في صناديق الإقتراع أسماء لها باع طويل في النيابة، "أباّ عن جد".

وإجمالاً ينتقد اللبنانيون كلهم الوراثة السياسية، وفي شكل دائم، ولكن عندما يطل ابن زعيم أو أحد الحاملين في بنصره اسم ابنة زعيم يحبونه، يصفقون طويلاً، ويفرحون وينتخبون، أما الوجوه التي تصل فجأة إلى الواجهة السياسية فينصرفون إلى مراقبتها وإذا تبنوها، يهللون لها ويباركون عصاميتها وينتظرون منها الجهد الكبير الصادق ويتضرعون لله أن ترزق بذرية صالحة مصابة بدورها بـ"جينة الكرسي".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف