الاحتيال: ارتبطت به وأنجبت منه لتكتشف أن كل ما تعرفه عنه مزور
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
طوال أكثر من عامين، كانت كولين غرينوود تعتقد أن الشخص الذي أحبته، وارتبطت به وانجبت منه طفلا، يعمل رجل إطفاء، وهو مطلّق واسمه جيمس سكوت. لكن المفاجأة، كانت اكتشافها أن كل ما أخبرها به كان عبارة عن خدع متقنة، وخطط مرسومة بعناية.
وإليكم تفاصيل القصة كما وردت في بودكاست بي بي سي "لوف بومبد".
كان العمل كرجل إطفاء جزءا مهما من شخصية جيمس سكوت، ويحتل مساحة واسعة من حياته اليومية، ولطالما تطرق إليه في أحاديثه، كما كان نقطة بارزة في الملف التعريفي الخاص به على تطبيق المواعدة، والذي كان بداية التعارف بين جيمس وكولين.
كان عمر كولين 41 عاما عندما قابلت جيمس من خلال أحد تطبيقات المواعدة عام 2014، وكان عمره 33 عاما، وبذل قصارى جهده لكسب عواطفها.
كان يمطرها بإرسال الزهور، وأحيانا يرسل لها أكثر من باقة في اليوم، وكان يذهب إلى مكان عملها، ليحمل إليها الكرواسون باللوز المفضل لديها.
ووقعت كولين في حبه، فقد كان لطيفا، وظريفا يعرف كيف يضحكها، وأبا جيدا لطفلتين من زوجته السابقة.
وتطور الأمر إلى علاقة عاطفية قوية. كان جيمس يعود إلى منزل كولين في بلدة تشيستر لو ستريت الواقعة في مقاطعة درم البريطانية بعد انتهاء نوبات عمله، ورائحة دخان الحرائق تفوح من زيه الرسمي.
سجن "المطلوبة الأولى في بريطانيا" بسبب مشاركتها في عملية احتيال ضخمة
كيف تعرض رواد مطعم فندق شهير في لندن للاحتيال؟
درج جيمس على أن يطلع كولين على الكثير من تفاصيل عمله، وكان يرسل لها أثناء الدوام رسائل نصية توضح بالتفصيل المهمات التي يقوم بها، وغالبا ما كان يضمن رسائله رموزا تعبيرية متعلقة بعمله، مثل صورة محرك إطفاء إذا كانت المهمة إطفاء حريق، أو سيارة، إذا كان يتعامل مع حادث سير.
وكانت تصله رسائل عديدة على بريده الإلكتروني الخاص بالعمل، ويزعم أنها من جهاز خدمات الحرائق والإنقاذ في مقاطعة درم ودارلينغتون، كما أطلع كولين على بطاقة شكر زعم أن مرسلها صبي أنقذه من حريق.
وتقول كولين "لقد تأثرت كثيرا، وكنت أضع هذه البطاقة على مكتبي في مكان العمل. وأنظر إليها وأفكر فيه (جيمس) وأقول في نفسي 'بارك الله فيه. لقد فعل ذلك، وأنقذ ذلك الصبي الصغير'".
وتضيف "أي شخص يتحدث إليه سيسمع منه أخبار يومه المزدحم بالعمل، وقصص التجارب الغريبة التي مر بها".
وتقول "عائلتي وأصدقائي وزملائي، كلهم كانوا يعتقدون أنه رجل إطفاء".
ولكن كل ذلك كان محض أكاذيب. فجيمس سكوت لم يكن يوما رجل إطفاء، بل إن هذا ليس اسمه الحقيقي أيضا.
وفي الواقع، لم تكن الزوجة "سابقة"، والبنتان اللتان تحدث لكولين عنهما، هم في الحقيقة ثلاثة صبية.
ومع ترسخ علاقته بكولين مع مرور الزمن، كانت أكاذيبه تتعمق وتكبر، ويزداد خداعه لها.
كيف تُستخدم تطبيقات المواعدة لخطف الرجال؟
قصة الوزير الفرنسي المزيف الذي سرق ملايين الدولارات
لكن كولين لم تكتشف حقيقة الرجل الذي ارتبطت به، إلا عام 2017، وعرفت حينها أن جيمس سكوت شخصية مختلقة، انتحلها جندي سابق عاطل عن العمل يدعى غريغ ويلسون.
كان غريغ متزوجا، ويعيش مع عائلته في دارلينغتون، على بعد نحو 44 كيلومترا من منزل كولين.
وعدا عن منحه صورة البطل الجذاب، كانت خدعة العمل في فوج الإطفاء حجة مناسبة لغريغ لكي يقضي أياما وليالي بعيدا عن كولين في منزل عائلته. وفي الحقيقة كان والده رجل إطفاء، ما مكنه من معرفة الكثير من المعلومات عن هذا العمل، ليدعم بها أكاذيبه.
طفل معجزة من رجل عقيمكذب جيمس في كل شيء، ووصل به الأمر إلى ادعاء أنه أجرى عملية قطع للقناة المنوية لكي لا ينجب أطفالا، وبالتالي ليس على كولين أن تقلق من حدوث حمل.
وتعتقد شرطة درم أن غريغ ويلسون زيف خضوعه لعملية قطع القناة الدافقة، لكي يستغل كولين في ممارسة الجنس من دون وقاية.
وكان متقنا في خداعه، ورأته كولين وهو يضع ضمادات على جرحه المفترض، ويبدو متعبا بعد العملية، كما أطلعها على تقرير طبيب، يفيد بأن سائله المنوي لم يعد يحوي أي حيوانات منوية.
هل الرجال على استعداد لتناول حبوب منع الحمل؟
ويقول ديت كون كريس بينثام، الذي حقق في القضية "لقد أظهر لها عشرات الوثائق المزورة، وتلك إحداها. إنه لأمر مخز".
وحملت كولين، وأنجبت طفلا بعد 15 شهرا من تعارفهما. أما (جيمس) فقد وصف حملها وولادتها رغم عملية تعقيمه المزعومة بأنها "معجزة". وتلقت كولين الكثير من الهدايا احتفالا بالوافد الجديد.
محاكمة متهمين في أكبر عملية احتيال في تاريخ ألمانيا
وسجل المحتال اسمه المختلق، ووظيفته المزيفة في شهادة ميلاد الطفل، الذي حمل لقب عائلة سكوت المزيف.
أصبح غريغ يعيش مع كولين والطفل باسم جيمس بالطبع، لكنها لم تكن تعلم أنه هجر زوجته، وأبناءه الثلاثة.
وقد قالت راشيل، زوجة ويلسون (المطلقة الآن) لبي بي سي إنه تركها مفلسة تماما، وبينما اعترف لها بإقامة علاقة غرامية مع امرأة أخرى، فلم تكن لديها أي فكرة عن استخدامه هوية مزيفة.
خدعة الأم الثرية
عرض جيمس، أو غريغ، على كولين الزواج، ووافقت، من دون أن تدري أنه كان حينها متزوجا من امرأة أخرى.
وفي تلك الفترة بدأ بعملية نصب مالية كانت ضحيتها كارين، الأخت التوأم لكولين، والتي كانت تعتبره "فردا من العائلة"، وأقنعها بالمشاركة في استثمار مزعوم.
كان يعلم أن الأختين تحلمان بفتح مطعم، وتمكن من إقناعهما بأن والدته ثرية للغاية، وهي تعيش في فرنسا بعد تقاعدها من وظيفتها المهمة، وأن لديها طموحا للاستثمار في بار أو مطعم.
وتقول كولين "بدا لنا الأمر رائعا".
وحسب الصفقة المزعومة، ستقدم الأم المال، وتمنح ابنها وكولين نصيبا من المشروع الجديد. وعرض غريغ على كارين، التي كان لديها ميراث وعوائد إيجارات، أن تشارك أيضا بمبلغ في هذا الاستثمار.
وقام غريغ وكولين بعدة جولات على مواقع مختلفة في نيوكاسل بحثا عن المكان المناسب للمشروع الجديد، قبل أن يستقر رأيهما على ملهى ليلي قديم، ليعيدا تطويره.
وزور غريغ وثائق ورسائل لخداع الشقيقتين، وإقناعهما بأن المشروع حقيقي. حتى أنه عقد اجتماعات مع أشخاص حقيقيين يعملون في المجال، مثل متخصص بالعلاقات العامة، ومصور فوتوغرافي محترف، ومصور فيديو، ما ساعد على إحكام كذبته.
وصدق الجميع خدعة الأم الثرية الموجودة في فرنسا، والتي تمول الجزء الأكبر من المشروع.
في الحقيقة، فإن والدة غريغ الفعلية هي مديرة حضانة متقاعدة من مدينة سندرلاند في مقاطعة درم، ولم تكن لديها أدنى فكرة عن الأكاذيب التي رويت عنها، ولا الخدع التي رتبت باسمها.
لم يكن غريغ يمتلك أي مال لمشروع تطوير مطعم أو توظيف الأشخاص الذين بدأوا العمل معه، لكنه استخدم المبلغ الذي أخذه من كارين بخدعة الاستثمار المزعوم، ليعطي للجميع انطباعا بأنه ثري.
وكان يصطحب الأختين ومعارفه الجدد من علاقاته التجارية المفترضة إلى فعاليات وسهرات في نادي نيوكاسل فالكونز للرغبي، ويتناولون العشاء في الجناح البلاتيني في النادي.
كان غريغ انضم إلى العضوية البلاتينية في النادي باسم جيمس سكوت، لكنه لم يدفع أي مبلغ لقاء ذلك، وفي النهاية أصبح مدينا للنادي بـ 9 آلاف جنيه إسترليني.
كما أقنع خطيبته كولين وشقيقتها كارين باستثمار 58 ألف جنيه إسترليني في شركة عقارات مزيفة، وزعم أن لاعبي نادي سندرلاند لكرة القدم جاك رودويل، وفيتو مانيون من عملاء هذه الشركة.
وزور أيضا كشوف حسابات مصرفية لإقناع وكلاء العقارات بأنه يعتزم أن يشتري نقدا منزلا بقيمة 1.5 مليون جنيه إسترليني في إحدى المناطق، التي يعيش فيها الأثرياء في درم.
لكن في النهاية، وقع غريغ في حبائل أكاذيبه، وبدأت الأمور تتكشف بعد أن ألغى حفل زفافه هو وكولين مرتين.
وكانت عائلة كولين بدأت تراكم شكوكا حول غريغ، وخصوصا بعد أن تبين أن المكان المفترض أن يقام فيه حفل الزفاف، وطبع اسمه على بطاقات الدعوة، لم يحجز حتى.
شعر غريغ أن أمره انكشف، وقبل أن يتمكنوا من مواجهته بكذبه، ترك الطفل الذي كان يحمله حينها، وركب سيارته وانطلق مبتعدا، ومن يومها، لم يرجع أبدا.
انكشفت خديعة غريغ بالكامل، وبدأ نادي نيوكاسل فالكونز وغيره من الشركات التي استغلها ولم يدفع لها مستحقاتها بملاحقته قانونيا، وفي النهاية انضمت تلك الشركات إلى كولين وكارين لمقاضاته، والإدلاء بشهادات ضده في المحكمة.
وفي أبريل/نيسان عام 2020، صدر ضد غريغ ويلسون حكم بالسجن لست سنوات، بعد إدانته بتهم احتيال متعددة، من بينها تزوير وثيقة ميلاد الطفل بوضع اسم أب مزور، وقد اعترف أنه حصل على نحو 100 ألف جنيه استرليني عن طريق الاحتيال.
ولكن، لا يزال السبب الذي دفعه للقيام بكل ذلك لغزا غامضا. وتستبعد شرطة درم أن يكون تحقيق مكاسب مالية هو الدافع، إذ أنه أنفق معظم الأموال التي حصل عليها عن طريق النصب على تمويل عمليات الخداع، وإكساب كذبه مظهر الحقيقة.
وحاولت بي بي سي التواصل مع غريغ إلا أنها لم تتلق ردا حتى تاريخ نشر المقال.
كانت التجربة التي مرت بها كولين مريرة، وتركت آثارا وتداعيات قاسية للغاية.
وتقول "فقدت أكثر من 6 كيلوغرامات من وزني في غضون أسبوعين. لم أكن أستطيع تناول الطعام، ولا النوم، وكان جسمي كله يرتجف طوال الوقت".
وتضيف "كان الأمر بمثابة فجيعة، فكلنا أحببناه. لقد كان جزءا أساسيا من عائلتنا، ووجوده حيوي في حياتنا، ثم اختفى وكأن شيئا لم يكن، كيف تتكيف مع هذا الوضع؟".
بعد فترة من الزمن، التقت كولين، التي أصبح عمرها الآن 49 عاما، برجل آخر، ولكنها في البداية كانت حذرة للغاية معه، فقد علمتها تجربتها السيئة مع غريغ.
وتقول إنها قبل أن تمنحه ثقتها، أصرت على الاطلاع على جواز سفره، وزيارة منزله، ومقابلة جميع أفراد أسرته.
وهما الآن متزوجان ويعيشان بسعادة معا، وقد تبنى الزوج الطفل الذي أنجبته كولين من غريغ.
وتقول كولين "لو تركت نفسي أنهار، وتحولت إلى امرأة تكره الرجال، ولم أعد أثق بأي شخص آخر، فسيكون قد تغلب علي، أليس كذلك؟".
وتضيف "لقد كان شخصا سيئا، وكنت سيئة الحظ، لكن هذا لا يعني أنني سأضع الجميع في سلة واحدة. لم أكن لأسمح له بالانتصار".