حسن نصرالله: سيرة تتأرجح بين الانتصارات وسوء التقدير

هيثم الخوند من بيروت: إنه قائد المقاومة الاسلامية في لبنان وصاحب القرار الاول والاخير فيه. السيد حسن نصرالله لا يحتاج إلى الكثير من المقدمات والتطويل للتعريف عنه، فقد اصبح في السنوات الاخيرة الشخصية الاولى في العالم العربي بحسب جميع الدراسات والاحصاءات، وهي مكانة لم يستطع احتلالها في بلده لبنان حيث كون له الكثير من المناصرين والمؤيدين، كما خلق له الكثير من الخصوم والاعداء إلى حد التطرف، إن في الكره او في العشق الذي لامس حدود تقديس الذي لا يقبل انتقادا او ملامة.

يتمتع حسن نصر الله بكاريزما قوية، دفعت بعضهم لتتويجه الزعيم الاكثر نفوذا وشعبية في العالم العربي بعد جمال عبد الناصر، كما ذهب بعضهم إلى أبعد من هذا حينما وصف برمز المقاومة في العصر الحديث على غرار عبد القادر الجزائري وعمر المختار. ابن بلدة البازورية الجنوبية القريبة من مدينة صور، أبصر النور عام 1960 في عائلة تشكو كغيرها من ضيق الحال والاهمال والحرمان. شظف العيش اضطر بعبد الكريم نصرالله إلى النزوح صوب بيروت، وهناك اقامت العائلة في منطقة الكرنتينا شرقي العاصمة وهناك ترعرع حسن الصغير وكبر حيث ساعد والده في بيع الخضار والفاكهة وفي نفس الوقت كان يتابع دراسته الابتدائية في منطقة سن الفيل. اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975 دفع بعائلة نصرالله للعودة إلى البازورية وهناك تابع حسن نصرالله دراسته في ثانوية صور الرسمية للبنين.

البدايات في أمل

خلال وجوده في البازورية إلتحق حسن نصرالله بصفوف حركة "أمل" وحينها كان خياره يبدو غريبا ًعن توجهات البلدة السياسية التي كانت تأخذ الطابع الشيوعي والماركسي لكثرة الشيوعيين الموجودين فيها إبان ذلك الوقت، ثم أصبح مندوب الحركة في بلدته. وخلال النشاط في حركة امل تعرّف نصرالله إلى محمد الغروي الذي كان يقوم بتدريس العلوم الإسلامية في إحدى مساجد المدينة بإسم السيد موسى الصدر، وبعد مدة من لقائهما طلب نصرالله من الغروي مساعدته في الذهاب إلى مدينة النجف العراقية وهو ما تحقق بعدما حمله الغروي كتاب توصية لمحمد باقر الصدر أحد أهم رجال الدين الشيعة عبر تاريخهم.

وبوصوله إلى النجف لم يكن قد بقي بحوزة نصرالله قرشا ً واحدا ً، وهناك سأل عن كيفية القدرة على الإتصال بمحمد باقر الصدر فدلوه على شخص يدعى عباس الموسوي وعندما التقى به خاطبه نصرالله بالعربية الفصحى ظنا ً منه أنه عراقي لكنه فوجىء بأن الموسوي لبناني من بلدة النبي شيث البقاعية وهذا اللقاء كان محور تغير هام في حياة نصرالله. فابتداء من هذه اللحظة كون الرجلان صداقة قوية اسست لعلاقة طويلة الامد خرج من رحمها hellip; "حزب الله".

بعد لقاء نصرالله بمحمد باقر الصدر، طلب الصدر من الموسوي رعاية نصرالله والإعتناء به وتأمين ما يلزم له من مال وإحتياجات كما عهد له بتدريسه، وكان الموسوي صارما ً في دوره كمعلم وهو ما أمن لنصرالله الفرصة بإنهاء علومه الدينية في فترة سريعة نسبيا ً حيث أنهى المرحلة الأولى بنجاح في العام 1978.

بعد استلام صدام حسين الحكم في العراق، بدأ بالتضييق على الطلبة الدينيين حيث بدأت التهم تلاحقهم شمالا ويمينا ما دفع بنصرالله لمغادرة بلاد الرافدين والعودة إلى لبنان والالتحاق بالحوزة الدينية في بعلبك كما عاد إلى ممارسة العمل السياسي ضمن صفوف تنظيم حركة "أمل" التي كانت قد بلغت أوجها في ذلك الحين واستطاع في عمر العشرين ان يتبوأ منصب مندوب "الحركة" في البقاع.

حزب الله...

عام 1982 كان مفصليا ً في حياة نصرالله ففي هذا العام وقع الإجتياح الإسرائيلي للبنان وبوقوعه حصلت أزمة في صفوف أمل بين تيارين متقابلين، تيار يقوده نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني وكان يطالب بالإنضمام إلى "جبهة الإنقاذ الوطني " وتيار أخر أصولي متدين كان نصرالله والموسوي أحد أعضائه وكان يعارض هذا الأمر. وبتفاقم النزاع انشق التيار المتدين عن تيار نبيه بري لكونهم قد سجلوا عليه مآخذ كثيرة بسبب الإختلاف في تفسير الإرشاد الذي خلّفه الإمام موسى الصدر. وهنا كانت البداية الأولى لظهور حزب الله اللبناني، حيث بدأ هؤلاء الشباب بالإتصال برفقائهم الحركيين في مختلف المناطق اللبنانية بهدف تحريضهم على ترك تيار برّي والإنضمام إلى حزب الله.

بعد فترة تسلم نصرالله منصب نائب مسؤول منطقة بيروت الذي كان يشغله إبراهيم أمين السيد أحد نواب حزب الله السابقين في البرلمان اللبناني واستمر نصرالله بالصعود داخل سلم المسؤولية في حزب الله فتولى لاحقا ً مسؤولية منطقة بيروت ثم استُحدث بعد ذلك منصب المسؤول التنفيذي العام المكلّف بتطبيق قرارات "مجلس الشورى"، فشغله نصر الله.rlm;

ولكن يبدو أن المسؤولية والمناصب لم تكن تستهوي نصرالله بالقدر الكافي بل إن إهتمامه الحقيقي كان يتجه صوب تكملة دراسته الدينية، ولذلك فإنه وبعد مدة غادر بيروت متجها ً نحو إيران وتحديدا ً إلى مدينة قم لمتابعة دروسه الدينية هناك. وبعودته لم يكن لنصرالله مسؤولية محددة فمنصبه كمسؤول تنفيذي عام كان قد سـُلـِم للشيخ نعيم قاسم وهكذا بقي نصرالله من دون منصب حتى انتخاب عباس الموسوي أمينا ً عاما ً فعين قاسم نائبا ً له وعاد حسن نصرالله لمسؤوليته السابقة.

أمين عام حزب الله

في 16 شباط/فبراير 1992 اغتالت إسرائيل أمين عام حزب الله عباس الموسوي فتم الإتجاه إلى انتخاب حسن نصرالله أمينا ً عاما ً للحزب بالرغم من أن سنه كان صغير على تولي هذه المسؤولية ولكن يبدو أن صفات نصرالله القيادية وتأثيره الكبير على صفوف وأوساط قواعد حزب الله قد لعبت دورا ً مؤثرا ً في هذا الإتجاه وبالفعل فإن انتخابه كان له الأثر الأبرز في تثبيت وحدة الحزب بقوة بعد الضربة القاسية التي تلقاها لتوّه. rlm; وفي ذلك العام اختار الحزب الدخول إلى قلب المعترك السياسي اللبناني فشارك في الإنتخابات النيابية التي جرت في ذلك العام وحصد عددا ً من المقاعد النيابية عن محافظتي الجنوب والبقاع.

وفي 12 ايلول/سبتمبر 1997 فقد نصرالله إبنه البكر هادي في مواجهات دارت بين مقاتلي الحزب والجيش الإسرائيلي في منطقة الجبل الرفيع جنوب لبنان. وقد تأثر بهذا الحدث أيما تأثير لمكانته الكبيرة لديه فوقف راثيا اياه وشاكرا في نفس الوقت: " إنني اشكر الله سبحانه وتعالى على عظيم نعمه، أن تطلع ونظر نظرة كريمة إلى عائلتي فاختار منها شهيدا". و لقد وجه له محمد حسنين هيكل كلمات تعكس إلى حد بعيد الموقف، حينما كتب إليهَ معزياً بوفاة نجله البكر هادي قائلا "لقد رأينا الأبوّة تُمتحن بالجهاد إلى درجة الشهادة، و رأينا الجهاد يُمتحن بالأبوّة إلى درجة البطولة. إنني لا أعرف ماذا أقول لك؟ فلا أنا راضٍ عن كلمة عزاء أواسيك بها، فأيّ كلمة عاجزة، ولا أنا قادر على الصلاة من أجلك، فصلاتك أقرب إلى عرش الله من أيّ قول أو همس يصدر عنّي أو عن غيري".

نصران "إلهيان"... وما بينهما

25 أيار/مايو العام 2000 تحقق الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان ليصبح حسن نصرالله ومعه حزب الله الرمز الاول للمقاومة في لبنان وصانع الانتصار ويتحول ركنا من اركان السياسة اللبنانية. وان كان في السنوات السابقة للعام 2000 بعيدا عن معمعة السياسة اللبنانية الداخلية، الا انه اصبح في الاعوام اللاحقة رمزا من رموز الدفاع عن الوجود السوري في لبنان وللدور السوري فيه خصوصا مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وفي العام 2006 اعلن نصرالله انتصارا "الهيا" على اسرائيل في ما عرف بحرب تموز التي اوشكت على تدمير لبنان واقتصاده وبناه التحتية بالرغم من صمود الحزب امام العدوان. واثر هذه الحرب طالب نصرالله بمشاركة اوسع لحزبه والمعارضة اللبنانية في الحكم وهي مشاركة لم تتحقق الا بعد استعمال الحزب لسلاحه في الداخل اللبناني في احداث ايار/مايو 2008 وفرضه أمرا واقعا تمثل في الثلث المعطل لقرارات الحكومة اللبنانية، وهو يتطلع إلى الإنتخابات النيابية ليضفي شرعية لا غبار عليها على سلاح "المقاومة الإسلامية" في لبنان..