إرهاب سيناء مؤشر للتطورات الأمنية في كل من سوريا ولبنان
الإستخبارات الإسرائيلية تقيّم الوضع الإقليمي في العام الجديد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مصر والاردن، حزب الله، وايران، والضفة الغربية، وقطاع غزة... مواضيع حارقة لجبهات مضطربة تقض مضاجع الإسرائيليين في العام الجديد. لذلك أعدت الاستخبارات دراسة شاملة عن مآل الأوضاع مستقبلاً.
محمد نعيم من القاهرة: وضعت الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية تصوراً للوضع الاقليمي خلال العام المقبل، وذلك عبر عدة جبهات، في طليعتها الجبهة الجنوبية مصر والاردن، وحزب الله، وايران، والضفة الغربية، وقطاع غزة. ورأت إن غياب الحكام، وانعدام أمن المواطنين، وعدم توفير الاحتياجات الأساسية هو السبب الرئيسي لانتعاش حركات الجهاد العالمي.
ووضع 4 من كوادر وحدة ابحاث الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية تصوراً للواقع الاقليمي خلال الفترة المقبلة، واعتمد الباحثون في تصورهم على المعطيات التي فرضت نفسها على الساحة السياسية والعسكرية بالمنطقة، وركز الباحثون حديثهم على الجبهات الاكثر سخونة، وفي مقدمتها الجبهة المصرية والاردنية، واللبنانية ممثلة في الجنوب وما ينطوي عليه من تواجد لعناصر حزب الله، ثم الجبهة السورية، وكذلك الايرانية والفلسطينية.
الضفة والقطاع
وفي حديث مستفيض لصحيفة يديعوت احرونوت العبرية، قال الكادر الاستخباراتي الاول، الذي اكتفى بذكر اسمه الاول "ميخائيل"، وهو المسؤول عن الجبهة الفلسطينية، أنه يتابع تطورات هذا الملف منذ ما يقرب من سبع سنوات، وتشمل متابعته قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك المجالان السياسي والعسكري.
واضاف: "عندما أحاول بلورة طبيعة عملي في وحدة الابحاث، يمكن القول بأن تركيزي ينصب في المقام الاول على الاجابة عن سؤال عريض: الى اين تذهب المفاوضات، والى اين يسير ابو مازن؟، واذا كان اهتمامي بتلك الاشكالية يبدأ منذ استيقاظي من النوم، فانشغالي في الظهيرة، يدور حول وضع توقعاتي حول احتمالية نشوب انتفاضة ثالثة ضد اسرائيل من عدمه.
اما في المساء فأنشغل بإعداد التحذيرات الاستخباراتية على خلفية أي تطور عسكري في قطاع غزة على وجه الخصوص. ورغم الفارق الكبير بين الوضع في غزة والضفة الغربية من منظور عسكري وامني على الاقل، الا اننا نتعامل في اسرائيل مع الجانبين على انهما جزء واحد".
استراتيجية جديدة
وفي حديثه عن الواقع في الاراضي الفلسطينية، يؤكد الكادر الاستخباراتي الاسرائيلي "ميخائيل"، أن ابرز الاحداث التي شهدتها الاراضي الفلسطينية خلال العام الماضي، كانت عملية "عامود السحاب" العسكرية في قطاع غزة، فبعد تلك العملية خاضت اسرائيل استراتيجية جديدة ومغايرة جداً لما كان عليه الحال في الماضي، إذ اصبحت التهدئة في القطاع استباقية، وهو ما يخالف الوضع خلال العقد الاخير تقريباً.
واضاف ميخائيل: "لم يتقلص فقط سقوط القذائف الصاروخية على الجنوب الاسرائيلي، وانما استطيع مراقبة عدوي المركزي حماس، وأقف على الطريقة أو الاسلوب الذي يتبناه، والذي تطور منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، فأصبحت لحماس استراتيجية مسؤولة، واكثر قوة من الماضي، واكثر تأثيراً على اسرائيل عن ذي قبل".
تطور في قوة حماس
وعلى العكس من ذلك، يرى ميخائيل، انه منذ عملية "عامود السحاب"، فإن هناك تطورًا دراماتيكياً في قوة حماس، إذ ارتفع الى حد كبير معدل انتاج الوسائل القتالية والقذائف ذات المدى المتوسط من طراز (M75)، بالاضافة الى وسائل قتالية مماثلة يمتلكها الجهاد الاسلامي، وتستطيع تلك القذائف الوصول من الشمال الى منطقة "غوش دان".
وعلى حد وصف ميخائيل، "اصبح العدو الحمساوي على قناعة بخطورة الاسلحة التي يمتلكها على امن اسرائيل، وان صدى امتلاك العدو لتلك الاسلحة يلقى دوياً لدى وسائل الاعلام المختلفة، وهو ما يؤكد أن المواجهة المرتقبة بين اسرائيل وتلك التنظيمات، ستكون مغايرة لما كان عليه الحال في الماضي، إذ تتواجد حول اسرائيل المئات من القذائف المتناثرة في كل مكان".
اما في ما يتعلق بالضفة الغربية، فيؤكد ميخائيل، المسؤول عن الملف الفلسطيني في وحدة ابحاث الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، أن السؤال العريض الذي انشغل بالبحث عن اجابته خلال العام ونصف العام الماضيين، هو: كيف استطاعت تلك الجبهة وما زالت تعيش مستقرة، رغم حالة جمود العملية السياسية، ورغم قضايا أخرى تثير حالة من الغليان؟.
ويرد ميخائيل على نفسه قائلاً: "انني ادعي أن ذلك يعود الى الربط بين امرين اساسيين، اولهما يكمن في القيادة الفلسطينية، التي تصر بقوة على ضرورة التمسك بسيادتها والحفاظ على العملية السياسية، ولذلك ترفض العودة للماضي بما يحويه من انتفاضة أو عمليات مسلحة هنا او هناك ضد اسرائيل".
اما السبب الثاني فيعود الى يقظة الدوائر الاستخباراتية الاسرائيلية لتفاصيل ما يجري في القطاع، فلا تزال جماهير الضفة تتذكر معاناتها المعيشية خلال اندلاع الانتفاضة الثانية، فلم ينسوا نقص الطاقة والدبابات الاسرائيلية وهي تتحرك بأسلحتها وسط الاسواق، فالجيل الجديد لا يرغب في عودة هذا المشهد مجدداً، خاصة أن الاقتصاد في الضفة مستقر في الوقت الراهن نسبياً بشكل افضل من الحال التي كان عليها في السابق.
انهيار المفاوضات والانفجار الكبير
واوضح ميخائيل قائلاً: "رغم ذلك، الا انني انظر على بُعد ما، واحاول الاجابة على السؤال: ما الذي يحدث في الفترة التي ربما تشهد تغييراً في الجدول السياسي، أو بعبارة اخرى: ما الذي سيحدث اذا انهارت العملية التفاوضية بين اسرائيل والفلسطينيين؟، عندئذ سيكون هناك انفجار كبير".
وامام هذا الاحتمال، يرى ميخائيل أن اجهزة اسرائيل الامنية، خاصة الاستخباراتية منها، تسعى الى تنويع قرون استشعارها.
واضاف: "رغم تلك الاستعدادات، الا انني وغيري نعيش في منطقة الشرق الاوسط، ولا انسى الـ"بوعزيزي"، بائع الخضروات التونسي، الذي اضرم النار في نفسه، احتجاجاً على نظامه الحاكم، فأشعل موسم "الربيع العربي"، فيجب أن تستعد اسرائيل لكل شيء غير متوقع، من الممكن أن يفرض نفسه عليها وعلى الجميع من دون سابق انذار، ويؤدي الى اضرام النار في كل شيء".
مصر والاردن
الجبهة الجنوبية في وحدة ابحاث الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، تضم مصر والاردن، ويقود العمل على تلك الجبهة كادر استخباراتي،يسمى "رويتال"، ويؤكد عبر حديثه المستفيض لصحيفة يديعوت احرونوت، أن ابرز الاحداث التي شهدتها مصر خلال العام الماضي كان سقوط نظام "الاخوان المسلمين"، بالاضافة الى العملية السياسية الجديدة بموجب خارطة الطريق، التي بادر اليها المشير عبد الفتاح السيسي، وادرج فيها الانتخابات واعادة ترسيم المسار الديمقراطي، لكن السؤال الكبير، هو:ما الذي سيكون بعد ذلك؟.
الارهاب في سيناء
واوضحالكادر الاستخباراتي الاسرائيلي، ان الاجابة على هذا السؤال ستكون شغله الشاغل خلال الفترة المقبلة، وتحديداً خلال العام المقبل، وستنصب محاوره حول: كيف ستدار العملية الانتخابية للرئاسة والبرلمان؟ وعلى وجه الخصوص، كيف سيواجه النظام المرتقب ازمات الامن الداخلي، والملفات الاقتصادية بالغة التعقيد؟، فنظام الاخوان المسلمين فشل في التعامل مع هذين الملفين، ولذلك تم اسقاطه.
اما الاشكالية الثانية فتكمن في تطور وقوة الارهاب في سيناء ومصر، إذ ترى اسرائيل وكذلك السلطات المصرية، ان سيناء هي البارامتر الذي يعكس ما يجري في المنطقة بأسرها، ويشمل ذلك مصطلح الصراعات الداخلية، وما ينطوي عليه من انشطة مسلحة للجهاد العالمي، والتنظيم العراقي "داعش" او الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، بالاضافة الى قيادة تنظيم القاعدة.
الاهم من ذلك بحسب الكادر الاستخباراتي الاسرائيلي، هو ان التقديرات الاسرائيلية لا تستبعد الاتحاد بين جماعات الجهاد العالمي، والعمل تحت سقف اي تنظيم كالقاعدة مثلاً في سيناء، وهو ما سيُجبر مصر على توسيع نطاق عملياتها العسكرية في شبه الجزيرة لتطول قطاع غزة.
واضافت رويتال: "اعتقد أن العام المقبل سيشهد تطوراً هائلاً في معركة مصر ضد الارهاب، ونحن في اسرائيل نراقب عن كثب ما يحدث والى أي طريق ستسير فيه الأوضاع. الحرب في سوريا اعادت العناصر المسلحة الى حيث أتت سواء من مصر أو من الاردن، وسوف يؤثر ذلك على المشهد الى حد كبير، فهناك ميل للحديث عن سيناء، وهذا صحيح بسبب الاضرار التي قد تنعكس على اسرائيل من الخطر الارهابي في شبه الجزيرة، لكن معركة الارهاب ليست في سيناء فقط، وانما في القاهرة ومحافظات الدلتا، فالاحداث الجارية في تلك المناطق تؤثر بشكل مباشر على الاوضاع في المنطقة الحدودية".
مطالب الشعب
وفي ما يخص العملية السياسية في مصر، اعرب الكادر الاستخباراتي الاسرائيلي "رويتال" عن اعتقاده بأن الانتخابات الرئاسية ستُجرى في موعدها، الا ان تلك الانتخابات من الممكن أن تواجه بعض العراقيل او التغييرات في الجدول الزمني، لكن السؤال الذي بات يفرض نفسه هو: ما الذي سيحدث في مصر بعد ستة اشهر من اعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية؟
وهل سيستطيع السيسي حال فوزه ان يلبي مطالب شعبه، وينجح في تحسين اداء منظومة الامن الداخلي، واصلاح الملف الاقتصادي؟
وتجيب "رويتال" على السؤال بقولها: "سيواجه الزعيم المرتقب مسؤولية كبيرة، تفرض عليه توفير الطعام لـ87 مليون فم، إذ تؤكد المعطيات ان مصر تستقبل مولوداً جديداً كل 16 ثانية، وسيلقي هذا النمو السكاني بالمسؤولية على الرئيس القادم، إذ يجب عليه ان يفكر ويعمل من اجل الاجابة على اسئلة عديدة: كيف يربي الطفل الجديد؟ وكيف يعلمه؟ وكيف سيوفر له الخدمة الطبية؟، وكيف سيدرجه في منظومة العمل؟".
وتلمح "رويتال" الى أن الثورة خرجت على مبارك ليس لاسباب ايدلوجية - دينية، وانما بسبب الملف الاجتماعي - الاقتصادي. وفي هذا الصدد يمكن أن يكون للمساعدات الخارجية بالغ الاثر الايجابي".
دعم الخليج
وترى "رويتال" ان السعودية ودول الخليج دعمت وستواصل دعمها لمصر سياسياً واقتصادياً، فتلك الدول تتفهم جيداً أن المساعدات الخارجية لمصر تمثل داعماً مركزياً للاستقرار، فالبيروقراطية السلطويةما زالت تقوم بدور كبير، فلم يكن وصف مصر بأنها دولة مؤسسات عبثاً، ولعل ذلك بحسب رأي الكادر الاسرائيلي، كان سبباً في عدم ذوبان مصر أو تفكيكها بفعل التحولات العنيفة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية. كما اعرب الكادر الاستخباراتي عن اعتقاده بأن المؤسسات المصرية عينها، هي التي ستدعم ابحار السفينة المصرية في النيل ولكن ببطء، وستتغلب على كافة العراقيل لتواصل الابحار، لذلك يصف الكادر الاسرائيلي ما يجري في مصر حالياً بأنه حالة من انعدام الاستقرار، لكن هذه الحالة مازالت تحت السيطرة.
مصير الاخوان ودور الرئيس المقبل
سؤال آخر كبير يفرض نفسه، وهو: ما الذي سيفعله الاخوان المسلمون في المستقبل، وما مصير الجماعة؟
وهل ستكون هناك ايعازات بتحويل معارضة النظام الحالي أو المرتقب الى معارضة مسلحة؟
ام أن الجماعة ستنحني بشكل موقت امام العاصفة كما حدث في الماضي، ليقتصر دورها في تلك المرحلة على الدعوة الاجتماعية فقط؟.
وعلى خلفية علامات الاستفهام تلك، تتعلق في عنق المشير عبد الفتاح السيسي العديد من الآمال، فإذا اختارت جماعة الاخوان المسلمين الصراع المسلح ضد السلطة، فسوف نرى في مصر خلال صيف العام المقبل تحولاً غير مسبوق في التعامل مع الارهاب.
إستقرار الأردن مهدد
"رويتال" المسؤولة عن الملف البحثي في الجبهة الجنوبية، انتقلت من حديثها عن مصر الى الحديث عن الاردن، مشيرة في حديثها المستفيض لصحيفة يديعوت احرونوت العبرية الى أن الاوضاع الجارية في سوريا هي المسؤولة عن تهديد الاستقرار في الاردن، فالحرب الاهلية في سوريا التي تقرع ابواب لبنان، هي عينها التي تزُج بمئات الالاف من اللاجئين السوريين للأردن، وتؤدي كذلك الى فوضى امنية عارمة في العراق.
واضافت "رويتال": "امام هذا الواقع نحن امام خيار يدور حول نمو "هلال جهادي" يطوّق الاردن، ومن الممكن أن يتوغل في اعماقه".
وفي ردها على سؤال حول احتمالية تسلل الجهاد العالمي من سيناء الى جنوب الاردن، تقول "رويتال": "منذ وقت ليس بالطويل، وتزامناًمع الانتهاء من بناء السياج الحدودي مع سيناء، ناقشنا هذا الاحتمال، وعكفنا على الاستعداد لذلك استخباراتياً وعملياتياً".
وتؤكد "رويتال" ان الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية شهدت خلال السنوات الثلاث الماضية قفزات هائلة، فمنذ عملية "عامود السحاب" قفزنا بشكل تدريجي في كم وكيف الاهداف التي نضعها امام اعيننا، كما نهدف للحيلولة دون اصابتنا بالضرر البيئي المحيط باسرائيل، فنحن حريصون على عدم التدخل في أي من الاشكاليات الحاصلة، وربما يؤدي ذلك الى زيادة نسبة تعقيد عملنا الاستخباراتي، وفي حالات عدة تسقط العديد من الاهداف، الا اننا لا نتمكن من تصفيتها او مجرد التعامل معها، ويقود ذلك بالضرورة الى عقبة كؤود على مسار اتخاذ القرارات العملياتية".
استعداد اسرائيلي للحرب القادمة
الى ذلك، ترى "رويتال" أن هناك مشكلة أخرى، وهي العجز البشري في مجابهة تلك المواد، حتى اذا كانت مسمياتها مطروحة على الطاولة، لذلك فنحن اليوم في حاجة الى تطوير الادوات التي تمكننا من التعاطي مع الانفجار المعلوماتي، ولكن بصورة مفيدة وعقلانية.
وتضيف: "مركب آخر في التحول الذي طرأ على ادائنا يمكن ملاحظته في عملي عند الوقوف على مهمتي الاساسية: فمهمتي ببساطة هي الاستعداد للمعركة القادمة، والاكثر من ذلك هو الحفاظ على السلام، وفي كثير من الاحيان تبدو مهمة الحفاظ على السلام اكثر تعقيداً من توجيه انذارات باقتراب نشوب حرب. كما ان هناك تحديات يجب استيعابها ومعرفة التعامل معها بصورة حكيمة، بالاضافة الى تحليل الخطر، والبحث عن نقاط الاحتكاك المركزية.
حزب الله والمأزق السوري
جبهة حزب الله يتولى الملف البحثي فيها كادر استخباراتي آخر، نعتته الصحيفة العبرية بـ "روعي"، ويرى أن الحدث الاكبر على تلك الجبهة، كان ضلوع عناصر حزب الله في الحرب الدائرة بسوريا، مشيراً الى ان ذلك لم يحدث في العام الماضي فقط وانما كان في فترة سابقة لها، وخلال الاشهر القليلة المقبلة وربما في العام المقبل، ينصب اهتمام وحدة ابحاث الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية على متابعة الآثار المترتبة على ضلوع حزب الله في المعارك السورية، وانعكاسات هذا الضلوع على استقرار لبنان، فمن الاهمية بمكان التأكيد على أن تفكك النظام اللبناني، يكمن في التحول الاقليمي المحتمل، والذي سيكون اكثر دراماتيكية مما هو متوقع، وليس ثمة شك في أن هذا التحول وما يحمله من تفكيك للنظام اللبناني سينعكس على اسرائيل.
ويقول "روعي": "نرى اليوم أن جزءاً ليس بالقليل من ظاهرة الجهاد العالمي التي نراها في سوريا تتسلل حالياً الى لبنان، واليوم في الداخل اللبناني - وفقاً لتقرير الامم المتحدة - يتواجد الالاف من اللاجئين السنة، وانني اتذكر أن لبنان تلك الدولة التي يبلغ تعداد سكانها 4 ملايين نسمة تقريباً، تستوعب ايضاً ما يقرب من مليون نسمة من اللاجئين السنة".
التنوع السكاني والطائفية
ونتيجة لذلك - وفقاً للكادر الاستخباراتي الاسرائيلي - فإن هناك تغييراً للتنوع السكاني والنظام الطائفي داخل لبنان بين السنة والشيعة.
ويرى "روعي" أن الاهتمام الحالي ينصب على ظاهرة الجهاد المقاتل، وهو الجهاد السلفي الذي دخل الى لبنان، وينفذ فيه عمليات مسلحة غير مسبوقة، فمن كان يعتقد امكانية تفجير سيارة مفخخة امام سفارة ايران في قلب بيروت؟، ومن كان يعتقد امكانية اطلاق قذائف صاروخية على بلدات شيعية في البقاع؟، ومن كان يجرؤ على فعل كل ذلك بحزب الله؟"
اما في ما يتعلق بانعكاسات هذا المشهد على اسرائيل، فيرى الكادر الاستخباراتي الاسرائيلي، ان تسلل الجهاد العالمي الى حدود اسرائيل، سيُضاعف من حجم التهديدات، كما يزداد التهديد على الجبهة الشمالية بشكل عام وعلى الحدود مع لبنان بشكل خاص، وهي الحدود التي كانت مستقرة حتى وقت قريب.
واضاف "روعي": "في تلك الآونة لاحظنا محاولات للاحتكاك بجنودنا، واتسع نطاق تلك الاحتكاكات على طول الجبهة الشمالية، في هضبة الجولان، وجبل الشيخ، ومن الممكن أن يتسع نطاق تلك الاحتكاكات في مناطق أخرى بالجبهة عينها".
في ما يخص تأييد الطائفة الشيعية لحزب الله في اعقاب ارتفاع معدل قتل المئات في سوريا، يؤكد "روعي" أن اسرائيل لديها انطباع بأن الطائفة الشيعية التي خرج الحزب من رحمها، مازالت تدعم وتؤاذر حسن نصر الله في كل خطواته، وذلك على الرغم من أن الحزب يعاني ازمات اقتصادية غير مسبوقة، تنعكس بشكل مباشر على ميزانيته، إذ ان العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران والحرب الدائرة في سوريا، اثرت جميعها على ميزانية حزب الله.
غياب الانظمة وانعدام الأمن
وفي ما يخص الجبهة الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط، فيقود ملفها البحثي في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية المدعو "دودي" بحسب تعريفه من قبل صحيفة يديعوت احرونوت، ويقول انه في عمله يعتمد على المعطيات التي يسوقها اليه نظراؤه الباحثون في الجبهة الجنوبية والفلسطينية وحزب الله وكذلك ايران، ومن خلال تلك المعطيات، يُعد "دودي" تقديراً عاماً للوضع الاقليمي.
ويقول: "إن المشكلة الاقليمية الاولى تكمن في غياب الانظمة الحاكمة في المنطقة بشكل ملحوظ، وتجلت صورة ذلك في انعدام الامن الشخصي للمواطنين، بالاضافة الى انعدام قدرة السلطات على تزويد المواطنين باحتياجاتهم الاساسية، فضلاً عن هيمنة حالة من الغليان على الجماهير، والميل الى استخدام العنف، واقتراب العديد من الدول الى حافة الهاوية، ويمكن ملاحظة ذلك في دول مثل العراق وليبيا وسوريا، او في مناطق داخل دول مثل سيناء التي تواجه السلطات المصرية فيها صعوبة في السيطرة على الارهاب، ولا تقل هذه الصعوبة عند محاولة السلطات عينها في فرض النظام".
اما الاشكالية الثانية التي باتت تستوطن منطقة الشرق الاوسط وفقاً للباحث الاستخباراتي الاسرائيلي "دودي"، فتبدو واضحة في ازمة المحور السني - الشيعي، فرغم أن تلك المشكلة كانت مفروضة دائماً، الا انها اصبحت حالياً ذات مغزى كبير، فلم تعد الازمة دينية في هويتها، وانما اصبحت استراتيجية. فإلى جانب المقاتلين في سوريا على سبيل المثال، نرى لاعبين كباراً في كلا الجانبين، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد العربية السعودية وايران، يتبادلان في ما بينهما الدعم لكلا الجانبين على حدة.
الاشكالية الاقليمية الثالثة - كما يراها "دودي" - هي الصعود وما تلاه من ضعف للاسلام السياسي، وتبدو تلك الظاهرة بوضوح في مصر مع بزوغ نجم الاخوان المسلمين، الذين سقطوا بعد عام واحد من الحكم.
ولكن هناك حركات أخرى تتبع اجندة سياسية وايدلوجية دينية - اجتماعية، الا أن الهدف الذي تصبو اليه تلك الحركات بات صعباً بعد ضعف الحركات عينها خلال الاونة الاخيرة.
قوة الجهاد العالمي
ويشير "دودي" الى ان مجمل تلك الاشكاليات كان سبباً مباشراً في الانتشار والقوة غير المسبوقة للجهاد العالمي، وهو الامر الذي ينعكس سلباً وبشكل مباشر على اسرائيل.
ويضيف "دودي": "هناك من يدعي أن تهديد الجهاد العالمي يمكن ان يفرض نفسه في نهاية المطاف، نتيجة للاقتتال والحروب الداخلية، كما بات عليه الحال في سوريا. الا أن هذه المفهوم قد يقلص التهديد الحاصل، إذ ان الاعتقاد في ذلك يمنح الجهاد فرصة تتماشى الى حد كبير مع امكانية توحيد صفوفه من جديد، وعندئذ تصبح اسرائيل اول المضارين من ذلك، وكذلك اذا حارب الجهاديون انفسهم، فستفاجأ اسرائيل لتجد نفسها وسط هذا السجال المسلح المخيف".
وفي رده على سؤال حول الطريق الذي يتجه اليه الواقع الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط، يؤكد "دودي" انه بالاضافة للصراع المحوري بين نظام الاسد وبين السنة، هناك مواجهة أخرى ليست بالطفيفة بين قوى مختلفة تصارع كل منهن الاخرى، والحديث هنا لا يدور حول القوى العظمى.
وامام ذلك لا يمكن وضع صورة واضحة المعالم للمستقبل الاقليمي المنظور، إذ ان جزءاً من دول الخليج العربي تعارض محاولات تعاظم النفوذ الايراني، الا أن تلك الدول تعارض كذلك النفوذ الاخواني "نفوذ الاخوان المسلمين"، ويحمل ذلك المغزى المحوري كل انواع الصراع، فلا يوجد مسار واحد يمكن من خلاله استيعاب ما يجري على ارض الواقع، فإذا حاولنا قراءة المشهد من زاوية غير الاخرى نلاحظ مدى تعقيد المشهد، ولا شك أن اسرائيل ترى الصورة حولها ملبدة بالغيوم وغير مستقرة لدرجة كبيرة.
ويضيف: "هناك من يقول أن مستوى اسرائيل الامني يفوق في قوته المعركة الاقليمية متشعبة الصراع والضعف، الا انني اعتقد إزاء ذلك ان وضع كذلك يحتاج الى ايضاحات وقراءة لسيناريوهات متوقعة للتصعيد، وهذا لن يكون لصالح الدولة العبرية".
وضع ملبّد بالغيوم
وفي ما يتعلق برؤيته وتقديراته لصمود نظام الاسد حتى ربيع العام المقبل، يؤكد "دودي" أن طرح السؤال بهذا الشكل غير لائق، لا سيما ان الحديث يدور حول بيئة ضبابية غير واضحة المعالم.
وعليه، فإنه يجب التطرق الى قضايا اخرى: ففي الوقت الذي تنعدم فيه الرؤية، نكون في حاجة لوضع سيناريوهات، تمكّن متخذي القرار من استيعاب الاوضاع، والاستعداد لاحتمالات قد تفرض نفسها على ارض الواقع، وعدم الخوض في وضع نبوءات لما يحدث غداً، ولذلك نحن في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، لا نشغل انفسنا بالاجابة على سؤال: هل سيهيمن الاسد على الاوضاع في بلاده، ام انه سيفشل في ذلك؟
صراع روحاني مع "الثوري"
وحول الوضع في ايران، يرى "دودي" ان ايران تشهد حالياً صراعاً للقوى بين الرئيس روحاني ومعسكره، وبين قادة الحرس الثوري الايراني وآيات الله المحافظين، ولن تؤثر نتائج هذا الصراع على الملف النووي فقط، وانما ستؤثر كذلك على الارهاب الذي تصدره طهران.
وفي رده على سؤال حول الرابح من تلك التطورات الايرانية، قال "دودي": "انه من السابق لأوانه الحكم أو الاجابة على هذا السؤال، اما ما يمكن ملاحظته بوضوح، هو أن هناك متغيرات في ايران على المستوى الاستراتيجي للقيادة، ومن دون الدخول في تفاصيل، فإننا نعتقد أن التغيير في ايران ليس سحرياً،بل تغيير في الهوية، لكن التحديات التي يضعها الايرانيون امام اسرائيل ما زالت قائمة، ووفقاً لتقديري فإن الجيش الاسرائيلي سيظل يجابه تلك التحديات في المستقبل المنظور في اطار ما يُعرف بـ "معركة ما بين المعارك"، ولذلك فإنه لا ينبغي الاستسلام لاعتقاد ان ايران دولة ترغب في السلام".