للشهرة ثمنها في الجمهورية الإسلامية
لماذا تخشى إيران من المؤثرين على إنستغرام؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كانت فاطمة خويشوند التي نشأت في إيران تحلم بأن تصير مشهورة، فراحت تنشر صور "سيلفي" على موقع إنستغرام على أمل أن يلاحظها أحد في يوم ما.
لكن كالمعتاد، كانت صور السيلفي هذه أبعد ما تكون عن ذلك.
فقد كانت صور تم التلاعب بها إلى حد كبير، وظهر وجهها فيها هزيلاً ومشوهاً وقد غُمر بمساحيق التجميل.
كانت الصور التي نُشرت تحت اسم مستعار -هو سحر تبر- صادمةً لدرجة أنها اجتذبت وسائل الإعلام الدولية عند ظهورها لأول مرة عام 2017.
وفي بعضها، بدت خويشوند تشبه الممثلة الأمريكية أنجيلينا جولي بشكل غريب.
وقد دفع ذلك إلى خروج إشاعات كاذبة مفادها أن الفتاة المراهقة خضعت لـ50 عملية تجميل لتبدو كنجمة هوليوود، لكنها أوضحت لاحقاً أن شخصية Corpse Bride (العروس الجثة) في الفيلم الخيالي الموسيقي الذي أخرجه تيم بيرتون كانت هي مصدر إلهامها الحقيقي.
وسرعان ما اجتذبت شخصيتها البديلة نحو 500 ألف متابع على إنستغرام، مانحة إياها الشهرة التي طالما تطلعت إليها.
لكن هذه الشهرة كان لها ثمنها.
ففي إيران، يمكن أن يكون النشر على وسائل التواصل الاجتماعي مسألة خطرة. إذ تفرض سلطات الدولة المسلمة الشيعية قوانين صارمة بشأن ما يمكن وما لا يمكن نشره. وبالنسبة لهم، كانت صور خويشوند بمثابة جرائم، لا خدعة فوتوشوب ذكية من فتاة مراهقة.
لذا في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ألقي القبض على خويشوند بناء على مجموعة من التهم، من بينما التجديف والتحريض على العنف والإساءة للزي الإسلامي وتشجيع الفساد بين الشباب.
وحُذف حسابها على إنستغرام وأمضت أكثر من عام في السجن دون السماح بإطلاق سراحها بكفالة.
وفي النهاية أصدرت محكمة ثورية إيرانية -تُعرف بسريتها وأحكامها ذات الدوافع السياسية بحق المعارضين- حكماً بحقها يقضي بسجنها لمدة 10 سنوات في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وأثارت قسوة العقوبة صدمة وقوبلت بالإدانة.
وقالت مسيح علي نجاد الصحفية الإيرانية البارزة والناشطة في مقطع مصور على موقع تويتر: "الجمهورية الإسلامية الإيرانية لها تاريخ في اعتقال النساء بسبب الرقص والغناء وخلع الحجاب الإلزامي ودخول الملاعب والقيام بعروض أزياء، لكن هذه المرة بسبب استخدام الفوتوشوب".
وكما رأت علي نجاد، يُنظر إلى قضية خويشوند على أنها تطرف جديد في التعامل الإيراني الصارم مع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
ويصعب الوصول إلى بيانات دقيقة عن جرائم الإنترنت في إيران. لكن وفقاً لبحث أجرته منظمة "نشطاء حقوق الإنسان في إيران" ومقرها الولايات المتحدة، اعتقل 332 شخصاً على الأقل بسبب أنشطتهم على الإنترنت منذ 20 ديسمبر/ كانون الأول 2016. وتقول المنظمة إنه من بين هؤلاء تم اعتقال 109 أشخاص بسبب أنشطتهم على إنستغرام.
وبوصفه شبكة التواصل الاجتماعي الوحيدة التي لم تحجبها الحكومة، يُعد إنستغرام منصة تحظى بالشعبية بين الشباب الإيراني للتعبير عن أنفسهم.
وقد خلق ذلك معضلة بالنسبة للحكومة التي يقول خبراء إنها مترددة في حجب هذه المنصة خشية إثارة القلاقل وإزعاج أصحاب الشركات الذين يعتمدون عليها في الدعاية وقطع سبل التواصل مع المواطنين. وبدلاً من ذلك حاولت الحكومة العمل كضابط.
ما حكاية شهرزاد التي تنذر خامنئي من منفاها في سلطنة عمان بفضح المستور؟
محسن فخري زادة، "أبو القنبلة النووية الإيرانية" من هو؟
وتقول تارا سَبهري فار الباحثة الإيرانية في منظمة هيومان رايتس ووتش لبي بي سي "حاولت إيران لفترة طويلة ضبط الثقافة دون نجاح. كانت هناك موجات عدة من استدعاء واستجواب المؤثرين على إنستغرام".
وفي إحدى الموجات عُوقب ستة إيرانيين بالسجن مع إيقاف التنفيذ والجلد، لظهورهم عام 2014 في مقطع مصور يرقصون فيه على أغنية هابي للمغني فاريل وليامز. وفي عام 2018 اعتقلت لاعبة جمباز مراهقة لنشرها مقطع مصور أثناء رقصها على أنغام موسيقى البوب.
وتتبع كل موجة نهجاً مماثلا. إذ يتعرض نشطاء إنستغرام للمضايقة والاعتقال والمحاكمة من قبل السلطات التي يقول نشطاء إنها تمارس ضغوطاً عليهم من أجل "الاعتراف" بجرائمهم المزعومة، وعلى التلفزيون الرسمي في بعض الأحيان.
ويبدو أن هذا هو ما حدث مع خويشوند التي ظهرت على القناة الثانية بالتلفزيون الإيراني تحت اسم " الزومبي أنجلينا جولي" بعد أسابيع قليلة من اعتقالها.
يقول سيد أحمد معين شيرازي (42 عاما) إنه وزوجته شابنام شاهروخي (38 عاما) على دراية بالأساليب القمعية للسلطات الإيرانية. فقد كانا أيضاً مؤثرين شهيرين على وسائل التواصل الاجتماعي وقد وقعت حساباتهما على إنستغرام ضحية القانون.
يقول معين شيرازي إنه تعرض منذ عام 2018 لحملة ترهيب من قبل الشرطة الإلكترونية الإيرانية التي استدعته للاستجواب وطلبت منه تعهداً مُوقعاً بالتعاون.
وخلال استجوابه الذي استمر ساعة، تلقى تهديدات متكررة بتهم تجسس لا أساس لها وأُمر بتطهير حسابه من منشورات معينة، كتلك التي ظهرت فيها زوجته دون غطاء الرأس الإلزامي (الحجاب).
وقال معين شيرازي وهو لاعب كيك بوكسينغ متقاعد يشتهر بلقب بيكاسو معين لبي بي سي "قالوا إن هذه المنشورات لوثت إيران بالثقافة الغربية".
وقد حُذفت المنشورات حسبما طُلب منه، لكن المضايقات استمرت، وصولاً باعتقال الزوجين ثم إطلاق سراحهما بكفالة 200 ألف دولار عام 2019.
"قال محامينا إنهم بالتأكيد يريدون رؤية بعض الدم"، كما يقول معين شيرازي وهو أب لطفلين.
وباتت عقوبة السجن لفترة طويلة أمراً مؤكدا.
لذا فر معين شيرازي وأسرته إلى تركيا في سبتمبر 2019، خوفاً على حياة أطفاله.
ويقول معين شيرازي إن ممثلي الإدعاء كانوا غاضبين. ولا عجب فقد حُكم على الزوجين غيابياً بالسجن 16 عاماً و74 جلدة وغرامة.
ويعتقد معين شيراوي أن الحكومة الإيرانية أرادت أن تجعله عبرة، مثلما فعلت مع خويشوند.
ويضيف "هكذا تعمل إيران. من أجل صرف الانتباه عن أشياء أخرى في البلاد، يبحثون عن قضايا لتنفيذ أجنداتهم. وسحر تبر هي واحدة منها".
وقد كشفت خويشوند عن العقوبة التي صدرت بحقها خلال حديث مع وكالة أنباء خاصة تعرف باسم رُكنا ويعتقد أنها على صلات وثيقة بالحكومة الإيرانية. وخلال اللقاء قالت إنها أدينت بتهمتين من أربع تهم وُجهت إليها، لكنها تأمل في الحصول على عفو.
وفي الوقت نفسه، نُشر المزيد من المقالات الفاضحة على موقع رُكنا. وقد صورت المقالات -المكتوبة بنبرة ثرثرة ووصم- خويشوند على أنها ابنه مضطربة لأبوين منفصلين وفتاه وحيدة كان حرصها على الشهرة مؤشراً على ضعف التعليم وانعدام الأخلاق والمرض العقلي.
وكانت الحالة المرضية العقلية التي أشارت خويشوند خلال اللقاء إلى أنها تعاني منها سمة بارزة في تغطية رُكنا.
وتقول سَبهري فار إن المدعين لديهم عادة الترويج لـ "روايتهم الخاصة للقصة ودعايتهم" من خلال وسائل الإعلام.
وتصيف: "في قضية سحر، جاءوا بها أمام الكاميرا لتحكي عن تاريخ صحتها العقلية وحياتها الأسرية المضطربة. إنهم يروجون لهذا الرواية، إذا كنت تأخذ الأمور لهذا الحد، فلديك عائلة مضطربة".
وفي الوقت الحالي، قوبلت خويشوند ببعض الرحمة. إذ سُمح بإطلاق سراحها بكفالة في ديسمبر/ كانون الأول 2020 أثناء استئنافها ضد الحكم الصادر بحقها.
ويقول محاميها السابق سعيد ديهجان "هذه مكافأة صغيرة لاعترافها التلفزيوني بالإكراه وطرد محامييها وامتثالها لخططهم".
وفيما يخص الاستئناف، فالأمر مرهون إلى حد كبير بمزاج المدعين الذين لم يفرقوا كثيراً بين خويشوند والشخصية الكارتونية التي ابتدعتها.
وتقول ياسمين رامسي مديرة الاتصالات في مؤسسة مركز حقوق الإنسان في إيران لبي بي سي "في نهاية الأمر، تظل مجرد مراهقة عوقبت بقسوة وأمام الجميع، وأُهينت لتعبيرها عن نفسها خارج حدود قواعد إيران التعسفية التي تحكم الاستخدام الشخصي لوسائل التواصل الاجتماعي".