"أمي كانت تلبس تنورة قصيرة"
كيف كانت حياة النساء في إيران قبل الثورة الإسلامية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"رأيت صورا كثيرة لجدتي قبل الثورة (الإسلامية عام 1979)، كانت ترتدي حجابا إسلاميا، أما أمي فكانت تلبس تنورة قصيرة، وكانتا جنبا إلى جنب، في وئام".
هذه بعض ذكريات رنا رحيمبور، وهي مقدمة أخبار إيرانية-بريطانية تعمل في خدمة بي بي سي الفارسية، وهذه الذكريات لا تخص عائلتها فقط.
ففي إيران، في فترة ما قبل الثورة الإسلامية، أي قبل عام 1979، لم تكن هناك قواعد لباس صارمة مثل تلك التي تلزم النساء اليوم، بموجب القانون، بتغطية شعورهنّ وارتداء ملابس "إسلامية" محتشمة.
تقول مقدمة الأخبار: "كانت إيران دولة منفتحة (ليبرالية). وكان يُسمح للنساء بارتداء ما يردن".
نساء إيران قبل وبعد الثورة الإسلامية
الشابة التي ذهبت إلى طهران في رحلة عائلية وعادت جثة إلى مسقط رأسها
ما هي شرطة "الأخلاق" الإيرانية المتهمة بقتل مهسا أميني؟
تأتي شهادتها هذه في الوقت تخرج فيه احتجاجات في عشرات المدن الإيرانية إثر وفاة مهسا أميني، شابة بعمر الثانية والعشرين، اعتقلت من قبل ما يسمى بـ"شرطة الآداب" في إيران، وهي جماعة مسؤولة عن تطبيق قواعد اللباس الإسلامي.
ولدت مقدمة الأخبار، رحيمبور، بعد الثورة، لكن تجربة والديها وأقاربها وعملها الصحفي سمحت لها بالتعمق في التحول الذي شهدته بلادها بعد سقوط الشاه.
في السنوات الأولى بعد الثورة، تجاوز التحول في البلاد موضوع الثياب، كما تقول الصحفية الإيرانية فراناك أميدي، وهي مختصة بشؤون المرأة في بي بي سي. "لم يكن لدينا فصل بين الجنسين قبل الثورة. ولكن بعد عام 1979، فصل الأولاد عن البنات في المدارس، وصار يلقى القبض على الرجال والنساء غير المرتبطين إذا ضبطوا معا في مناسبات اجتماعية".
وتضيف: "عندما كنت مراهقة في إيران، اعتقلتني شرطة الآداب لأني كنت في مطعم يقدّم بيتزا مع مجموعة أصدقاء. قبل عام 1979، كانت هناك نوادٍ ليلية وأماكن ترفيهية وكان الناس أحرارا في الخروج في مناسبات اجتماعية مع الآخرين كما يحلو لهم".
أفلام ما قبل الثورة هي أيضا شهادة على تلك الفترة التي كان يمكن للمرأة فيها اختيار ما إذا كانت تود ارتداء ملابس على النمط الغربي أو ثيابا محافظة أكثر. "كنا نرى تنوعا في أنماط اللباس. كان البعض يرتدي الحجاب الأسود أو الشادور، لكن ليس بالطريقة التي تطلبها الحكومة حاليا"، كما تضيف أميدي.
سلالة بهلوي
قبل ثورة 1979، كانت سلالة بهلوي تحكم إيران، وكانت قد وصلت إلى السلطة بعد انقلاب عام 1926، تُوّج زعيمه رضا خان باسم رضا شاه بهلوي، ونُصّب ابنه محمد رضا بهلوي وليا للعهد، ليصبح بعد فترة الشاه الأخير.
وفي مقال نُشر عام 1997، أعاد مركز أبحاث ويلسون نشر مقابلة من برنامجه الإذاعي (ديالوغ) مع هالة أسفندياري، وهي مؤلفة كتاب "النساء والثورة الإيرانية".
كانت أسفندياري قد غادرت إيران عام 1978، ورجعت إليها بعد 14 عاما لتدرس تأثير الثورة على النساء. وقالت الصحفية في تلك المقابلة "بدأت الحركة النسائية في إيران مع نهاية القرن التاسع عشر عندما خرجت النساء إلى الشوارع أثناء الثورة الدستورية".
بعد ذلك، بدأت كثيرات مشاريع اجتماعية كافتتاح مدارس للفتيات وتأسيس مجلات نسائية.
بدأت هذه الحركة في العاصمة طهران، لكنها حاولت إيجاد روابط مع محافظات أخرى أيضا، وأدى ذلك إلى "تطور الحركة النسائية".
الحجاب الإسلاميكانت ملابس النساء بالفعل موضوعا مطروحا على جدول أعمال قيادة البلاد في بداية القرن العشرين. وأشارت مؤلفة الكتاب إلى أن "الحجاب لم يلغَ رسميا في إيران حتى عام 1936، في عهد رضا شاه بهلوي، مؤسس إيران الحديثة".
قبل ذلك بسنوات، شجع قائد البلاد النساء على عدم ارتداء غطاء الرأس الإسلامي في الأماكن العامة ولا "ارتداء الحجاب بدلا عن الثوب الطويل التقليدي".
"كان الإلغاء الرسمي لارتداء غطاء الرأس الإسلامي انتصارا للمرأة، بالتأكيد، ولكنه كان أيضا مأساة، بسبب سلب حق الاختيار منهن، تماما كما أصبح الحال في عهد الجمهورية الإسلامية عندما فرض الحجاب رسميا عام 1979".
"أجبرت نساء كثيرات على التخلي عن الحجاب والنزول إلى الشوارع وكنّ يشعرن بالإهانة والانكشاف".
ومع ذلك، تذكر الكاتبة أسفندياري بأن والد الشاه الأخير أجرى بعض التغييرات التي كان لها تأثير إيجابي على النساء.
الثورة البيضاءعام 1941، وصل الابن محمد رضا إلى السلطة، و"بدأ تحديث البلاد" خلال فترة حكمه، كما تقول الصحفية أميدي.
عُرفت تلك العملية بالثورة البيضاء وأعطيت المرأة حق التصويت عام 1963، كما أخذت ذات الحقوق السياسية التي كان يتمتع بها الرجل.
كما بُذلت جهود لتحسين إمكانية الوصول إلى مؤسسات التعليم في المقاطعات النائية. وفي عهده، مُرّر قانون حماية الأسرة، الذي تناول مجالات مختلفة، بما فيها الزواج والطلاق.
وتقول الصحفية فراناك أميدي إن ذاك التشريع وسّع حقوق المرأة. "رفع قانون حماية الأسرة السن الأدنى لتزويج الفتيات من 13 إلى 18 عاما، كما أعطى المرأة قوّة أكبر في موضوع الطلاق".
وجعل هذا القانون الزواج يقتصرا على زوجة واحدة فقط. "كان كل ذلك تقدميا للغاية مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة".
ورغم أن الشاه كان متفردا بالحكم (أتوقراطي) إلا أنه كان زعيما تقدميا ويحب الثقافة الغربية، لذلك أنشأ برنامجا للعلمنة.
الحياة اليوميةبدأت النساء بشغل مناصب في السلطة، وتتذكر رحيمبور: "كانت لدينا وزيرات وقاضيات".
ورغم وعود الثورة البيضاء "ظلت النساء خاضعات للأدوار التقليدية"، كما تقول الصحفية أميدي.
ورغم أنها تركز على حقيقة وجود برلمانيات، إلا أنها تعتبر أن "مشاركة المرأة في الحياة السياسية لم تكن كبيرة".
"لكن علينا أن نضع في اعتبارنا أن ذلك كان هو الواقع قبل نصف قرن تقريبا، ولم تكن لدى النساء في ذلك الوقت، وفي كل أنحاء العالم، قوة سياسية كبيرة".
ومع ذلك، فهي تقر بأن نساء بلدها أخذن في لعب دور متزايد في الحياة العامة: "كان لهن حضور حيوي في المجتمع".
هموم النساءتشير أميدي إلى "التأثير الكبير" للملكة فرح بهلوي، زوجة محمد رضا، في مجال الفنون والثقافة.
كان موضوع الازدهار العام للفنون في إيران منذ الخمسينيات وحتى الستينيات والسبعينيات موضوع مقال كتبته كل من مريم اختيار وجوليا روني من قسم الفن الإسلامي في متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك.
وجاء فيه: "شهدت تلك العقود انفتاحا في إيران على الساحة الفنية الدولية".
ويرجع جزء كبير من ذاك النشاط الفني المتنامي إلى الازدهار الاقتصادي الذي كانت تشهده البلاد. ولكن على الرغم من امتلاك إيران الكثير من النفط، إلا أن الغالبية العظمى من الإيرانيين لم يستفيدوا من تلك الثروة.
دعم الشاه وزوجته الفنون، ولم يكن الفنانون غافلين عن هذا، لكنهم لم يتجاهلوا أيضا قمع النظام لمن يعارضه.
وتشير المؤلفتان إلى أن ناهيد حقیقت "كانت واحدة من الفنانين القلائل الذين عبروا عن هموم المرأة خلال السنوات التي سبقت الثورة".
"التقطت في رسومها مشاعر التوتر والخوف في مجتمع يهيمن عليه الذكور تحت رقابة الحكومة".
"ملك الملوك"بحلول عام 1971، لم يكن محمد رضا، الذي أعلن نفسه "شاهنشاه" أو "ملك الملوك"، واحدا من أغنى الرجال في العالم فحسب، بل كان أيضا الزعيم المطلق لإيران. وكان نظامه قمعيا بشكل متزايد ضد معارضيه السياسيين.
تقول مقدمة الأخبار رحيمبور: "في النظام السابق (قبل الثورة) تمتّع الناس بالحريات الاجتماعية، ولكن الحريات السياسية كانت معدومة".
"كانت تلك مشكلة كبيرة. كانت كل الأحزاب [السياسية] تحت سيطرة الملك - كان المجتمع خاضعا للمراقبة. لم تكن هناك حرية صحافة، وكان يمكن لأي نوع من النشاط السياسي أن يتسبب لك بالسجن".
انتقل السخط الاجتماعي إلى الشوارع وخرجت عام 1978 احتجاجات حاشدة ضد نظام الشاه.
وبحسب أسفندياري، فإن التقدم الذي أحرزته النساء خلال فترة حكم الشاه أخذ بالتضاؤل. "كرد فعل على الأصوات التقليدية المتزايدة والمسموعة في المجتمع، سحب الشاه تماما دعمه لمشاركة أكبر للمرأة في مناصب صنع القرار".
تشرح رحيمبور أن الثورة الإسلامية كانت مدعومة من قبل كثير من الإيرانيين "الذين لم يكونوا بالضرورة متدينين"، وكان كل ما طالب به كثيرون هو "ديمقراطية حقيقية". وتضيف أنها "حظيت بدعم كل الجماعات: الليبرالية والشيوعية والمتدينين".
كانت النساء، بغض النظر عن الملابس التي كن يرغبن في ارتدائها أو مدى تدينهن، جزءا من تلك القوة التي انتهى بها الأمر بإسقاط الشاه عام 1979.
"في المسيرات التي أدت إلى الثورة، كنت ترى نساء عاملات لا يرتدين الحجاب ونساء من خلفيات محافظة يرتدين الحجاب الأسود التقليدي؛ كانت هناك نساء من أسر من الطبقة المتوسطة والأفقر ومعهنّ أطفالهن. سارت كل هؤلاء النساء جنبا إلى جنب، على أمل أن تؤدي الثورة إلى تحسين وضعهن الاقتصادي والاجتماعي. وقبل كل شيء، تحسن وضعهن القانوني".
رؤى مختلفةلا تعتقد أميدي أن المرأة "شعرت بالضرورة باستقلالية أكبر" قبل الثورة الإسلامية.
كانت إيران تضمّ مجتمعا دينيا محافظا للغاية. ولكن توفرت الإرادة السياسية في تلك الفترة لكسر ذاك القالب التقليدي والمحافظ وللسماح للمرأة بالنجاح وشغل مساحة أكبر في المجتمع".
لكن ذاك الازدهار لم يتحقق بالكامل.
وفقا لرحيمبور، هناك أفكار متضاربة حول ما إذا كانت المرأة تشعر باستقلالية أكبر وبالتمكين قبل الثورة الإسلامية. "ستقول المتدينات إنهن كنّ يشعرن براحة أكبر في الخروج للشارع بعد الثورة، لكن الليبراليات سيختلفن معهن. يجب ألا ننسى أن هناك جزءا متدينا جدا في المجتمع الإيراني".
عند مشاهدة صور أرشيفية لنساء في إيران يرتدين ملابس غربية بلا غطاء للرأس، أخبرتني امرأة إيرانية أن هذه الصور لا تمثل حياة المرأة عموما قبل الثورة. إذ اختارت كثير من النساء، من مختلف الأعمار، ارتداء الحجاب أو الحجاب مع ملابس محافظة لأن "المجتمع ربما كان أكثر تحفظا وأكثر تدينا مقارنة بما هو عليه اليوم".
الاحتجاجاتشارك العديد من الإيرانيين في الثورة آملين بالحصول على الحرية، لكن، وكما تقول رحيمبور، سرعان ما تبخرت أوهامهم.
"بعد الثورة، أدركنا أن كثيرا من المتدينين لم يكونوا مرتاحين لفكرة ارتداء النساء تنانير قصيرة، ومع فكرة الحريات التي كان يتمتع بها الرجال والنساء، ولهذا السبب وافقوا هم أيضا على الثورة".
لكنها تقول إن كثيرا من "المتدينين بشدة" في إيران كانوا يعتقدون أن ارتداء غطاء الرأس "يجب أن يكون اختياريا".
تشهد إيران اليوم اندلاع احتجاجات في جميع أنحاء البلاد بعد وفاة امرأة تبلغ من العمر 22 عاما في مركز احتجاز تابع للشرطة بحجة عدم التزامها بقواعد الحجاب.
بينما تقول السلطات إن مهسا أميني توفيت لأسباب صحية، لكن عائلتها وكثيرا من الإيرانيين يظنون أنها ماتت بعد تعرضها للضرب.
ويبدو أن هذه المظاهرات هي أخطر تحدٍ يواجهه قادة إيران خلال السنوات الأخيرة، وأنها فصل جديد من الاحتجاجات الشعبية في إيران.
التعليقات
وطيب وقبل الجاهليه ،،، ،،
عدنان احسان- امريكا -؟
إذن هو في اساس المجتمع
زارا -اذن تخلفهم هو في اساس مجتمعهم. تشددهم موجود في جزء كبير من مجتمعهم ولهذا كثر فيهم السياسيون الإسلاميون المتشددون، والذين صعدوا على اكتاف الثورة التي كانت ضد الديكتاتورية التي قام بها اليسار، ولأنهم منافقون خبثاء، مثل كل الإسلاميين سنة وشيعة، سرقوا ثورة ايران والتصقوا بالحكم كل هذه الفترة.هذه الحركات، هؤلاء السياسيين لم يأتوا من بلدان اخرى، بل من نفس ذلك المجتمع. وفي كل, كل, كل المجتمعات المسلمة هناك دائما الكثير من المتزمتين والمتشددين ، لأن الإسلام نفسه دين التشدد والتزمن.
أزمة أخلاق
علاء -أوافق زارا على رئيه وأزيد بأن كثرة مظاهر التدين في مجتمع ما، هي تعبير عن أزمة أخلاق كبيرة في هذا المجتمع، حيث يسعى الفاسد لتمويه فساده بأظهار ورعه... للأسف مجتمعاتنا العربية تعاني أزمات أخلاقية متجذرة