عودة المزاج الماروني إلى زمن الحيرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بلال خبيز: يبالغ فريق 14 آذار / مارس في تقدير تغير المزاج المسيحي، مثلما يبالغ فريق 8 آذار / مارس في تقديره لزعامة الجنرال ميشال عون وحدودها في الوسط المسيحي. الجنرال عون زعيم مقاومة بالمعنى الحرفي للمقاومة. لكنه زعيم مقاومة خاسرة على الأرجح. لقد تنكب الجنرال عون مهمات المقاومة المارونية في لحظة من لحظات انسداد الأفق المسيحي في لبنان. كانت لحظة حالكة، وكان المسيحيون اللبنانيون يومها، بجميع تياراتهم يدركون ضيق الأفق المفتوح أمامهم، لكنهم اختلفوا على السبل الواجب إتباعها لمواجهة هذه المعضلة. بعضهم رأى ان لا بد من المقاومة بما تبقى لهم من مصادر قوة وموارد، وبعضهم الآخر رأى ان لا بد من التسليم بمقتضى ما آلت إليه أحوالهم. ومن هذين التيارين تولدت معظم زعامات الموارنة اللبنانيين في التاريخ القريب.
حتى انتهاء زمن الهيمنة السورية على لبنان، كان ثمة بين المسيحيين من يرى ان لا سبيل أمام مسيحيي لبنان للبقاء وأداء دور ولو متواضع، إلا بالمبالغة في الولاء للطرف الإقليمي المهيمن، وبعضهم الآخر رأى ان مثل هذا الخيار يعني في نهاية المطاف ذوبان الدور واضمحلال الموارد. والأرجح ان الهيمنة السورية ثقيلة اليد لم تحسن فهم هذا الاضطراب الماروني وتالياً الاستفادة منه. وعليه لم تتمكن الإدارة السورية العسكرية - الأمنية، بسبب ضيق افقها وضعف خيالها السياسي، من فهم ما الذي يعنيه مارونياً، انقلاب رئيس الهيئة التنفيذية لـ"القوات اللبنانية" الوزير الراحل ايلي حبيقة على كل ما قاتل وناضل من اجله منذ صباه، والذهاب نحو توقيع "الاتفاق الثلاثي" برعاية سورية واضحة. كما لو ان حبيقة اراد بذلك إعلان تسليم المسيحيين وقبولهم المظلة السورية الوارفة الظلال على الطوائف جميعاً في مقابل بقاء دور ماروني راجح وحاسم في حكم البلد إدارياً.
اليوم ثمة أوجه شبه كثيرة بين تجربة الراحل ايلي حبيقة وتجربة الجنرال ميشال عون. فالرجلان انقلبا على تاريخ وتجربة، ودفنا دماء وجهوداً كثيرة من اجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن الفارق بين الرجلين، ان ايلي حبيقة كان يتصرف وفق اعتقاد جازم ان أحدا في العالم اليوم لم يعد يهتم لحماية الموارنة اللبنانيين، وعليهم القبول بما يتيسر لهم من علاقات خارجية سواء أكانت هذه العلاقة مع العدو الإسرائيلي في بدايات حبيقة، أم مع الخصم السوري في ما بعد. وكلا الطرفين، سورية واسرائيل، شكلا على الدوام تهديداً جدياً لاستقلال لبنان ودور الموارنة المميز فيه. لكن الجنرال ميشال عون، كان على الدوام يخطئ في قراءة خرائط تموضع القوى الدولية، فيوم كانت الولايات المتحدة تنشد أقصى قدر من الاستقرار في المنطقة، حارب سورية أولا ثم ذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية محرضاًً عليها، يوم كانت الولايات المتحدة تسمع عن استقلال لبنان بأذن من طين وأخرى من عجين. أما عندما أصبحت الولايات المتحدة الأميركية سبباً من أسباب الاضطراب في المنطقة واتبعت سياسة هجومية، ليس في المنطقة وحسب بل في العالم اجمع، ذهب نحو سورية وإيران.
لكنه في الأحوال كافة كان الرجل الذي يعبر من دون لبس عن مزاج مسيحي عام يخشى على الدور المسيحي في لبنان والذي يرقى، لأسباب لا تحصى، إلى مرتبة مبرر الوجود المسيحي في لبنان وليس أقل.
اليوم انتهت انتخابات لبنان التشريعية بنتيجة واضحة: عودة الموارنة اللبنانيين إلى نقطة الصفر: إلى ما قبل عام 1990. يوم كان الانقسام الماروني بين خيارين ضيقين حاداً وعنيفاً ومسبباً لحروب ونزاعات مسلحة. وفي هذا الانقسام إهدار للطاقات والموارد على حد سواء. بل ان الأقلية المارونية في لبنان تكاد تكون الأقلية الوحيدة في العالم التي لا تحسن التوحد في مواجهة الأخطار التي تحدق بها. والأرجح ان حاجة الموارنة ملحة اليوم إلى من يمد لهم يد المساعدة الصادقة من الخارج، هذا على افتراض انهم سيحسنون الإصغاء مجتمعين.
باراك اوباما، خصص الموارنة اللبنانيين بجملة معبرة في خطابه القاهري. الأميركيون سمعوا العبارة جيداً، وأجزم ان "حزب الله" سمعها أيضا، وكذلك سعد الحريري ووليد جنبلاط. ويكاد المرء يجزم للمرة الألف ان الوزير جبران باسيل لم يسمعها. فهل سمعها الجنرال؟