يحتوي المقال على تفاصيل قد تكون مؤلمة للبعض
حكاية القابلة التي ساعدت النساء في مناطق الحروب ومخيمات اللاجئين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يحتوي المقال على تفاصيل قد تكون مؤلمة للبعض
كانت الشابة البريطانية، آنا كينت، التي تعمل في التمريض تظن أن العمل في أماكن الحرب والنزاعات والكوارث، ما هو إلا فترة تبدأ وتنتهي بقرار اختياري، ويمكن بعدها متابعة الحياة بشكل طبيعي، لكن التجربة أثبتت لها العكس.
تقول آنا "كنت فعلا أظن أنه يمكنني أن أذهب للعمل في مناطق حيث الأوضاع صعبة للغاية، كمنطقة حرب مثلا، أمارس وظيفتي هناك لفترة، وثم أعود وأنا أشعر بالرضا بطريقة ما، وأعيش بعدها بسعادة".
لكن ذلك الوضع المتخيل المثالي لم يتحقق على أرض الواقع قط.
ساعدت آنا نساء على الولادة في مناطق الحروب، وفي المناطق التي ضربتها كوارث كبرى وفي مخيمات اللاجئين. وقد غيرت تلك التجربة حياتها إلى الأبد، بل أن بعض التفاصيل ظلت تطاردها لسنوات.
وتعمل آنا في مجال المساعدات الطبية والإنسانية، وهي ممرضة وقابلة في قطاع الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة. في بداية حياتها المهنية كانت تعتبر أنها تسير على درب النجاح "العادي" لامرأة شابة: وظيفة جيدة ومستقرة، وعلاقة عاطفية طويلة نهايتها الطبيعية الزواج وإنجاب أطفال.
وعندما كانت آنا في السادسة والعشرين من عمرها، انضمت إلى منظمة "أطباء بلا حدود" الدولية، والتي تقدم المساعدات الطبية في مناطق النزاعات والأوبئة والكوارث، أو للأشخاص المحرومين من الرعاية الصحية، ونشرت مؤخرا مذكراتها كما تحدثت عن تجربتها لبي بي سي.
قالت آنا لبي بي سي "أعتقد أن عملي في أماكن عدة من العالم جعلني أدرك أن الحمل يمكن أن يكون محفوفا بالمخاطر، وقد يصل إلى تهديد حياة النساء إذا لم تتوفر لديهن إمكانية الحصول على مساعدة من قابلة".
في عام 2007، أرسلتها منظمة "أطباء بلا حدود" إلى إحدى مناطق الصراع في أفريقيا، وهي المنطقة التي أصبحت لاحقا جمهورية جنوب السودان. وقد كانت مشاعر الإثارة والحماس تملأ آنا عندما صعدت طائرة الشحن التي ستقلها إلى هناك وهي ترتدي قميصا يحمل شعار العاملين في المنظمة، كما تقول.
لكن تلك النشوة تلاشت على الفور ما أن أحضرت إلى الطائرة مريضة على نقالة مصنوعة من العصي، كانت حالة المرأة سيئة للغاية، ووضعت النقالة على الأرض بجانب آنا، التي تقول "لم يسبق لي أبدا أن رأيت مثل هذه المعاناة".
وتضيف "لقد مات طفل المرأة في بطنها لأن الفرصة لم تتح لها للحصول على مساعدة قابلة مدربة. وتسبب موت الجنين في مضاعفات داخلية للأم، وصلت إلى حدوث ثقوب في الأمعاء".
لم تكن آنا مدربة على التعامل مع مثل هذه الحالة. ولحسن الحظ، فور هبوط الطائرة حملت المريضة لإجراء عملية جراحية مستعجلة.
بعد ذلك بيوم، وصلت آنا إلى مكان عملها في المنشأة الطبية الوحيدة الموجودة في منطقة تبلغ مساحتها أكثر من 30 ألف كلم مربع.
كانت العيادة مبنية من الطين والعصي الخشبية والأغصان مع سقف من القش. وخلال النهار كانت الحرارة داخلها تتجاوز الـ 50 درجة مئوية.
تقول آنا "لم تكن لدينا مياه جارية ولا كهرباء. كان لدينا لوح شمسي واحد يمكنه شحن هاتف العيادة الذي يعمل بالأقمار الصناعية".
وكانت تلك العيادة تستقبل نحو ألف مريض شهريا، يعانون من مجموعة واسعة ومختلفة من الأمراض. وكانت آنا توّلد النساء (من دون أن تكون قد حصلت على تدريب مناسب في القبالة في ذلك الوقت)، وتعالج الأطفال المصابين بأمراض خطيرة وبسوء التغذية، وكذلك الإصابات الناجمة عن انفجارات الألغام الأرضية، والملاريا وأنواع أخرى من العدوى.
الطفل الذي ولد وسط العاصفةفي أحد الأيام، وخلال عاصفة رعدية نادرة، نقلت امرأة إلى العيادة بعد أن توقفت التقلصات أثناء المخاض.
وتقول آنا "أجرينا اختبارا لمستوى السكر في الدم، وهو اختبار مماثل تماما للاختبار المنزلي، وكان مستوى السكر لديها منخفضا بشكل خطير. لذا، وضعناها على التغذية الوريدية مع محلول سكري".
ولحسن الحظ، نجح ذلك.
وتتذكر آنا قائلةً "وُلد الطفل موسى وسط العاصفة. وهذا دليل على أن الأمر لا يتطلب دائما تدخلات طبية معقدة لإنقاذ الأرواح".
حبوب منع الحمل وكلفة تحرير المرأة
لمدة ثلاثة أشهر متتالية عملت آنا بشكل مستمر، وكانت تحت الطلب على مدار الـ 24 ساعة، وقد أنهكها ذلك تماما.
وتقول "توقفت دورتي الشهرية لمدة 18 شهرا، وكان شعري يتساقط، ووزني يتناقص".
وبعد عودتها إلى المملكة المتحدة، عانت آنا من محاولة إعادة التواصل عاطفيا مع صديقها، وانتهت العلاقة بينهما.
وقررت أن تخضع للتدريب المناسب لتصبح قابلة، ما منحها جانبا جديدا لتركز عليه في مسيرتها المهنية.
وقادها عملها في مجال المساعدات الطبية لضحايا الحروب والكوارث إلى هاييتي لمساعدة الناجين من الزلزال، لتذهب بعدها إلى بنغلاديش للعمل في مخيم كوتوبالونغ، الذي يأوي 30 ألف لاجئ من أقلية الروهينغا.
استئصال الجنينكلفت آنا بمسؤولية الإشراف الكامل على الوحدة المختصة بالحمل وصحة النساء في مستشفى المخيم، حيث ساعدت مع زميلات لها من بنغلاديش النساء في الولادة، وواجهتها حالات مؤلمة للغاية.
ومن تلك الحالات، امرأة كانت قد تعرضت لعملية إجهاض فاشلة، وحاولت آنا جاهدة إنقاذ حياتها، لكن المرأة ماتت.
وهناك أيضا تعرضت لتجربة ظلت تطاردها لسنوات عدة لاحقة، وهي عندما اضطرت للقيام بعملية توليد إسعافية لإخراج جنين ميت.
وتقول "كانت المريضة واسمها مايا، قد فقدت جنينها في نهاية الحمل. ولأن الطفل الميت كان عالقا داخل بطن أمه، اضطررنا إلى تصغير حجم رأسه لكي يمكن إخراجه".
وتقول "آمل ألا تحتاج أي امرأة في العالم إلى مثل ذلك. إنه أمر مروع".
وتضيف "ولكن مع وجود جنين ميت في الرحم، قد يكون هذا الخيار الاضطراري في الحالات التي لا تتوفر فيها إمكانية الحصول على رعاية صحية مختلفة".
كان العبء العاطفي لعمل آنا يتزايد بشكل صعب، ووصلت إلى مرحلة لم تعد تستطيع فيها تحمل المزيد، واختارت العودة إلى المملكة المتحدة، حيث أصبحت قابلة تعمل في الخدمة الصحية الوطنية.
وأدركت أن حالتها وصلت إلى ما لا يحمد عقباه بينما كانت تساعد امرأة على الولادة. وعلى الرغم من أن الطفل ولد سليما وأنها كانت تعمل في مستشفى في إنجلترا، ولم تكن هناك أي مشاكل، فقد عادت إلى آنا ذكريات مؤلمة سابقة وهي المتعلقة بعملية استئصال الجنين التي أجرتها في مخيم كوتوبالونغ.
وتقول "للحظة خيل إلى أنني أشم رائحة الدخان في مخيم اللاجئين، وأسمع صوت المطر يضرب الشرفة خارج وحدة الولادة. استمر ذلك لثانية أو ثانيتين فقط. لكنني فعلا، فعلا، شعرت بالخوف".
وبعدها ذهبت آنا إلى مركز بوذي، وبدأت في ممارسة التأمل وتلقي علاج للاستشفاء.
وتقول "من خلال الوصول إلى نقطة الانهيار تلك، تعلمت في الحقيقة كيف أتوصل إلى الشفاء".
وبعد شفائها، اشترت قاربا نهريا، وهو عبارة عن بيت صغير عائم، وقدمت طلبا للذهاب في مهمة مدتها شهر واحد إلى بنغلاديش لتدريب القابلات.
إجهاض في يوم الزفافالتقت آنا في بنغلاديش بمدرب على رياضة ركوب الأمواج، اسمه علي، وسرعان ما تطورت العلاقة بينهما، وحملت منه، وتم ترتيب الزواج على عجل، لكنها في يوم الزفاف أجهضت حملها.
ثم انتقل الزوجان إلى مدينة نوتنغهام في بريطانيا، وعاشا في قارب آنا، التي حملت مرة أخرى.
وخلال الفحص الروتيني في الشهر الخامس للحمل، اكتشف الأطباء ورما نادرا للغاية ينمو في مخ الجنين.
وأخبرت آنا أن فرصة الجنين في النجاة معدومة، وكان عليها اتخاذ القرار الصعب بالولادة في الشهر السادس.
وتلقت آنا الرعاية من قبل زميلاتها الممرضات والقابلات، وولدت طفلة أطلقت عليها اسم فاطمة.
تقول آنا "كانت أجمل طفل رأيته في حياتي. أمضيت ساعة لا تنسى معها، وأنا أضمها إلى صدري. كانت تبدو عليها علامات الحياة، وسأبقى دائما ممتنة لهذا، لأنني أعلم أنها لم تتألم".
حزن الأمشهدت آنا جميع أشكال الولادات وأنواع المآسي أثناء عملها في المناطق الساخنة، لكن وفاة طفلتها أصابتها بحزن شديد ممتد.
وعادت إلى بنغلادش مع زوجها علي وهي لا تزال تعاني من آثار صدمتها.
ولم تلبث آنا أن حملت من جديد، لكنها هذه المرة أنجبت طفلة سليمة معافاة، واختير لها اسم عائشة.
اليوم أصبح عمر عائشة خمس سنوات، وقد انفصلت آنا عن علي، وعادت إلى بريطانيا حيث تربي ابنتها بمفردها.
وتقول "لا يمكنني حمايتها من المصاعب والضغوط في العالم، بغض النظر عن الخيارات التي ستتخذها في حياتها، لكن آمل بأن نتمكن في المستقبل من النقاش سويا حول كيفية التعامل مع تلك الضغوطات".
800 وفاة لأسباب مرتبطة بالحمل والولادة يوميالا تزال التحديات التي واجهتها آنا خلال عملها في المناطق الساخنة، واقعا مستمرا في يومنا هذا.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 800 امرأة تموت يوميا في أنحاء العالم بسبب مضاعفات مرتبطة بالحمل.
كما أن الولادة في المناطق المتضررة من الحروب أو الكوارث الطبيعية، تكون أكثر خطورة بكثير.
وقد وجدت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية أن معدل وفيات النساء لأسباب مرتبطة بالحمل والولادة في البلدان ذات الدخل المرتفع هو واحد من بين 5400 حالة، في حين يتضاعف هذا المعدل لأكثر من 120 مرة في البلدان الفقيرة ليصبح احتمال الوفاة حالة واحدة من بين كل 45 حالة حمل.