لايف ستايل

سهرات رمضانية ثلاثية الأبعاد في الجزائر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لأنّها تمثل عفوية الانتماء وأصالة إرث الزمنالجميل، ينجرف الجزائريون وراء صنوف تراثهم الشعبي الزاخر بقوالب العيساوة، المالوف والبوقالة، وفي مواكبة (إيلافية) لتطبيقات الصنوف الثلاثة، شهدت السهرات الرمضانية المحلية حضورا متألقا للحضرة العيساوية الأصيلة والطرب الأندلسي الراقي، وكذا لعبة البوقالة الضاربة في القدم، والتي تقترن بالتقاليد الفنية الرمضانية في الجزائر. على إيقاع صوفي أخاذ ومسحات جمالية لطيفة، انخرطت عديد الحواضر الجزائرية من محافظتي قسنطينة وعنابة شرقا، إلى نظيرتها مستغانم غربا، مرورا بمنطقة المدية والجزائر العاصمة شمالا، في احتفاليات تراثية لا تزال نابضة بأهازيجها ورصيدها الخاص.في هذا الشأن، تبرز "المجالس العيساوية" وهي حضرات صوفية تنشطها أجواق تؤدي المدائح الدينية وتدور الكلمات غالبا حول ذكر الله والإشادة بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام، والتنويه بمناقب الأولياء الصالحين، ويجري الاعتماد أساسا على الدف والدربوكة والطار كآلات موسيقية، ومن أشهر الأجواق: دار "بلفرطاس"، دار "السبيطار"، "نجمة"، "زلوخة الفرقانية"، وكذا فرقة "نسيم العلى مزغزان".ويبرز "حبيب جوابري" الناشط المخضرم في فن العيساوة، ما يحظى به الأخير من حظوة لدى مواطنيه، وهو ما يبرره الباحث "سعيد جاب الخير" بكون "الحضرة العيساوية" وسيلة علاج شبه نفسية، يكون مفعولها مضاعفا في ليالي رمضان سيما مع ما ينطوي عليه الأخير من قدسية خاصة. ويسجل علي، كريم ، خديجة، أسماء وغيرهم ممن واكبوا سهرات رمضان العيساوية، أنهم استمتعوا بتنوع الفن العيساوي وتناغمه مع مختلف الطبوع الموسيقية الموجودة في الجزائر ومنها المالوف والقناوي والإيقاعات الصحراوية، فضلا عما وفرته تلك السهرات من فرجة وجماليات وحميمية تنعش الأجواء الرمضانية الصيفية.على المنوال ذاته، استمتعت الجماهير الجزائرية في رمضان بتنويعات فنية غنائية من وحي فن المالوف عبر أصوات كل من حمدي بناني، محمد الطاهر فرقاني إلى جانب نجله سليم، العياشي ديب ، الأخضر كسري، توفيق خليل، فريد نوري، فضلا عن الفنانتين لمياء معديني وليلى بن مراح في موسيقى الحوزي المشتقة من فن المالوف الأندلسي. والمالوف نوع خاص جدا لا يمكن برأي متذوقيه لأي طبع غنائي آخر مجاراته أو منافسته، خصوصا مع تمتّع مؤديه بحسن الصوت وتقديم مطربي المالوف مقاطع صغيرة تسحر الشباب الذين يتذوقون حلاوة روحها، بعيدا عما كان ينتاب هذا النوع الأندلسي العريق بألوانه سابقا من أغاني كان يؤديها الشيوخ وتدوم ساعات.وتتواصل ليالي المالوف والعيساوة طوال شهر رمضان بمعدل سهرة كل أسبوع وتنظم الحفلات في أماكن مختلفة، حيث يجنح مبدعوها إلى التجوّل بين خشبات المسارح وقاعات الحفلات والمقاهي والساحات بوصفها العصب النابض للشارع المحلي.ولا تغيب عن سهرات رمضان في الجزائر، طبوع رائجة ولها عشاقها على غرار الشعبي، الأغنية الشاوية والقبائلية، ناهيك عن المنوعات العصرية الراقصة، إلى جانب منتخبات من الفلكلور الشعبي كالتيندي والزناتي وباقات الأهاليل."البوقالة" تعود من بعيد في ديكور نسوي على طول الخط، تشهد سهرات رمضان، انصراف فريق من الجزائريات إلى ممارسة لعبة البوقالة الرائجة وهي نوع تراثي متوارث شفويا من الموشحات الأندلسية، وتقليد جزائري قديم نشأ بمدينة شرشال (90 كلم غربي الجزائر) زمن العهد الفينيقي.وتقوم البوقالة على التباري بالحكم والأمثال الشعبية التي تتفنن النساء لا سيما المخضرمات فيحفظها و المحافظة على نقلها للجيل الجديد من مواطناتهنّ، ويشتق اسم " البوقالة " من الكلمة الأمازيغية "بوقال"، وهي عبارة عن إناء يصنع من الفخار للشرب كما يوضع به الحليب،والعلاقة الموجودة بين الإناء "بو قال " والموشح الشعبي، تكمن في استعماله أثناء جلساتالقراءة، وتنتشر البوقالة في الوسط النسوي خلال سهرات رمضان الطويلة، حيث تتحلق النساء والصبايا لتعاطي ضروب السمر عبر لعبة البوقالة، وتضع العذراوات في الإناء شيئا من حليّهن ويغطينه بعد ذلك بقطع من القماش، وبعد استهلال "باسم الله بديت، وعلى النبي صليت"، تشرع إحدى الحاضرات في قراءة الموشح الشعبي، وإثر كل مقطع منفرد، تسرّب القارئة يدها إلى داخل"البوقال" لسحب قطعة من الحلي الموضوعة فيه، ويتم تفسير طالع صاحبة الحلية المسحوبة علىضوء ما جاء في الموشح الشعبي المقروء وتسمى هذه الجلسة الترفيهية الأدبيةبـ"البوقالة ".بهذا الشأن، تشرح جهيدة: "نجتمع في باحة إحدى منازل الحي أو حتى على أسطح إحدى العمارات، ونقيم جلسات نسائية خاصة تزينها تلك الصينيات المملوءة بفناجين الشاي ومختلف الحلويات التي تجلبها كل واحدة بعدما حرصت على تحضيرها في البيت لتكون البوقالات أكثر ما نتسامر عليه، وبعد أن تستمع كل واحدة لفألها تنصرفن وكل واحدة تحمل أملا وتفاؤلا كبيرا بأن يتحقق ما كان في البوقالة التي كانت من نصيبها ".ويشير عارفون لـ"إيلاف"،أنّ إخراج لعبة البوقالة في قالب جيد، يتطلب من عرّابيها تحضير أجواء حميمية خاصة، تساعد بحسب الحاجة زهية (65 عاما)، على فتح مخيلة الهائمات بالبوقالة وفسح خواطرهن وشرح صدورهن تحسبا للفأل والأمل والرجاء والحلم، وكل جلسة تستجيب لهذه المقتضيات تأتي متميزة ومبهرة وتحوز مآلات جيدة.وتبعا للزخم الذي يطبع الموروث الأدبي والثقافي الشعبي الجزائري الأصيل، وفرسانه الكبار، أمثال: "أحمد بن قيطون "، "سيدي الأخضر بن خلوف"، "ابن مسايب "، " ابن التريكي"، "ابن سهلة"، "مصطفى بن براهيم "، "سيدي سعيد المنداسي"، والشيخ" قدور بن عاشور الزرهوني "، تتعدد نماذج البوقالة، نذكر منها بوقالة "التويزة" وفحواها:طفلــــــة امجـيحــة دلالي مـقواني* منها القلب زاد اعزابو
يامـــن ادرا أيـــــدور شـــرع الله * في ناسها ايعود ايصيبو
مشيــــت للقـــــاضـــي نشـــــكي * تما نعيد ليه اونحكــــي
لوصبت راحتي مهلكي محبوبـي * عــــازفــــــي قلبـــــــي
ارحايلي عليها غابو
*لله بالقاضي قدر
هذه البوقالة يشترك فيها عدد كبير من الجمهور وتؤدى على إيقاع نغمات المزامير ودق الطبول وزغاريد النساء، وتعبر عن تضامن وتكاتف أهل المنطقة، وهذا نتيجة للظروف الطبيعية التي تفرضها العوامل الطبيعية في المنطقة وهي تؤدى عندما تزحف الرمال والمياه على منطقة سكنية.وتصطبغ طقوس " البوقالة " بديكور فانتازي فريد، إذ ترتدي النسوة أشهر الثياب والحلي التقليدية الشهيرة في الجزائر، كالقفطان، "القاط"، "سروال الشلقة "، "سروال المدور"، " الكاراكو المطرز بالمجبود"، "الأحجار الكريمة"، "المحزمة"، وطقم من الأحذية الخفيفة اللينّة التي لا تصدرأصواتا عند المشي.واقترنت البوقالة برمضان الجزائر منذ القدم، حيث ترك الجزائريون القدماء ما يزيد عن مائتي مثل شعبي يجمع بين عمقالمعنى وسلاسة المبنى، وعن طريق مجموع البوقالات وما تنطوي عليه من شعر ملحون، يمكن للمهتم بتاريخ الجزائر أن يتعرف ويقف على المراحل التي مرت بها الجزائر وواقعها الاجتماعي.وظلّ الأجداد والآباء يتوارثون "البوقالة"، ويحيون لأجلها ليالي رمضان الطويلة، لما تمثله من أهمية في الحفاظ على ماهية الأمة وزخمها ومرتكزاتها، ففي " البوقالة " نعثر على عيون اللغة العربية وجواهر التراث الأمازيغي، وتمكّن البوقالة الغائص فيها، من إدراك أسرار الحياة الجزائرية وما يتصل باللباس، الطبخ، الصناعات التقليدية، الشعر والغناء الكلمات،الزوايا، وغيرها.وتعلّق زبيدة (52 عاما): "البوقالات في عمقها تعبّر بحق عن الارتباط الوثيق بمجموع العادات المتوارثة، وتعد أيضا بمثابة متنفس بين النساء فيما بينهن في إطار يجمع بينهن في ركح تقليدي يُراد من خلاله الحفاظ على هذه الأعراف وغيرها المنتشرة بالجهة وتوريثها للأجيال الأخرى".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف