عرب وأكراد آذوا الايزيديين أكثر من "الدواعش"

عرضت خالدة خليل، المستشارة في برلمان كردستان العراق، تفاصيل ما تعرض له الشعب الايزيدي من أهل سنجار من ظلم وإبادة جماعية على أيدي داعش، ومن عشائر عربية وكردية.

بغداد: قالت خالدة خليل، الكاتبة والمستشارة الأيزيدية في برلمان كردستان، لـ "ايلاف"، إن ما لحق أهل سنجار من أذى من منبوذين من أفراد عشائر عربية وكردية كان أشد قسوة من أذى داعش، لأنه كان ممزوجًا بالخيانة، مشددة على أن سبي الايزيديات اكبر كارثة وعار في جبين التاريخ المعاصر، مشيرة إلى أن المعاناة التي يعيشها النازحون الايزيديون مريرة ومؤلمة، ووضعهم ينذر بكارثة، ما لم تقدم حلول سريعة وحكيمة في آن معاً.

في ما يأتي نص الحوار:

كيف تنظرين إلى واقع الشعب الايزيدي اليوم؟ وأين شتاته؟

الايزيديون لم يستفيقوا بعد من هول الصدمة، لذلك لا نستغرب تصرفات البعض إن لم تكن حكيمة راهنًا. فهو شعب، يُقتل أبناؤه وتُسبى نساؤه وتُستباح مقدساته بذريعة المغايرة الدينية التي يتخذها تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) غطاء لمراميه السياسية، وهو غطاء مبني على مغالطات لا تتقبلها حتى الفترة المظلمة، فضلًا عن أن الايزيدية شعب مسالم ودينه يتأسس على مفاهيم المحبة والوفاء قبل كل شيء. هؤلاء تعرضوا لأشرس هجمة في التاريخ المعاصر، وهم مشتتون يبحثون عن نقاط تجمعهم بعد طول خلاف.

العراق كان مهيّأً

لماذا كانت سنجار سهلة السقوط بيد داعش؟

سنجار منطقة استراتيجية، تقع على الحدود السورية التي تغلي فيها الأحداث منذ اكثر من ثلاث سنوات. وبسبب وجود قوى تكفيرية في سوريا كجبهة النصرة وغيرها، فإن داعش لم يحقق ما كان يصبو اليه في تحقيق الخلافة. من أجل ذلك اختار العراق، هذا إذا علمنا أن العراق كان في الأساس مهيّأً لدخول هذه القوى الغاشمة. فالموصل اخطأت خطأ تاريخيًا وثقافيًا وحضاريًا كبيرًا عندما لم تنتبه إلى الحواضن التي كانت قيد العمل تمهيدًا لدخول داعش، كما أسهمت طائفية الحكومة في سحب الجيش العراقي من الموصل عند لحظة التماس مع العدو وترك ترسانته ومعداته للتنظيم من دون مقاومة. بعد سقوط الموصل، من المفترض أن تحظى سنجار بالحماية العالية وبما يؤمن حياة مواطنيها لاسيما اذا علمنا أن سكان سنجار في اغلبهم من الايزيدية، وهي الطائفة التي تكفّرها عصابات داعش. دخلت عصابات داعش ولم تجد إلا مقاومة ضعيفة لم تستطع الصمود في وجه الهمج القادمين لتدميرها، معتمدين اساسًا على الترهيب الاعلامي، وعلى ما حصلوا عليه من أسلحة متطورة جعل التصدي لهم أمرًا غاية في الصعوبة.

من ساعدكم في نزوحكم، ومن لم يساعدكم؟

النازحون من سنجار كانوا بالآلاف، توجهوا نحو اقليم كردستان لسببين، اولهما كونهم اكرادًا وثانيهما يعود إلى ما يتمتع به الاقليم من أمان، قياسًا بالمناطق الاخرى في العراق. الأهالي في كردستان كانوا مضيافين، فقدم كل منهم ما يمكن حتى فاقت المساعدات التي قدمها الأهالي للنازحين كل التصورات الممكنة، وهم بذلك اثبتوا بجدارة أن الاختلاف الديني لم يكن ولن يكون مطلقاً حاجزاً امام الوحدة القومية التي تربط الايزيدية والمسلمين في إطار الشعب الكردي. فتحت مدن كردستان جوامعها، وبكى الأهالي لمصاب النازحين، ومدوا لهم يد العون، وهذا موقف تاريخي سجله الأهالي في كردستان عامة وفي دهوك خاصة.

ممزوج بالخيانة

هل كان غير الداعشيين أقسى عليكم من الداعشيين انفسهم؟

نعم. اهل سنجار لحقهم أذى من منبوذين من أفراد عشائر عربية وكردية، تعيش في محيط المنطقة. كان أثر ذلك أشد لأنه كان ممزوجاً بالخيانة، ما جعل وقعها أمرّ على نفسياتهم. إنها طعنة صديق وهي يقينًا اعمق أثرًا وأكثر إيلامًا من طعنة الغريب. وما حدث من هؤلاء كان مفاجئًا لم يتوقعه اهل سنجار. فهؤلاء ضربوا عرض الحائط بصلة الجار بجاره وسددوا خناجرهم في ظهر التآخي الذي ساد لعقود طويلة، وعلى هذه العشائر تسليم هؤلاء المنبوذين ليمثلوا أمام القضاء كونهم مجرمي حرب.

هل ما حدث إبادة للمكون الايزيدي؟

نعم، وعلى مرأى ومسمع من العالم. واذا كان ثمة شك في ذلك، فإن الإبادات السابقة سلسلة مر بها الايزيديون، وما حدث اليوم تابعته الأفلام وقدمته الفضائيات والقنوات التلفزيونية، وهو مثبّت كدليل لا يقبل الشك بأن ما حدث إبادة رآها العالم أجمعه بالبث المباشر، وهو ما سنستعين به إلى جانب أدلة أخرى في تحقيق الاعتراف الدولي بالحدث على أنه إبادة.

هل لديك ارقام بالقتلى والاسرى والمفقودين؟

الاحصائيات الدقيقة غير متوافرة بسبب الوضع الذي يعيشه اقليم كردستان، الذي دخلت قواته في حرب ضد داعش، لأنه يستهدف اساسًا المشروع القومي الكردي. كما أن دقة الاحصائيات تتطلب عودة النازحين إلى ديارهم لمعرفة الأعداد بشكل دقيق.

وصمة عار
&
أي تفسير لديك لسبي النساء الايزيديات؟

هذه اكبر عار في جبين التاريخ المعاصر، أعني أن نسمع في القرن الواحد والعشرين بسبي نساء وافتتاح سوق نخاسة. حين كنت اقرأ التاريخ لم اكن اتصور أن تصل إهانة المرأة إلى هذه الدرجة من البشاعة، فتتحول من كائن حي إلى سلعة يجردها من يسبيها ويبيعها من تلك الصفات السامية. فكيف يمكن إذن أن اتصور نساءً تباع على مرأى ومسمع من العالم، الذي لم يحرك ساكنًا، كما لو أن قضية المرأة هي دائمًا في الرفوف الخلفية ولتبقى كما كانت على مر الأزمان في موقع المفعول به يحرم عليها الانتقال إلى موقع الفاعل، كما هو شأن الرجل في المجتمع.

أي معاناة حالية للايزيديين النازحين؟

معاناة مريرة ومؤلمة، ووضع ينذر بكارثة ما لم تظهر مساعٍ جادة لتقديم حلول سريعة وحكيمة في آن معًا. النازحون تجدهم في كل مكان، تحت الأشجار، وفي هياكل أبنية غير مكتملة تفتقر إلى ابسط مقومات الحياة اليومية. تجدهم في المدارس وتحت الجسور. ومع دخول الشتاء وأمطاره، بأي ملجأ منها سيلوذون؟ لا بد من دعم عاجل ومتواصل من الحكومات والامم المتحدة والمنظمات الانسانية.

أين العدل؟
&
ما حقيقة ارغام داعش للايزيديين على دخول الاسلام بالقوة؟

لا استطيع تصور دين في الدنيا يمكن أن يكون بالقسر. كيف نطلب من انسان أن يؤمن بدين معين أو يغيّر دينه من دون أن تكون لديه رغبة في الانتقال من دين لآخر؟ الدين منظومة أفكار تربط الانسان بخالقه، والخالق في مفاهيم الاديان عدل، لا يميل لطرف على حساب طرف. والاديان في كل المفاهيم، فلسفية أو لاهوتية، هي منظومات تتصل بخالق واحد نفهمه جميعًا من خلال نصوص مختلفة في المظهر وموحدة في الجوهر. لا استطيع أن اتصور انه ما زال هناك في القرن الواحد من يخضع الناس لدينه بالسيف.

ماذا فعلتم لايصال معاناتكم إلى العالم؟

نعيش في زمن عولمة وكل الطرق متاحة فيه. أبرزنا هويتنا ورآها العالم وعرفنا من كان يجهلنا في بلدان أخرى وعرفوا ديانتنا وتاريخنا وارثنا. ورأى العالم ما تعرضنا له من ابادة وأن داعش كان اليد الباغية، وعرف العالم الجلاد والضحية.

قلنا للعالم إننا أقلية تعيش في العراق وأننا من اقدم الديانات الكردية التوحيدية، تظاهرنا في مدن أوروبية وعقدنا ندوات وذهبت منا وفود عدة إلى لاهاي وجنيف من اجل تثبيت جريمة الابادة لأجل أن يعترف بها دوليًا، وبالتالي كي يحصل المتضررون على التعويضات والحماية، لمنع تكرار ما حدث.