أستاذ الأسد سيصوّت له فقط لإبعاد الإسلاميين
تشكيك في إمكانية إقامة انتخابات ديمقراطية في سوريا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يبدو إجراء انتخابات رئاسية "ديمقراطية" في سوريا، والتي يشدد عليها النظام، أقرب إلى العبثية والسخرية وسط كم هائل من الدمار والدماء. في وقت نقل عن أستاذ علَّم الأسد الطب أنه سيصوّت له، لا لديمقراطيته، بل لأنه سدّ منيع في وجه الحكم الإسلامي.
في دولة لم يعد فيها حجر على حجر، يتقاتل شعبها مذاهب وطوائف، ومعظم من بقي حيًا فيها إما لاجئ أو مهاجر، يصرّ رئيسها على أن لا شيء يعوق إجراء انتخابات رئاسية "ديمقراطية".
سوريا التي تبتلعها الحرب يومًا بعد يوم لا تشبه صورتها ما كانت عليه عند اندلاع أولى شرارات الثورة. مدنها سوّيت بالأرض، آثارها إما نهبت أو دمّرت، وأرضها منطقة حرب ومتاريس للنظام والمعارضة والصوت الوحيد الذي يسمع فيها هو صوت المعركة.
قد تكون المدينة الأكثر تضررًا في سوريا هي حمص، التي تحوّلت إلى خليط من الأحياء المشوّهة، وشوارع يخشى أي كائن السير فيها، تتخللها القذائف والصواريخ. حمص تحوّلت إلى مدينة أشباح شبه مهجورة، والحياة فيها تكاد تكون معدومة، فكيف الأمر إذا تقرر إجراء انتخابات آمنة وسلمية توصف بالديمقراطية.
في غير محلها
لكن هذا الواقع القاتم لم يمنع محافظ المدينة، طلال البرازي، من إعلان حمص مكانًا مناسبًا "لانتخابات جيدة نسبيًا"، وهو تفاؤل غريب يشاركه فيه الكثير من المسؤولين في النظام السوري في دمشق، بعد الإعلان عن إجراء الانتخابات الرئاسية في غضون ثلاثة أشهر، على الرغم من الحرب المستعرة التي دفعت تسعة ملايين سوري إلى الفرار من منازلهم.
التوقعات بفوز الأسد ليست جديدة ولا مستغربة، ولا سيما أن الانتخابات السابقة كانت تضمن فوزه بنتيجة ساحقة ودائمة. فكيف الحال إذا أجريت الانتخابات في البلاد التي غادرها الملايين من سكانها، والتي دمّرت مدنها ومراكزها؟
أعرب الأسد وحلفاؤه عن ثقتهم بأن الثوار لم يعودوا يشكلون تهديدًا حقيقيًا على النظام، وهو رأي يشاركهم فيه العديد من الدبلوماسيين الغربيين، وإن كانوا يعتقدون أن الصراع سيطول. حتى المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، واحد من أشد المعارضين للأسد، قال في الأسبوع الماضي إن "الأسد قد يكون الناجي الوحيد من الجرائم الجماعية".
سخف سياسي
انطلق قطار الانتخابات الرئاسية في سوريا، بزخم كبير وثقة عالية بفوز الأسد. لكن كيف للديمقراطية أن تمارَس في حمص؟
يقول معارضو الانتخابات إنه سيكون من السخف إجراء عملية انتخابية وسط حملة عسكرية روّعت قطاعات كبيرة من البلاد، وتقمع حركة شعبية تهدف إلى التغيير السياسي. ويعتبر هؤلاء أن التصويت بحرية في مثل هذا الجو "أمر مستحيل".
في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ "نيويورك تايمز" أن الانتخابات الرئاسية في سوريا أمر "مثير للسخرية، وسوف تؤدي إلى تصعيد الوضع بدلًا من تهدئته.
في حمص، حيث تعتقد الحكومة أنها على وشك استعادة السيطرة على أربعة أحياء يسيطر عليها الثوار، تبدو المدينة بعيدة كل البعد عن الحياة الطبيعية. الحراس يتحققون من وجود قنابل عند مدخل مركز إدارة المقاطعة، ويقف الموظفون في المكاتب الرسمية ليقولوا للصحافيين إنهم يأملون إعادة انتخاب الأسد بأسلوب لا يوحي بالحرية إطلاقًا.
استحالة
في ظل الجرائم والدمار والقتل والنزوح وتهديد الأقليات في البلاد، فضلًا عن الأوبئة والأمراض، قال الأسد إنه لا يرى سببًا لعدم الترشح وإجراء الانتخابات الرئاسية. لكن هناك بعض المسؤولين الذين يعتقدون العكس، ويشككون في احتمال إجراء انتخابات قريبًا.
"برأيي الشخصي، لا أعتقد أنها فكرة جيدة"، قال إيليا السمان، مستشار لوزارة المصالحة، مشيرًا إلى: "لا يوجد أي سبب وجيه للذهاب إلى الانتخابات الآن". وأضاف أن هناك العديد من المناطق "خارج السيطرة"، مثل الشمال الذي يسيطر عليه الثوار، إلى جانب فرار أكثر من 2.5 مليون سوري من البلاد كلاجئين وإغلاق العديد من السفارات، ما يمنع المغتربين من التصويت.
ورأى أنه "بدلًا من إجراء الانتخابات، ربما الأجدى التوصل إلى مصالحة وطنية. الانتخابات الرئاسية - سواء أكانت شرعية أم لا - لن تغير شيئًا يذكر من دون التغيرات السياسية الأساسية". "لايهمني إذا أعيد انتخاب الأسد أو أي شخص آخر. مشكلتي مع النظام، النظام كله"، قال السمان، الذي ينتمي إلى حزب معارض غير متشدد.
بالإكراه
من جهته، قال دبلوماسي غربي في المنطقة إن النظام السوري سيرغم أحدهم على الترشح في وجه الأسد لإضفاء "طابع ديمقراطي" على الانتخابات الرئاسية. وأضاف: "سيخرجون أحد السجناء ويقولون له: إما أن تترشح أو نعيدك إلى السجن. هذا سيضمن لهم القدرة على المجادلة بشرعية الانتخابات".
الانتخابات في حمص تحمل صورتين متناقضتين إلى حد الذهول، فمحافظ المدينة يقول إن القتال والنزوح لا يشكلان أي عقبة أمام التصويت، معتبرًا أن المدينة آمنة بما فيه الكفاية للاقتراع، وإنه يمكن للسوريين التصويت خارج مناطقهم الأصلية أو في المراكز الحدودية السورية، كما إن الناس في الضواحي التي يسيطر عليها المسلحون في حمص يمكنهم عبور خطوط الجبهة للتصويت!.
لكن الصورة الأخرى التي ينقلها المعارضون تقول إن هذا السيناريو مستحيل، وإن التصورات التي ينقلها المحافظ "خرافية إلى أبعد حدود"، فالنازحون يخافون العودة إلى المدينة، كما إن اللاجئين لن يجرؤوا على الدخول إلى المراكز الحدودية السورية خوفًا من السلطات، إلى جانب عقبة أخرى، وهي أن القانون بات يتطلب أخيرًا من السوريين العودة إلى منازلهم للحصول على بطاقات جديدة، وهو أمر يخشاه كثيرون.
أستاذ الأسد سيصوّت له
ونقلت الصحيفة عن طبيب علّم الأسد في كلية الطب في دمشق إنه سيصوّت لمصلحته على الرغم من أنه لا يعتبره "ديمقراطيًا 100 في المئة"، لأن البديل الوحيد منه هو الحكم الإسلامي.
واعتبر الطبيب، الذي رفض الكشف عن هويته، أن "الملكيات الاستبدادية - أي قطر والسعودية - التي تدعم المعارضة المتشددة لا يحق لها أن تنتقد شرعية الانتخابات، لأنها لا تمارسها أساسًا على أراضيها". وأضاف: "إذا شكك الأميركيون في شرعية الانتخابات السورية، لديهم الحق، لأن لديهم ديمقراطية. لكن قطر أو المملكة العربية السعودية فليس لديها هذا الحق".