"نحن نعيش كأننا جثث تتحرك"
طالبان تُسكت النساء: قانون يسلب الأفغانيات حق التحدث في العلن!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تُعتبر دروس اللغة الإنكليزية اليومية التي تحضرها شبانة من أبرز جوانب يومها. فهي تستقل الحافلة في كابول مع صديقاتها للذهاب إلى دروس اللغة، حيث يقضين ساعة في التعلم والحديث والضحك معًا، وهو ما يوفر لها استراحة قصيرة من الفراغ الذي تفرضه الأوضاع الصعبة منذ سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان.
لو كانت شبانة في بلد آخر، لكانت الآن في عامها الأخير من الدراسة الثانوية، وتستعد لتحقيق حلمها في دراسة إدارة الأعمال. ولكن في أفغانستان، تم حرمانها هي وجميع الفتيات المراهقات من حقهن في التعليم الرسمي على مدى السنوات الثلاث الماضية.
حتى اللحظات الصغيرة التي كانت تمنح شبانة بعض السعادة أصبحت محفوفة بالمخاطر بعد صدور قانون جديد من حركة طالبان يقضي بمنع النساء من التحدث بصوت مسموع خارج المنزل.
وقالت شبانة: "عندما نخرج، نشعر بالخوف. وعندما نكون في الحافلة، نشعر بالخوف. لا نجرؤ على خلع كماماتنا، ووصل الأمر لدرجة أننا نتجنب التحدث فيما بيننا، معتقدين أنه إذا سمعنا أحد من طالبان فيمكنه توقيفنا واستجوابنا".
أتيحت لبي بي سي فرصة نادرة للحديث إلى بعض نساء وفتيات البلاد، وكذلك المتحدثون باسم حركة طالبان، للحصول على رد فعل إزاء القانون الجديد، الذي فرضه الزعيم الأعلى لطالبان هبة الله أخوند زاده.
ويمنح القانون الجديد وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي شرطة الأخلاق التابعة لحركة طالبان، سلطات واسعة النطاق لفرض قواعد سلوك صارمة على المواطنين الأفغان.
ويمثل هذا القانون ضربة أخرى للنساء اللائي تلاشت وسُحقت حرياتهن بالفعل شيئاً فشيئاً في سلسلة لا هوادة فيها من القوانين والأوامر.
وقالت شبانة: "إذا لم نتمكن من التحدث، فلماذا نعيش؟ نحن نعيش وكأننا جثث تتحرك".
وأضافت: "عندما علمت بالقانون الجديد، قررت عدم حضور الدورة بعد الآن. لأنه إذا خرجت، فسوف ينتهي بي الأمر بالتحدث وبعد ذلك قد يحدث شيء سيء. وربما لا أعود إلى المنزل سالمة. لكن والدتي شجعتني على الاستمرار".
في السنوات الثلاث منذ استيلاء طالبان على السلطة، أصبح من الواضح أنه حتى إذا كانت القوانين لا يتم تطبيقها بشكل صارم، فإن الناس يبدأون في وضع القيود على أنفسهم ذاتيا خوفا من العواقب. ولا يزال من الممكن رؤية أعداد ضئيلة من النساء في شوارع مدن مثل كابول، لكن جميعهن تقريباً الآن مغطيات من الرأس إلى أخمص القدمين بملابس سوداء فضفاضة أو برقع أزرق غامق، ويغطي معظمهن وجوههن ولا يظهر سوى أعينهن، وجاء ذلك إثر مرسوم أُعلن عنه العام الماضي.
وقالت نوشين، وهي ناشطة: "في كل لحظة تشعر وكأنك في سجن.حتى التنفس أصبح صعباً هنا".
حتى العام الماضي، كانت نوشين ضمن مجموعات صغيرة من النساء اللواتي خرجن للتظاهر في شوارع كابول ومدن أخرى، مطالبات بحقوقهن، كلما تم الإعلان عن قواعد جديدة.
وقُمعت الاحتجاجات بعنف من قبل حركة طالبان في مناسبات متعددة، حتى توقفت الاحتجاجات تماماً.
تقول نوشين، التي تعرضت للاعتقال العام الماضي، باكية: "اقتادني عناصر طالبان إلى سيارة قائلين: لماذا تتصرفين ضدنا؟ هذا نظام إسلامي. أخذوني إلى مكان مظلم ومخيف واحتجزوني هناك، مستخدمين لغة فظيعة ضدي. كما ضربوني".
وأضافت: "عندما تم إطلاق سراحنا من الاحتجاز لم نعد نفس الأشخاص كما كنا من قبل، ولهذا السبب توقفنا عن الاحتجاج. لا أريد أن أتعرض للمهانة والذل بعد الآن لأنني امرأة. أُفضل أن أموت على أن أعيش هكذا".
والآن تُظهر النساء الأفغانيات معارضتهن عن طريق نشر مقاطع فيديو لأنفسهن على الإنترنت، ووجوههن مغطاة، وهن يغنين أغاني عن الحرية. ومن بين هذه الأغاني: "دعونا نصبح صوتاً واحداً، دعونا نسير معاً ممسكين بأيدي بعضنا البعض ونتحرر من هذه القسوة".
وبرر نائب المتحدث باسم حكومة طالبان، حمد الله فيرت، الذي لم يرغب في التقاط صورة له مع امرأة أو الجلوس مباشرة أمامي، القانون الجديد بالاستدلال بنصوص دينية.
وقال: "القانون الذي أقره المرشد الأعلى يتوافق مع الشريعة الإسلامية. ويمكن لأي عالم ديني التحقق من مراجعه".
لكن شيرين، وهي معلمة، لا توافق على ذلك، وتقول: "هذا هو تفسيرهم الخاص للشريعة. لقد أعطى الإسلام الحق لكل من الرجال والنساء في اختيار ما إذا كانوا يريدون الدراسة والتقدم".
وأضافت: "إذا قالوا إن أصوات النساء لا ينبغي أن تُسمع، فلنعد إلى التاريخ. هناك العديد من النساء في التاريخ الإسلامي اللاتي تحدثن بصوت عالٍ".
وتُعد شيرين جزءا من شبكة من أفغانيات يدرن حلقات دراسية سرية ويتمردن بصمت على القيود. تعمل شيرين وسط قدر كبير من المخاطر، وغالباً ما تضطر إلى نقل مكان الحلقات الدراسية لأسباب أمنية، وقد أدى القانون الجديد إلى تفاقم مخاوفها.
وتواجه شيرين خطرا كبيرا في حال اكتشاف أمرها، ولا يمكنها التحدث إلينا في المنزل، بل تختار بدلاً من ذلك مكاناً سرياً.
وقالت: "كل صباح أستيقظ وأدعو الله أن يمر اليوم بسلام. عندما فُرض القانون الجديد، شرحت جميع قواعده لطالباتي وأخبرتهن أن الأمور ستكون أكثر صعوبة. لكنني سئمت من كل هذا، وأحياناً أريد فقط أن أصرخ. إنهم لا ينظرون إلى النساء كبشر، بل مجرد أدوات ليس لها مكان سوى داخل المنزل".
وأخبرتنا كارينا، وهي طبيبة نفسية تقدم استشارات لشبكة من المدارس السرية، أن الأفغانيات يعانين من "سيل من الأفكار الانتحارية" بسبب القيود المفروضة عليهن.
وقالت إنها بعد الإعلان عن القانون الجديد، تلقت زيادة في المكالمات التي تطلب المساعدة. وقالت: "أرسلت لي صديقة رسالة لتقول إن هذه كانت رسالتها الأخيرة. كانت تفكر في إنهاء حياتها. إنهن يشعرن أن كل الأمل قد انتهى ولا جدوى من الاستمرار في العيش. وأصبح من الصعب أكثر فأكثر تقديم المشورة لهن".
وسألت حمد الله فيرت عن مسؤولية حكومة طالبان تجاه النساء والفتيات اللاتي يتعرضن للاكتئاب والأفكار الانتحارية بسبب منعهن من التعليم.
وقال المتحدث: "تعليم أخواتنا قضية مهمة. نحن نحاول حل هذه القضية التي هي مطلب الكثير من أخواتنا".
لكن بعد ثلاث سنوات، هل يتوقعون حقاً أن يصدقهم الناس؟
أجاب: "نحن ننتظر قرارا من قيادتنا. عندما يتم اتخاذه، سنخبر الجميع بذلك".
ومن الاجتماعات السابقة مع مسؤولي طالبان، كان من الواضح لفترة من الوقت وجود انقسامات داخل حكومة طالبان بشأن قضية تعليم المرأة، حيث يريد البعض استئناف تعليم النساء. لكن القيادة المتمركزة في قندهار ظلت متشددة، ولم يحدث أي انفصال علني عن إملاءات الزعيم الأعلى.
ورأينا بعض الأدلة على اختلاف وجهات النظر. فعلى مقربة من كابول، سُمح لنا بشكل غير متوقع بحضور دورة تدريبية للقابلات تديرها بانتظام وزارة الصحة العامة التابعة لطالبان. كانت الدورة جارية عندما زرناها، ولأن زيارتنا كانت في اللحظة الأخيرة، فإننا نعلم أنها لم تُعقد حتى نتمكن من مشاهدتها.
وحضرت أكثر من اثنتي عشرة امرأة في العشرينات من العمر الدورة التي تديرها طبيبة. والدورة عبارة عن مزيج من الجلسات النظرية والعملية.
ولم يكن بوسع الطالبات التحدث بحرية، لكن العديد منهن قلن إنهن سعيدات بتمكنهن من القيام بهذا العمل.
وقالت صفية: "عائلتي تشعر بالفخر بي. لقد تركت أطفالي في المنزل لآتي إلى هنا، لكنهم يعرفون أنني أخدم البلاد. هذا العمل يمنحني الكثير من الطاقة الإيجابية".
واعترف العديد منهن بأنهن يشعرن بالفخر وأنهن يحصلن على امتياز لا تحصل عليه الكثيرات، وأعرب بعضهن عن خوفهن بشأن ما إذا كان هذا الامتياز قد يتوقف في نهاية المطاف. ولم تجب وزارة الصحة التابعة لطالبان على أسئلة حول كيفية إيجاد الطالبات اللاتي سيحضرن هذه الدورة في المستقبل، إذا لم تحصل الفتيات على تعليم رسمي بعد الصف السادس.
والصحة العامة والأمن والفنون والحرف اليدوية من بين عدد قليل من القطاعات التي تمكنت النساء من مواصلة العمل فيها في أجزاء من البلاد. لكن هذا ليس مرسوما رسميا يمنحهن الإذن. بل يحدث ذلك من خلال تفاهم هادئ بين مسؤولي طالبان والمنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة الآخرين المعنيين.
ويترك القانون الجديد حتى هذا النظام غير الرسمي عرضة للتدقيق من قبل شرطة الأخلاق التابعة لطالبان.
وأخبرتنا مصادر في وكالات إنسانية أنهم يسعون جاهدين لفهم كيفية تفسير القانون لكنهم يعتقدون أنه سيجعل العمليات أكثر صعوبة.
وتم الإعلان عن القانون الجديد بعد أقل من شهرين من حضور طالبان للمحادثات التي تقودها الأمم المتحدة بشأن المشاركة مع أفغانستان لأول مرة، وهو الاجتماع الذي تم منع ممثلي المجتمع المدني الأفغاني ونشطاء حقوق المرأة من حضوره، بإصرار من طالبان.
ودفع هذا العديد من أفراد المجتمع الدولي إلى التساؤل عما إذا كان الأمر يستحق قبول شروط طالبان لعقد اجتماع، وكيف قد يبدو مستقبل المشاركة معهم.
ورداً على القانون الجديد، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا حاد اللهجة يصف القيود بأنها "انتهاكات ممنهجة ... وقد تصل إلى حد الاضطهاد الجنسي وهو جريمة ضد الإنسانية". كما قال إن المرسوم يخلق عقبة أخرى أمام العلاقات الطبيعية والاعتراف من قبل المجتمع الدولي".
وقال نائب المتحدث باسم طالبان حمد الله فيرتات: "إن القيم المنصوص عليها في القانون مقبولة في المجتمع الأفغاني. لا توجد مشاكل. نريد من المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة وغيرها، احترام القوانين الإسلامية والتقاليد وقيم المجتمعات الإسلامية".
وقبل أقل من أسبوعين، قالت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في طالبان إنها لن تتعاون بعد الآن مع بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان بسبب انتقادها للقانون.
ويمثل هذا دليلا على أن العلاقات، التي بدت وكأنها تتقدم قبل شهرين فقط، اصطدمت الآن بعقبة كبيرة.
وقالت كارينا: "أعتقد أنه عندما يتعلق الأمر بالمساعدات، يجب على العالم أن يستمر في مساعدة أفغانستان. لكن عندما يتعلق الأمر بالتحدث إلى طالبان، يجب أن تكون هناك قاعدة مفادها أنه يجب أن تكون النساء حاضرات في كل مناقشة. وإذا لم يكن ذلك ممكناً، فيتعين على المجتمع الدولي أن يتوقف عن التحدث معهم".
وقالت: "يتعين على العالم أن يهتم بما يحدث للنساء الأفغانيات، لأنه إذا لم يفعل ذلك، فقد تنتشر هذه العقلية بسهولة إليهن، وإلى منازلهن".
* تم تغيير أسماء جميع النساء اللاتي تمت مقابلتهن في هذا المقال حفاظا على سلامتهن.
نساء أفغانيات فقدن وظائفهن "يرغبن في الصراخ"كيف تحدّت أختان أفغانيّتان حكم طالبان بالغناء من تحت النقاب؟"ألبسني والدي ثياب صبي لعشر سنوات كي أعيش بحرية"التعليقات
محبة الأمريكان لحقوق النساء الأفغانيات
عبدالله العبري -يا إلهي ما كل هذه المحبة والحرص الشديد من قبل الغرب على حرية المرأة الأفغانية ، فبماذا نفسر احتلال بلدهم سابقا يا ترى ؟