كاظم الساهر: الشعب العراقي البسيط هو الخاسر والضحية من ويلات الحروب

علي إبراهيم من تونس: عقد الفنان كاظم الساهر مساء الاثنين 11 أغسطس/ آب في أحد نزل ضاحية قمرت في تونس مؤتمراً صحافياً حضره عدد مهم من الزملاء الإعلاميين، وإختارت الجهة المنظمة قاعة كبيرة على خلاف المؤتمرات الصحافية السابقة تحسباً لحضور عدد كبير من الإعلاميين وهو ما حصل فعلاً، وهو أمر طبيعي نظراً للنجاح الكبير لكاظم الساهر في تونس منذ سنوات. إنطلق المؤتمر بالترحيب بالفنان كاظم الساهر الذي كان لبقاً ودبلوماسياً كعادته وأجاب على مختلف الأسئلة بخبرة عالية.
أعرف ماذا أقدم على قرطاج
عبّر كاظم في بداية المؤتمر عن سعادته للعودة إلى تونس مؤكدا أن زياراته السابقة حاضرة في باله دائما لأنه عرف النجاح من تونس وجمهور قرطاج الذي منحه الكثير وهو متشوق إليه، وأشار إلىأنه مشغول جدّاً بالتمارين مع الفرقة الموسيقية التي تحفظ كلّ أعماله لكنه يعرف كيف يستعد للصعود على ركح قرطاج وماذا يقدّم لجمهوره. وبادره أحد الزملاء بسؤال فاجأ كاظم حين قال له : هل يجب أن يكون لي معارف حتى أنجز لقاء مع كاظم الساهر؟ فأجابه كاظم : أنا لا أميّز بين الصحافيين، لكن طبعي وتربيتي في عائلتي جعلتني خجولاً وبيتوتياً كما أنني أصبحت أتهرب من اللقاءات الصحافية لأن بعض الصحافيين يغيرون كلامي ويقولون ما لم أقل، وهذا يزعجني. أنا مهمتي الوقوف على المسرح وتقديم حفل جيّد مع فرقتي وهذا ما أعيره كلّ اهتمامي.

الجمهور هو من يختار برنامج حفلاتي
وحول مدى إستجابته للجمهور حين يختار الأغاني التي يقدمها على المسرح قال : طبعا أنا أعير كل الاهتمام لطلبات الجمهور سواء الذين يقومون باستفتاءات عبر الانترنت ويقدمون لنا مقترحا في برنامج الحفل، نأخذ به لأنه لا يغيّر شيئا عندي أن أغني هذه الأغنية أو تلك، بل المهم إسعاد الناس. وأكيد ستكون "بغداد" حاضرة في حفل قرطاج وكذلك مجموعة قصائد وأغان معروفة لدى الناس.
أنا السبب في تأخير صدور ألبومي الجديد
وأكد كاظم أنه هو السبب في تأخير صدور ألبومه الجديد بسبب هوسه بعمله فهو يغيّر دائماً ويعيد النظر في أعماله حتى تصل ألبوماته في أحلى صورة إلى جمهوره، وأضاف : بعد حوالى شهرين سينزل ألبومي في الأسواق، والأسطوانة ما زالت عندي وربما أغيّر في بعض الأغاني التي سيتضمنها الألبوم لذلك لا أستطيع أن أعلن عن تفاصيل العمل الآن. وأكدّ أيضا أنه يخشى المغامرة بتقديم إحدى الأغاني الجديدة من الألبوم القادم في حفل قرطاج لأنه موعد صدوره ما زال بعيداً ويخاف من سطوة القراصنة الذين بإمكانهم توزيع الأغنية قبل صدورها رسمياً، على الرغم من أنه له الحظ مع جمهور قرطاج حيث سبق أن قدم له أغنية "هل عندك شك" لأول مرّة على مسرح قرطاج قبل صدورها وحققت نجاحاً كبيراً.

لا أنتظر من أحد أن يعلمني كيف أكون وطنياً
وأنكر كاظم الساهر أن يكون الموسيقي العراقي نصير شمّة دعاه إلى مشاركته في عمله الفنّي الذي خصصت مداخيله لأطفال العراق (حسب تصريح لنصير شمّة لوسائل الإعلام)، وقال أيضاً : كلّ يوم تنشر تصريحات على لساني وهي عارية من الصحة والصدق، وأنا لست في انتظار أحد حتى يعلمني كيف أكون وطنياً وكيف أقوم بواجبي تجاه بلدي العراق وأبنائه الذين منحوني التلبية الأولى حتى أصير فنانا يحمل همّ بلده وشعبه وصوتا من أصوات قضيته. وأنا أوجه شكري لكلّ من يساهم في إسعاد الأطفال. وأنا عملي مع اليونيسيف متواصل ووجهت رسائل رسمية للسادة الرؤساء من أجل قضية مجموعة من الأطفال يعيشون ظروفا صعبة على الحدود.
وعن إمكانية إصدار أغانيه الوطنية في ألبوم واحد قال : أنا كنت أفضل أن أقدمها على المسارح في حفلات كبرى لكن لو أراد الناس أن نصدر أعمالا مثل "بغداد لا تتألمي"، "الرعاة والنار"، "كثر الحديث" ... أنا لا أرى مانعاً في ذلك وأعتقد أن شركات التوزيع تسعد بخبر كهذا لأن مثل هذه الأغاني يحبها الناس.

أحب أن أغنّي قصائد أبو القاسم الشابي وشعراء تونس
وجدد كاظم خلال المؤتمر دعوته الشعراء التونسيين إلى اقتراح بعض النصوص لأنه يريد تقديمها وإثراء رصيده الفنّي بها وعبّر أيضا عن رغبته الجامحة في تقديم قصائد شاعر تونس الأول الراحل أبو القاسم الشابي صاحب رائعة "إرادة الحياة".
وذكر كاظم من رافقوه في بداياته بحب كبير حيث تحدث عن الشعراء : يوسف مقصود، أسعد الغريري، عزيز الرسام ثم كريم العراقي ومن بعد ذلك توسعت التجربة وتبقى تجربته مع قصائد الكبير نزار قباني من المحطات المهمة في حياته الفنية.
وحول سبب مسحة الحزن التي تلوح في كثير من أغانيه قال هذا يعود إلى طبيعة التربية التي تلقاها منذ صغره حيث كانت الأفراح والأعراس تفتتح بالنحيب وأغاني الشجن، وأضاف : لدي أيضا أغاني الحب والأمل والتفاؤل.

الساهر يردّ على أسئلة إيلاف
وردا على سؤال إيلاف حول الأصوات المنافسة لكاظم الساهر، قال : اليوم لدينا عدد كبير من الأصوات الرائعة في عالمنا العربي مثلا صابر الرباعي صوت جميل جدّا وطبعا أصالة التي تعتبر من الأصوات المهمّة واحترامنا الشديد للأستاذ لطفي بوشناق وغيرهم من الأصوات الكبيرة في عالمنا العربي اليوم. وأي فنان ليس من مصلحته أن يبقى وحيدا أو ضمن مجموعة صغيرة، فالفنان الذكي يحب أن يكون وسط كوكبة كبيرة العدد من الفنانين المتميّزين حتى يسعى إلى تقديم أعمال جيّدة والفائدة حاصلة للجميع. أمّا في ما يتعلق بالأصوات التي سيتعامل معها في المستقبل القريب أفادنا كاظم بأنه أصبح يخشى أن يصرح بنية مشروع ولا يتمّ بسبب المشاغل الكثيرة للفنان اليوم الذي هو على سفر دائم: فمثلا كان من المفروض أن نقدم دويتو مع الفنانة الكبيرة وردة وكنّا أنجزنا التمارين على الألحان لكن تأخر المشروع بسبب السفر والتنقل كما أنني مشغول دائما بإعداد ألبوماتي التي هي بمعدل ألبوم كلّ سنة ونصف، ولدي ألحان وعدت بها زملائي ومن بينها صوت تحبونه كثيرا لكنني تعبت من الإعلان عن المشاريع وسأنتظر موعد دخولي إلى الأستوديو لتنفيذ هذه الأغاني حتى أصرّح بها. كما أن ملحمة غلغامش أخذت منّي أياما وليالي وأشهرا وهي اليوم بين يدي الدكتور فتح الله أحمد حتّى يتولى إنجاز التوزيع الموسيقي لها. وذكر كاظم بسعادة تجربته مع ماجد المهندس وكذلك الفنانة المغربية أسماء لمنور من خلال عمل "أشكو أياما" وقال عنها : أسماء صوت جيّد ورائع. وقدم الساهر بعض المعطيات حول ملحمة غلغامش حيث قال : هذا العمل كان يقدم سنويا على مسرح بابل في نسخته الأصلية كما وجدوها منقوشة على الحجر، لكن كريم العراقي تناول العمل بطريقة مغايرة، حيث دخل مجال السياسة اليوم في وطننا العربي ثم دخل مجال الرومانسية والحب ليدخل فيما بعد عمق الأسطورة ثم عرّج على الواقع الاقتصادي للناس والفقر الكافر ومن ذلك عاد إلى الأسطورة، وهو عمل كلفه جهد كبير وأنا أيضا، ونحن فكرنا بعد تسجيل الأغاني والموسيقى ومدّة العمل ساعتين ونصف سنقدمه كفيلم سينمائي حتى يكون متقنا أكثر ما يمكن، وعندما ينتهي الدكتور فتح الله من التوزيع سأختار الأصوات التي ستغنّي معي مختلف أجزاء العمل. وحول سؤالنا الأخير المتعلق بكيفية تفاعل ابن العراق المنشغل بهموم بلده وشعبه مع واقعه المهتزّ منذ سنوات، قال : أشكرك على هذا السؤال الجميل، بلدي عانى منذ سنة 1981 عندما دخلنا الحرب الأولى ثم حرب ثانية فحصار مدمّر فمأساة الحرب الأخيرة، وفي كلّ هذه الأزمات البسطاء هم الذين دفعوا الثمن ولا أحد غيرهم، أمّا عن صوتي ودوري كفنان فأنا سافرت إلى أميركا قبل الحرب وقدمنا عملا ضدّ الحرب ودورها في خراب الشعوب، والأغنية لم يقع تنزيلها في أميركا خوفا أو شيء شابه ذلك فنزلناها في أوروبا، وعندما قامت الحرب عديد الزملاء الفنانين ومنهم الراحل محمد رشدي والراحلة ذكرى رحمهما الله، وكذلك أصالة وأنغام وغادة وإيهاب وغيرهم كثير ... من كلّهم جاءوا إلى القاهرة لإنجاز عمل : الله أكبر من سماسرة الحروب على الشعوب وكلّ تجار الدم، التي كتبها الأستاذ فاروق جويدة، وحاولنا أن ندافع على حق شعوبنا بأصواتنا لكنها كانت أقلّ قوة من صوت الحرب والدمار، وما نرجوه أن تظل أصواتنا حيّة ولا تصمت.
محمود درويش أستاذ كبير وعلم في ثقافتنا العربية
حين سئل الساهر عن إحساسه وهو يتلقى خبر وفاة الشاعر العربي الكبير محمود درويش، صمت قليلا وبدت عليه علامات التأثر وقال : رحمه الله إلتقيته صدفة وأنا في الطائرة حيث وجدت نفسي إلى جانبه دون سابق إعلام وانتبهت إليه لمّا جاءت سيدة تطلب منه توقيعا وصورة حينها التفت فوجدت الأستاذ محمود فسلمت عليه وحياني بحب كبير وأخبرني أنه قريبا يصدر له ديوان جديد ووعدته أن أقرأه وربما نلتقي في عمل وطني مثلا، صراحة لم أصدق الخبر، وأنا أعيش هذه الحسرة منذ وفاة الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي حيث إنني أريد أن أغنّي قصائدهم وهم أحياء وأعيش معهم تلك الأجواء من التشاور وتبادل الآراء مثلما حصل لي مع الشاعر الكبير الراحل نزار قباني، رحمهم الله جميعا. ويبقى الشاعر محمود درويش أستاذا كبيرا وعلما في ثقافتنا العربية.
دعوا الناس ترقص وتغنّي
وبدبلوماسية كبيرة أجاب كاظم على سؤال يتعلق بموقفه من الأغاني الهابطة التي تملأ الشاشات اليوم قائلا: أنا لمّا أشوف الناس فرحانة وسعيدة بأغاني تنزل كلّ يوم لماذا نهاجمها، فالفن مدارس، وفي القديم في زمن الأسود والأبيض قدموا لنا أغاني استعراضية خفيفة وجميلة. ثم عاد ليستدرك ويقول: طبعا فيه أغاني مأساة أنا لا أسمعها لكن هنالك أغان جميلة. وحول سلوك بعض الفنانين الذين يأتون للمهرجانات ويغنّي الجمهور وهم يصفقون علق الساهر ضاحكا : لا يمكن أن نسكت الجمهور لمّا يغنّي، خليهم يفرحوا.
روتانا لا تتدخل في اختياراتي
وحول مدى تدخل روتانا في اختياراته التي يطرحها في كلّ ألبوم قال : لا دخل لروتانا في اختياراتي من أشعار وألحان، أنا أقدم لهم الاسطوانة وهم يتولون طبعها وتوزيعها، فكلّ ما أقدمه هو من اختياري وأنا مسؤول عنه. وحول طبيعة علاقته بالمخرجين الذين يتعامل معهم عند تصوير كليباته قال : نتناقش في كلّ الجزئيات وحين أقتنع بالفكرة يصبح المخرج سيّد الموقف ونحن مهمتنا جميعا إنجاح العمل. وأكدّ كاظم أنه فنان يجيد الوقوف على المسرح لكنه ليس بارعا في التمثيل. ودعا كاظم من خلال مؤتمره الصحافي إلى إفتكاك فرصة للفرح في زمن الأزمات والمشاكل وانتزاع لحظة للرومانسية والحب والجمال. وقال أيضا : أتمنى أن أمضي سنة من عمري في الطبيعة التي لم يدمرها الإنسان بعد.
هوامش تسربت إلى المتن
-حضر المؤتمر الصحافي الأستاذ إسماعيل عودة المستشار التقني لروتانا الذي وصف الفنان كاظم الساهر بهرم الغناء العربي ومدرسة التلحين، الكبير كاظم الساهر النجم الذي تحتضنه جميع الأجيال والجنسيات، والأستاذ طوني سمعان مدير الشؤون الفنية في روتانا.
-ستتولى المذيعة جومانا بوعيد تقديم سهرة كاظم الساهر في قرطاج وستنقل مباشرة عبر شاشة روتانا وهي الحفلة الثالثة من حفلات روتانا بقرطاج هذا الصيف، وسيتولى المخرج المتميّز باسم كريستو إخراج الحفل تلفزيونياً.
-بعض الوجوه الحاضرة في المؤتمر لا علاقة لها بالصحافة ربما من صف المعجبين والمعجبات، نرجو ألا تحسب تصرفاتهم أو تدخلاتهم على كاهل الصحافي التونسي، كما أن بعض الذين "يتميزون" بما يمكن أن نسميه "المراهقة الصحافية" لا يمكن أن نحشرهم ضمن قائمة الصحافيين لأن الصحافة التونسية تضم ثلة من خيرة الأقلام والمبدعين الذين يتقنون عملهم بحرفية عالية.
-بعض "الزملاء" يتعمدون نشر مضمون المؤتمرات الصحافية على أنها مقابلة خاصة ويسردون أطوار المؤتمر بصيغة سين جيم ثم يوقعون في النهاية، وهو أمر يتعارض مع ميثاق شرف المهنة وأمانة الصحافي، وما نرجوه ألا يتكرر مثل هذه الممارسات غير المهنية وأخلاقية.