الأسواق خالية إلا من المتنزهين
السيّاح الخليجيون يعزفون عن تمضية رأس السنة في لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من يقوم بجولة على أسواق مدينة بيروت وشوارعها المعروفة يلحظ على الفور غياب السيّاح الخليجيين الذين اعتادوا زيارة لبنان في أعياد الميلاد ورأس السنة، ومما لا شك فيه فإن الوضع الأمني الذي انسحب على أوضاع المدينة والبلاد بشكل عامفي الأشهر الأخيرة كان السبب وراء عزوف الخليجيين كافة عن زيارة لبنان.
تركت الأزمة في سوريا أثرها السلبي على أسواق لبنان التي افتقدت في عطلة نهاية السنة سيّاحها الخليجيين، وتراجعت فيها حركة استهلاك المواد غير الأساسية على مدى السنة أكثر من النصف، بحسب ما يقول خبراء.
تقول صوفي سلامة، صاحبة محل تجاري لبيع الاكسسوارات في وسط بيروت، "العرب يقاطعوننا. انهم يسجلون موقفًا ضد موقف الحكومة اللبنانية من الازمة السورية". وتلتزم الحكومة اللبنانية المؤلفة من غالبية مؤيدة للنظام السوري سياسة "النأي بالنفس" تجاه الأزمة السورية بسبب عمق الانقسامات بين اللبنانيين الذين يتوزعون بين مؤيد لنظام الرئيس بشار الأسد ومناهض له، وخوفاً من تداعيات للنزاع في البلد الصغير ذي التركيبة السياسية والطائفية الهشة.
وتقول صوفي: "نمر في ظروف عصيبة، ما اضطرني الى خفض مصاريفي بشكل كبير حتى أتمكن من تحقيق بعض الأرباح في نهاية السنة". وتضيف أنها اعتمدت كذلك "استراتيجية تقوم على تقديم تنزيلات في غير موعدها، وعلى توجيه رسائل إلكترونية الى زبائني في دول الخليج الممنوعين من السفر الى لبنان لشرح العروض".
وفرضت دول الخليج اعتبارًا من الصيف الماضي حظراً على سفر مواطنيها الى لبنان، بعد أحداث أمنية متنقلة في المناطق اللبنانية على خلفية الأزمة السورية وحصول عمليات خطف طال بعضها مواطنين خليجيين.
وتقول مديرة الاستراتيجيا في شركة "فيرست بروتوكول" لتنظيم المؤتمرات والمعارض فيوليت بلعة إن "قرار القطيعة الخليجي اثر كثيرًا على الحركة السياحية والاقتصادية. هذا القرار ظاهره أمني والتذرع بالخوف من زعزعة الاستقرار وعمليات الخطف، لكن خلفيته سياسية، وهي الموقف اللبناني الرافض لإدانة النظام السوري".
الكويتيون أخلوا بالميزان السياحي
وتوضح الخبيرة في شؤون الاقتصاد أن السعوديين والكويتيين هم أكبر نسبة من السيّاح الى لبنان بين العرب، وهم اكثر من ينفقون في المجال السياحي في لبنان. غيابهم أخلّ بالميزان السياحي".
ويضاف الى هؤلاء أيضًا الأردنيون الذين لا يشملهم قرار الحظر، لكنهم اعتادوا زيارة لبنان عن طريق البر عبر سوريا، وقد امتنعوا بمعظمهم عن الزيارة هذه السنة بسبب الأحداث الدامية الجارية على الاراضي السورية. وتقول بلعة: "خسرنا هذه السنة حوالي 22 الف أردني يدخلون لبنان عبر الحدود مع سوريا". وتشكل عائدات السياحة في لبنان أكثر من 22 في المئة من إجمالي الناتج القومي، وقد تراجعت هذه السنة، بحسب تقديرات خبراء، الى حوالي عشرة في المئة.
رغم ذلك، تبدو أسواق بيروت في اليومين الأخيرين من السنة تعج بالزبائن، الى جانب زحمة سير خانقة في العاصمة وعلى الطرق المؤدية اليها.
الخطة البديلة
وتقول صوفي سلامة: "اللبنانيون لديهم دائمًا خطة بديلة... إنهم يعشقون الانفاق حتى في الايام الصعبة"، مضيفة أن عددًا كبيرًا من السوريين قد جاء الى لبنان، كما يسهم المغتربون اللبنانيون في تحريك الاسواق.
ولجأ الى لبنان منذ بدء النزاع في سوريا قبل 21 شهراً عشرات آلاف السوريين. واذا كان بعضهم يعيش في ظروف مزرية في مناطق بعيدة عن العاصمة لدى أقارب أو في مدارس أو مراكز ايواء مستحدثة، فإن غيرهم ممن ينتمون الى طبقة ميسورة استأجروا شققًا أو نزلوا في فنادق.
متنزهون وليسوا زبائن
ويقول بالغ الذي يعمل في محل ألبسة في اسواق وسط بيروت الفاخرة إن كثيرين ممن تعج بهم الاسواق "هم من المتنزهين وليسوا زبائن"، مضيفًا أن الحركة تراجعت كثيراً منذ بدء عمليات التفجيرفي لبنان،والتي وجهت المعارضة اللبنانية اصابع الاتهام فيها الى دمشق.
وتؤكد جوانا التي تعمل في محل للألبسة الداخلية إن الزبائن اللبنانيين "يشترون الأساسيات ويفاوضون على الاسعار بإلحاح"، مضيفة "نحن نعتمد خصوصًا على السيّاح، لكن لا سياح في لبنان اليوم". وتشير بلعة الى دراسات تفيد عن تراجع نسبة الاستهلاك على المواد غير الاساسية في لبنان بحوالي 60 في المئة خلال السنة الفائتة.
إلغاء المفرقعات النارية في وسط بيروت
وفي مؤشر آخر على وجود أزمة، الغت شركة "سوليدير" التي اعادت اعمار العاصمة بعد الحرب الاهلية (1975-1990)، حفل إطلاق المفرقعات والأسهم النارية الذي كانت تحييه عند منتصف ليلة رأس السنة والذي كان ينقل مباشرة على شاشات التلفزة ويتجمع لمشاهدته آلاف الناس.
ويعبر طوني عيد العضو في جمعية تجار وسط بيروت عن الأسف لإلغاء الحفل. ويقول "في أيام الازمة، على الجميع أن يضاعف جهوده من أجل أن يحقق أقصى قدر من الربح، أو أن يحد من الخسارة". ويقول طوني سلامة، صاحب احد افخم المحال التجارية في وسط العاصمة، "اذا اوقفنا الالعاب النارية والاعلانات وحملات الترويج، سيعتقد الناس أن بيروت لم تعد مكاناً يقصد للسياحة. وهذا ليس صحيحًا".
ولا تخلو السوق من بعض السياح الذين قدموا رغم كل شيء. على أحد الأرصفة، فتاتان أردنيتان تحملان أكياسًا بأسماء محلات ألبسة وشوكولا، تعتذران عن الرد على الأسئلة، قائلتين "نحن في عجلة، علينا أن نلحق الطائرة المسافرة الى عمان".