لبنان

هل ظهرت طلائع الجيش السوري في نافذة المختارة؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بلال خبيز

في الشكل، ليس الحديث عن تخوف لبناني من عودة الهيمنة السورية إلى لبنان حديثاً مفيداً. في المضمون، لا يقرر السوريون انهم يريدون الهيمنة فيقبل الطرف الأضعف هذه الهيمنة كما لو انها منة من منن السماء. في الشكل والمضمون، هذا النقاش لا يقع في محله. من حق اللبنانيين، معظمهم على الأقل، التخوف من عودة الهيمنة السورية إلى لبنان. آثار اليد السورية الثقيلة على البلد ما زالت واضحة وبادية للعيان. وليس ثمة من يريد ان يعود مرة أخرى إلى احزان الماضي وجروحه. إنما بين التخوف وتلبس الماضي والوقائع مسافة يجدر بنا حسابها بدقة شديدة. دقة تلحظ ان عمدة الهيمنة السورية السابقة هي اول ما تفتقده الرغبة السورية في الهيمنة مرة أخرى. الهيمنة السابقة كانت تستند إلى قوة من الجيش مرابطة في لبنان، وهذه لم تعد موجودة. هذا اولاً، ثم ان القوى السياسية التابعة لسوريا او التي تدور في فلكها اليوم ليست كلها صافية الولاء. ثمة اسئلة كثيرة تحوم حول حلفاء سورية في لبنان ومدى عمق تحالفهم معها، من "حزب الله" إلى "التيار الوطني الحر". في المنتصف يقع ركنان من أركان الطائف، وليد جنبلاط ونبيه بري مع حفظ الألقاب. وليد جنبلاط نفسه كان أكثر خصوم النظام السوري حدة في السنوات الأربع الماضية، وكان أكثر حلفائهم فاعلية في سنوات التسعينات من العقد الماضي. ما الذي يستنتجه العاقل من هذا التقلب؟

حكاية وليد جنبلاط مع النظام السوري هي حكاية مقلقة في حد ذاتها للبنانيين عموماً. اللبنانيون يصفون الرجل بصفة بارومتر السياسة الدولية حيال لبنان، حيث يولي وجهه تعصف الرياح في ظهره، اي انه يعرف اتجاهات الرياح. وحيث انه منذ شهور وهو يغازل سورية كل يوم، فإن ذلك يعني حكماً ان الوكالة الدولية التي سحبت من سورية باستثمار العقار اللبناني عام 2005 قد اعيدت لها عام 2009. ربما يجب ايضاً ان ندقق بين المحلي والخارجي في سلوك وليد جنبلاط. في بدايات دعوة زعيم المختارة لإحياء تيار الوسط، قدم إشارتين بالغتي الأهمية لمن يريد من اللبنانيين المتابعة: الإشارة الأولى انه يريد ان يكون ركن من اركان التوسط الذي يقوده رئيس الجمهورية ميشال سليمان، والثانية ان التداخل الشيعي -الدرزي في قرى الجبل والشوف يوجب على حزب الله والحزب التقدمي الإشتراكي ان يسعيا ما وسعهما من اجل درء اي فتنة قد تحصل. في ما يخص الإشارة الأولى ربما يحسن بنا ان نتذكر ان زعيم المختارة نفسه هو واحد من الذين اعترضوا على ترشيح العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية: اسياد بيت المختارة يتحسسون من رجال العسكر غابراً عن غابر. ما الذي يجعل سيد المختارة اليوم يفكر في التوسط تحت عباءة رئيس الجمهورية؟ الأرجح ان لزيارة هيلاري كلينتون إلى لبنان وتعمدها حصر لقاءتها الرسمية بالرئيس سليمان مثلما فعل جو بايدن نائب الرئيس الأميركي في زيارته الخاطفة اثراً باهراً. الولايات المتحدة تقول، انها تؤيد من يمثل الشرعية اللبنانية، وليس شخصاً او زعيمأً او طائفة. إلى هنا، يبدو الأمر معبراً.

الإشارة الثانية تقول ان حصاد زعيم المختارة في سنوات المحنة الأربع لم يكن بحجم البذار، او بحجم الأمل. لقد بدا زعيم المختارة للحظة كما لو انه المرشد الروحي لقوى 14 آذار/ مارس مجتمعة. في لحظة سياسية حالكة من لحظات الأزمة اللبنانية بدا انه في الإمكان ان تلعب طائفة صغيرة في لبنان دوراً اكبر من حجم لبنان حتى. او أن تقاد الطائفة المارونية او السنية بزعيم درزي او ارثوذوكسي. لكن الايام التي تلت اثبتت ان الامور لا يمكن ان تستقر على هذا النحو. الزعامة تحتاج إلى مشاريع سياسية والمشاريع تحتاج إلى موارد، والموارد ليست في متناول أهل الجبل. النتائج أسفرت عن مشروعين كبيرين، وشبه مشروع. مشروع شيعي مسلح وسلاحه يشكل أهم موارده، وتدور حوله قوى صغيرة متنوعة المشارب والمنابت، ومشروع سني يملك من الموارد الداخلية والخارجية ما يؤهله للإدعاء انه يملك مشروعاً لحكم البلد، وهو يكاد يكون المشروع الوحيد. وأخيراً شبه مشروع ماروني، يحاول ان يشكل النبض الحقيقي للبنان اللبناني، لبنان وحسب، وغالباً ما كان يتم الاعتداء عليه وتعطيله من قبل الموارنة انفسهم. في دوامة هذه المشاريع الثلاثة بدت الطوائف الأصغر حجماً كما لو انها فقدت كل بعد خارجي. وعلى الأرجح فإن السلوك الذي يسلكه الزعيم الدرزي يحاول الإيحاء أن حماية الطائفة اليوم لن تكون بجعل اهلها فرقة المغاوير في جيوش الطوائف الاخرى، بل بجعلها فرقة الإطفاء.

من نافذة وليد جنبلاط، يمكن التنبه إلى حجم الدور السوري اليوم. لم تعد سورية بعد اربع سنوات من الخصومة معها هي نفسها. القوى السياسية التي كانت تابعة لها وما زالت، لا تشكل في المجال اللبناني اكثر من يد عاملة قادرة على التخريب والتعطيل، لكن القوى الوازنة لها حساباتها المحلية والخارجية، والأرجح ان بعض هذه القوى تملك من الوزن الخارجي ما يفوق الوزن الذي تملكه سوريا الدولة والنظام. على هذا لا يبدو الحديث عن عودة الهمينة السورية حديثاً مفيداً، لكن قطع الشك باليقين بأن لا دور حاسماً لسوريا في مستقبل لبنان قد يكون ايضاً من الاحاديث الساقطة. السؤال الذي ينبغي علينا طرحه كل مرة امام تقلبات وليد جنبلاط: ما الذي تغير من حولنا حتى يلجأ الزعيم الدرزي إلى التقلب في محاولة لحماية دور الطائفة؟ وكل مرة نكتشف ان ثمة قوى لبنانية ما زالت موجودة ووازنة داخلياً تستطيع ان تشكل شوكة قاسية في خاصرة اي مشروع يريد تجاوزها محلياً او خارجياً، لكن هذه القوى لم تعد تملك مشاريع للمستقبل. وإذا كان ثمة ضرورة لتحجيم قدرتها على التعطيل والاعتراض، فالأرجح ان النظام السوري سيجد فرصته الذهبية ماثلة في هذا الباب: استعادة دور الشرطي الصارم لتأديب العصاة. بعض القوى تتحسس جلدها منذ الآن، وترقب بعين الحذر وقائع الدور السوري المستجد. لكن بعضها الآخر ما زال يظن انه يملك مشروع نابليون العصر الحديث.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف