تعرفوا على وسواسي القهري "أوليفيا"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لم يشخص الأطباء إصابة كاثرين بنفيلد بمرض الوسواس القهري حتى بلوغها سن 31 وإنجابها لطفلها الأول على الرغم من أنها عانت من المرض طيلة حياتها على ما يبدو.
واستعادت عافيتها بمساعدة العلاج وابتكارها لشخصية جسدت اضطراب السلوك القهري الذي كانت تعاني منه.
تقول كاثرين عن تلك الشخصية: "لها أذنان كبيرتان لأنها تشبه أرنبة وحشية جافلة تنصت لما يدور حولها. تبدو مستنزفة لأنها عانت الكثير وعادةً ما ينتابها بعض الذعر. العينان كبيرتان لأنها ترغب في التأكد أنها بمنأى عن الخطر والساقان كبيرتان لغرض الجري كأرنبة مذعورة".
"ومن الممكن أن يتبدل حالها أيضا بسرعة كبيرة. قد تكون هادئة في لحظة إلا أن مزاجها يتغير بعد ذلك وفجأة تشعر بأنها على وشك أن تفقد السيطرة على نفسها، بائسة ومكسورة وفي أسوأ الأحوال محطمة بالكامل".
تعرفتم الآن على أوليفيا Olivia. إنها شخصية مصورة ابتكرتها كاثرين تعكس الحالة التي عاشتها منذ كانت طفلة. حرف O في Olivia يرمز لـ OCD أي اضطراب الوسواس القهري.
تقول كاثرين إن الناس غالباً ما يكونون مخطئين بشأن OCD فهناك الكثيرون الذين يعتقدون أن الأمر يتعلق بالأشخاص الذين يصعب إرضاؤهم ويقومون بتنظيم الأقلام بشكل دقيق للغاية على المكتب إلا انه في الحقيقة حالة جدية من حالات السلامة العقلية المتعلقة بالقلق تتضمن وسواسا من أفكار وصور ومخاوف تفرض نفسها لا إرادياً.
في مسعى للحيلولة دون تحقق أحد مخاوفها، كانت كاثرين تشعر بأنها مرغمة على القيام بفعلٍ عقلي أو جسدي بشكل متكرر. وباستخدام المصطلحات المختصة، فإن الخوف هنا هو "الوسواس" والفعل المتكرر هو "القهري". كان هذا يوفر لها راحة مؤقتة من القلق ولكن مع احتمال عودته، ما يجعلها مضطرة لتكرار سلوكها مرة تلو الأخرى.
وتقول كاثرين إن الوسواس القهري غالباً ما يصيب الأشخاص اللطفاء الذين يهتمون بالآخرين. وتضيف: هم أشخاص حنونون يشعرون باحتياجات الآخرين . يحبون الناس من حولهم لدرجة أن يفعلوا كل ما بمقدورهم لصد الأذى عنهم".
عندما كانت كاثرين في سن تتراوح بين الرابعة والخامسة من العمر كانت تقف لفترات طويلة تنظر من النافذة بانتظار عودة أفراد من عائلتها تخشى تعرضهم للأذى. "كنت أعتقد أن وقفاتي الصامتة ستساعد بشكلٍ ما على إعادتهم للبيت سالمين" تقول كاثرين.
في سن المراهقة، كانت كاثرين تخشى أن تكون آخر من يغادر المنزل لأنها كانت تخاف من أن يحترق البيت بمجرد أن تغادره. إن حدث ذلك، كانت كاثرين تجد نفسها مجبرة على التأكد من أن موقد الطبخ مطفأ وأن موصلات الكهرباء مغلقة. وللتأكد من أن الجميع سينعم بالأمان كانت كاثرين تغلق الأبواب والنوافذ وتزيل مسببات خطر التعثر وكأنها واقعة تحت تأثير قوة لا تُقاوم.
وقد يستغرق القيام بهذه الأعمال ساعات وإذا ما تعطل تنفيذ واحد منها، لم يكن بوسع كاثرين إلا أن تبدأ العملية مجددا.
مع مرور الوقت وانشغالها إلى حدٍ كبير بدراستها وعملها كمدرسة أصبح للوسواس القهري تأثير أقل على حياتها. واستمر الوضع كذلك إلى أن أنجبت طفلها في سن الـ31 حيث أصبحت في حالٍ غير جيد.
تقول كاثرين: كانت ولادتي متعسرة جداً. كنت منهكة للغاية ولم يكن بمقدوري أن أقوم بالكثير من الأعمال البدنية، الأمر الذي أتاح لي فرصة جيدة للتفكير. وتقريباً على الفور بدأت في البقاء متيقظة طوال ساعات الليل للتأكد من أن طفلي يتنفس. من المعروف أن كل الآباء يفعلون ذلك مع أطفالهم خصوصاً حديثي الولادة إلا أن الأمر وصل إلى حد الشعور بأنه ليس بوسعي الابتعاد عن طفلي. لم أكن أنام ولا آكل.
في البداية كانت تروعها فكرة أن شيئاً أو أحداً قد يلحق به الأذى. وبعد ذلك بدأت في القلق بشأن احتمال أن تؤذيه هي نفسها.
تقول كاثرين: أذكر أنني كنت أجلس على الأريكة أنظر إلى حماتي وهي تحمل طفلي أمام حائط. أخذت أفكر كم سهلة هي فكرة النهوض ورميه باتجاه الحائط.. كان بمقدوري تصور الموقف بالكامل. كان فظيعاً جداً ومفصّلاً للغاية، ينبض بالحياة، وترافقه صور في رأسي عن مستقبلي وما سأكون قد فعلته بأسرتي وأصدقائي كنتيجة لذلك".
لم تكن كاثرين تعرف ما حل بها، الا أنها كانت تعاني من الوسواس القهري الذي يرافق فترة الولادة. النساء اللواتي يعانين من ذلك لا يقمن قطعاً بتنفيذ الأحداث التي يتصورنها إلا أن الأفكار التي كانت تحاصر كاثرين جعلتها تشعر بالقلق والاكتئاب والعزلة.
تقول كاثرين: لم أكن أعرف أنه الوسواس القهري. لقد اعتقدت أنني كنت أرغب في القيام بذلك، قلت لنفسي: "أي نوع من الأمهات تراودها أفكار مثل تلك بشأن أطفالهن؟!
تقول استشارية الطب النفسي د. لين دراموند Lynne Drummond إن أحداث الحياة سواء السيئة أم الجيدة تعد غالباً سبباً للإصابة بالوسواس القهري.
وتضيف: ولادة طفل حدث كبير جداً في الحياة، ناهيك عن مسألة وجود شخص يعتمد عليك كلية. أضف إلى ذلك تغير الهرمونات علاوة على شعورك بالإنهاك وربما الاكتئاب وأن جسدك قد مر بتغيير هائل. جسدياً أنت في الدرك الأسفل وعاطفياً يتعين عليك أن تستوعب التغير في دورك (في الحياة).
بدأت كاثرين في تجنب أي شيء من شأنه أن يلحق الأذى بطفلها. فقامت بإلقاء كل السكاكين من المنزل لأنها تخيلت نفسها وهي تؤذيه بها. لقد كانت مذعورة من الاقتراب بعربته من رصيف محطة القطار بعد أن راودتها فكرة دفعه باتجاه القطار. وأخيراً أصبحت قلقة جداً من مغادرة البيت صحبة طفلها.
تقول كاثرين: "لم تراودني فكرة الانتحار ولكني أذكر عند نقطة معينة أنني فكرت أنه في حال وقع الأسوأ ولم يكن بمقدوري التغلب عليه فإن الانتحار سيكون خيار لي. إذا كنت تعتقد بأنك تشكل خطرا على طفلك فإنك ستفعل كل ما تستطيع لإزالة هذا الخطر وهذا ما أفترض أنه أقصى ما كان يمكنني أن أفعله".
وتشير كاثرين الى أن أحداً بمن في ذلك عاملون في مهنة الطب لم يتمكن من التعرف على الأعراض التي عانتها. وتضيف: حرفياً لقد وصلت الى مرحلة أن زوجي قال "يجب أن تزوري الطبيب في الحال" ولذا فقد ذهبنا للطبيب. دخلت وكنت حرفيا في حال لم أتمكن معها سوى أن أقول : أنا في حالة قلق وسوف ألحق الأذى بطفلي ثم انفجرت بالبكاء.
قال طبيب العيادة لكاثرين انها كانت تعاني من القلق ووصف لها بعض العقاقير. ولكن حالها تدهور ثانية عندما حاولت التوقف عن تناول الدواء. وفي أحد الأيام وهي في حالٍ من اليأس، قامت كاثرين باستخدام محرك غوغل للبحث عن "الوسواس القهري والخوف من إيذاء الابن" لتجد نفسها أمام عشرات القصص.
وقد عقبت بالقول: لم أعتقد أن هذا كان سيحدث. لقد اعتقدت أنني وحش وعلى الفور كل ما كنت أفكر وأشعر به كان مكتوباً أمامي بأقلام أناس آخرين".
تم تشخيص كاثرين أخيراً من خلال الإنترنت بعد أن صارعت الوسواس القهري طوال حياتها. لقد طلبت المساعدة الطبية بعدها وبدأت العلاج بعد نحو ١٨ شهراً من وضعها لطفلها. وقد شمل ذلك العلاج السلوكي المعرفي CBT وهو علاج بالحديث يركز على كيف أن الأفكار والمواقف تؤثر على السلوك والمشاعر. بالإضافة الى العلاج بـ "التعرض ومنع الاستجابة" ERP وفيه يُطلب منك أن تواجه واسوسك أو مخاوفك ومقاومة الرد بالسلوك القهري.
تقول الدكتورة Lynne Drummond عن "التعرض التدريجي" علاج ERP:
ما أفعله هو أن أجعل المريض يخلق تسلسلاً هرمياً للمواقف. أستخدم مقياساً يتراوح بين صفر إلى ثمانية حيث الصفر يعني لا وجود للتوتر أما ثمانية فتعني الذعر الكامل. أجعلهم يضعون درجات القلق الذي يشعرون به دون تدخل لتصحيح الوضع. بكلمات أخرى، مع قيامهم بالسلوك القهري. أبدأ بسلوك تم تصنيفه بدرجة ثلاثة أو أربعة أي قلق خفيف إلى معتدل وأشجعهم على تعريض أنفسهم لمخاوفهم لوقت يتراوح بين ساعة أو اثنتين دون تدخل لتصحيح الوضع. سيكتشفون أن القلق سيبقى عالياً وسيكون الأمر فظيعاً للغاية إلا أنه في الواقع سيخف مع مرور الوقت وفي كل مرة يكررون الأمر سيكون أسهل قليلا.
يساعد هذا العلاج كثيرا، لكن كاثرين وجدت حجر عثرة كبير في طريقها للتعافي. وعن هذا تقول: لم يكن بمقدوري أن أواصل التحسن ما لم أتمكن من التعامل مع حقيقة أنني في الواقع لم أكن هذا الوحش. ومن هنا جاءت فكرة أوليفيا.
كانت أوليفيا طريقة لكاثرين كي تفصل نفسها عن حالتها المرضية. قامت أوليفيا بتجسيد وساوس كاثرين وسلوكها القهري وكانت كاثرين تشعر بالشفقة إزاء أوليفيا وهو ما مكنها من أن تشفق على نفسها أيضا.
وتشرح كاثرين هذا قائلةً: إذا ما راودتني فكرة فظيعة للغاية بإلحاق الأذى بشخصٍ ما، أتصور أن أوليفيا تأمل ذلك وأنها هي التي تشعر بالذعر، هي التي تشعر بالخوف وبهذا سأشعر بها. وسيكون حالي كما لو أقول لنفسي "انتبهي، لا تكوني حمقاء. هذا مجرد قلق" وبفعل ذلك أستطيع أن أحدث نفسي بهذه الطريقة".
منذ مدة وبينما كانت تغسل الأطباق في أحد الأيام خطرت ببالها فكرة أوليفيا.
وعلى الفور قامت بتصور ما ستبدو عليه أوليفيا وقررت أن تكتب مدونة.
لاحقا، أعلمت كاثرين زوجها بيت Pete، وهو فنان تشكيلي، بالفكرة فقام برسم المخلوق الأخرق الذي وصفته زوجته. وقد كان تأثير ذلك فورياً إلى حد أن كاثرين خرجت واشترت مجدداً مجموعة من السكاكين للبيت.