محاولات ترهيبهن للانسحاب من العمل العام مستمرة
الربيع العربي في ذكراه العاشرة: كيف غير الصراع في ليبيا حياة الشابات؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يعرف المتابع للمشهد الليبي يعرف أن السنوات العشر الماضية كانت مليئة بالصراعات والتدخلات الدولية والتهجير وتغول الجماعات المتطرفة.
لكن إلى جانب هذه الصورة كانت هناك صورة أخرى ترسمها الشابات الليبيات لفرض واقع مغاير، رغم محاولة ترهيبهن للانسحاب من العمل العام بالخطف كما حدث مع سهام سرقيوة، عضوة مجلس النواب في بنغازي، والاغتيال كما حدث مع الحقوقية سلوى بوقعيقيص وفريحة البركاوي عضو المؤتمر الوطني في 2014.
ففي هذه السنوات العشر حققت الليبيات مكاسب كبيرة في مجال التعليم وخرجن بكثافة غير معهودة في مجتمعهن المحافظ إلى سوق العمل لا كموظفات ولكن كرائدات أعمال. فنشطت المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تديرها الشابات.
"أغير الواقع على طريقتي"تقول وئام حريب صاحبة مشروع "تنيلي" - وهي كلمة أمازيغية تعنى الخيط- إن مشروعها يهدف لإعادة احياء التراث الليبي، باستخدام قطع قماش مطرزة على الطريقة التقليدية لتحسين شكل أثاث قديم أو تجميل شراشف الأسّرة أو لإضفاء لمسة جمالية على غرفة معيشة مثلا.
وئام تبلغ من العمر32 عاما وهي مهندسة معمارية متخرجة عام 2013 ، ولاتزال تعمل في مجالها. بدأت هذا المشروع في مارس/ أذار عام 2018، و افتتحت أول مقر لعرض منتجاتها مطلع هذا العام بعد أن كانت تكتفي بالبيع عبر صفحتها على الأنترنت.
وبحسب وئام، بدأ المشروع برأسمال بسيط لا يتعدى 1000 دولار أمريكي، كان نتيجة ربح مسابقة وبرنامج تدريبي نظمتهما مؤسسة "سبارك" الهولندية لدعم المشروعات الصغيرة في ليبيا عام 2018.
وتقول وئام "بعض المشكلات تخلق الحلول، فلولا الحرب التي شهدتها ليبيا لما تغيرت الأفكار بشأن العمل الحر في البلاد، فالجميع كان حريصا على العمل الحكومي باعتباره أمانا ماديا و اجتماعيا أما الآن العكس صار صحيحا".
وتسبب القتال الدائر في ليبيا منذ عام 2011 في نزوح أكثر من 400 ألف شخص بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، منهم أكثر من 48 ألفا من سكان مدينة تاورغاء وحدها.
وقبل عشر سنوات كانت كل أحلام وئام منصبة حول الهندسة المعمارية، أما الآن فهي تعمل في مكتب هندسي في الصباح وتركز في مشروعها مساء "لأنه لا شيء مضمون".
وتقول وئام عن هدف المشروع "دائما ما كانت لدي فقاعتي الخاصة التي أعيش فيها من خلال الرسم وتنفيذ قطع فنية في بيتي، وأردت في ظل الحرب التي تعيشها ليبيا أن أخلق للآخرين داخل بيوتهم فقاعات خاصة ينفصلون فيها عن الواقع المؤلم خارج بيوتهم، أحاول خلق حياة أفضل لليبيين على طريقتي"، ولأداء هذا الدور تعتمد وئام على الألوان زاهية والتصاميم التي تعبر عن الهوية.
وتضيف "ظروف الحرب علمتنا المرونة، فقبل 2011 لوكنت أدرت مشروعا وفشل كنت سأتراجع، أما الأن لم أعد كذلك، فبعد أن توقف مشروعي الأول في 2011 بسبب الحرب، فكرت في مشروعي الحالي، نحن لم تعد لدينا رفاهية التراجع".
وتقول وئام عن هدف المشروع "دائما ما كانت لدي فقاعتي الخاصة التي أعيش فيها من خلال الرسم وتنفيذ قطع فنية في بيتي، وأردت في ظل الحرب التي تعيشها ليبيا أن أخلق للآخرين داخل بيوتهم فقاعات خاصة ينفصلون فيها عن الواقع المؤلم خارج بيوتهم، أحاول خلق حياة أفضل لليبيين على طريقتي"، ولأداء هذا الدور تعتمد وئام على الألوان زاهية والتصاميم التي تعبر عن الهوية.
ويعد الوضع الأمني أحد أهم التحديات أمام مشروع "تنيلي" إذ تقطن وئام في المنطقة الجنوبية من طرابلس، "منطقتي هي الأكثر خطورة في العاصمة، الأمر الذى يثير مخاوف أسرتي ويدفعهم لمطالبتي بتأجيل المشروع، لكن دائما ما يكون ردي أنه لا أحد يعرف متي ستنتهى الحرب فلا فائدة من التأجيل".
وتأمل وئام أن يتحسن الوضع الأمني كما تحلم بأن تتجاوز معروضاتها حدود ليبيا "أريد أن يعرف العالم أن ليبيا ليست الحرب والدمار الذى يشاهدون في الأخبار فقط، ليبيا بها فن وتراث يستحق أن يُرى".
"الورد أقوى من الرصاص"على بعد أكثر من 1000 كم من حيث تسكن وئام، قررت أروى بن عمران أن تسلك نفس طريقها وإن كان بصورة مختلفة.
فأروى أطلقت من مدينة بنغازي التي تعد مهد الانتفاضة في 2011، مشروع "مارشميللو" لإعداد الحلوى والمخبوزات عام 2014.
وتقول أروى" في 2014 أغلقت جميع المحال بسبب الحرب، فطلبت مني صديقتي إعداد حلوى عرسها لإنقاذ الموقف، فأعددتها في مطبخ بيتي، ومنذ تلك اللحظة حولت هوايتي التى كانت قد بدأت أثناء الانتفاضة لمشروع ربحي".
بدأ المشروع كصفحة على الأنترنت تبيع من خلالها أروي المخبوزات المزينة بالورود، بلا رأسمال يذكر "اشتريت المواد الأساسية التي احتاجها من مدخراتي، وفي البداية كنت استعمل الأدوات الموجودة في مطبخ بيتي".
وعلى صفحة المشروع قدمت أروى وصفات بسيطة لإعداد الحلويات، ثم تطور المشروع ليصبح محلا لعرض مخبوزاتها.
كما تنظم طبيبة الأسنان الليبية البالغة من العمر 27 عاما، دورات تدريبية للفتيات الراغبات في تعلم الخبز وتزيين الحلوى، كذلك طرحت نوع سكر مخصص للحلوى في السوق يحمل اسم مشروعها.
وتعلمت أروي الخبز من خلال مقاطع مصورة على موقع يوتيوب ومن أمها، وتقول "خلال 2011 ، توقفت الحياة في ليبيا و أصبحت فترات البقاء في المنزل أطول، فأصبح لدي وقت استثمرته في مشاهدة ما أحب وتعلم وتجربة طرق مختلفة في إعداد الحلوى".
في هذا التوقيت حاولت أروى البدء في مشروعها لكنها توقفت بسبب الحرب، لتعود له لاحقا بعد أن التحقت بعدة دورات تدريبية لرواد الأعمال حول كيفية إدارة المشروعات الصغيرة.
وإلى جانب إعداد الحلوى، تعمل أروى كمعيدة في كلية طب الأسنان، وتباشر العمل كطبيبة أسنان ليوم واحد أسبوعيا باعتبارها مازالت حديثة التخرج.
وتقول أروى "أوضاع البلاد تبدو في تحسن الآن أكثر من أي وقت مضي، أتمنى أن تتحسن الأمور أكثر ليتوسع مشروعي وأقدم المزيد من الدورات التدريبية للراغبات في تعلم فنون الخبز".
"شغفي بنشر هويتنا أهم من المال"بدأت نجوى شكري مشروعها "زمني جديد" للملابس التراثية عام 2016، و"زمني" في اللهجة الليبية الدارجة تعنى تقليدي.
ويهدف المشروع إلى تصميم ملابس عصرية تحافظ على التراث الليبي وتحميه من الاندثار.
وتقول نجوى "بدأ المشروع برأسمال نحو 200 دولار فقط، وكنت أعمل وحدى من المنزل بماكينة خياطة واحدة" .
لكن المشروع تطور وتملك نجوى منذ عام 2018 مصنعا يضم نحو 8 ماكينات خياطة ويعمل به 10 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 وحتى 50 سنة، ومن بينهم نساء تم تهجيرهن بسبب ظروف الحرب ووفر لهن المشروع مصدر دخل بديل.
وتؤكد نجوى "ظروف الحرب اضطرت الكثيرين على الخروج للعمل مما وفر عدد كبير من الأيدي العاملة الماهرة، كما غيرت الحرب النظرة للتراث فأصبح الناس أكثر اهتماما وفخرا به، الأمر الذى دفع المشروع للأمام".
وبحسب استطلاع أجرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة على 290 امرأة ليبية في 2020، دفع النزاع بالمزيد من الليبيات نحو الانضمام إلى القوى العاملة، فمثلًا 44% من المشاركات في الدراسة يعيلن أسرهن.
وتنظم نجوى دورات تدريبية للفتيات الراغبات في تعلم الحياكة. و يعتمد المشروع على المتدربات اللاتي يرغبن في التحاق بالمصنع. وتقول نجوى "في البداية كانت الدورات مدفوعة الأجر أما الآن بعد أن تحسن الوضع المادي للمشروع أصبحت الدورات مجانية".
وتسعى نجوى للتوسع في مشروعها بشراء معرض إذ لا تزال معظم عمليات البيع تتم عبر الأنترنت.كما تحلم بتوسعة المصنع وإنشاء أكاديمية تدريبية تهتم بإحياء التراث الليبي.
ومؤخرا شارك المشروع في التعامل مع أزمة كورونا، "جهزنا بشكل تطوعي ملابس وقاية للمستشفيات ولمراكز العزل، لنغطي العجز". وبدأ المصنع في إنتاج أقنعة الوجه للمساهمة في مواجهة الوباء.