محمد السادس عرض خبرات المملكة على الأشقاء التونسيين
زيارة ملك المغرب إلى تونس: مكاسب أزعجت "أعداء التقارب"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في المغرب تجربة تنموية معتبرة، وتجربة أخرى مهمة في محاربة التشدد وتجفيف ينابيعه، حاول العاهل محمد السادس نقلها إلى التونسيين الذين يتلمّسون طريقهم على درب الجمهورية الثانية. لكن هذا التقارب له أعداء حاولوا التشويش على زيارة الملك.
أيمن بن التهامي من الرباط: الزيارة الأولى من نوعها للعاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تونس كانت لها مكاسب اقتصادية وأخرى سياسية، قبل أن تكون سببًا في فضح "أعداء التقارب بين الشعوب ومناوئي بناء الصرح المغاربي".
فالبيان المشترك الصادر بمناسبة الزيارة، يظهر تمسّك البلدين بإتحاد المغرب العربي كخيار استراتيجي، وجعل العلاقات النموذجية بينهما رافدًا أساسيًا لمسلسل الإندماج المغاربي، قبل أن يكشف بعض المكاسب التي تسعى تونس لتحقيقها، وفي مقدمتها الاستفادة من التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية، ومساندة الرباط في استكمال البلد الشقيق مسار الانتقال الديمقراطي.
الملك يقلب هرم التنمية
حققت الزيارة الملكية نتائج مثمرة ونجاحًا كبيرًا في ما يتعلق بتعزيز التعاون الثنائي بين المغرب وتونس.
وينتظر أن يفعل هذا التعاون بـ"مشاريع مهيكلة وواعدة، خاصة في المجالات ذات الأولية، التي تضع المواطن في صلب توجهاتها، وتعتمد مقاربة شاملة ومندمجة لمعالجة قضايا التنمية، وعلى رأسها التعليم، والتكوين، والصحة، والمرأة، والشباب"، حسب ما أعلن عنه الملك محمد السادس، في الخطاب الذي ألقاه، يوم السبت الماضي، أمام أعضاء المجلس التأسيسي التونسي.
حقوق الشعوب
وفي تعليق على المسار الذي ستأخذه مستقبلاً العلاقات بين البلدين، قال إدريس قصوري، الباحث والمحلل السياسي، إن "المغرب يعتبر أن تمتين العلاقة الثنائية من أجل تنمية استقرار البلد هي حق من حقوق الشعوب وليست مسؤولية المسؤولين الحكوميين أو المسؤولين التشريعيين"، مشيرًا إلى أن "هذه الزيارة هي عتبة من أجل ترتيب البيت المغاربي وتفعيل النظام المغاربي، في أفق جديد، على أرضية مقتضيات مراكش، لكن بأفق نظام مغاربي جديد وفعّال في ظل التكتلات العالمية وحتى الأوروبية والأفريقية التي لا تؤمن إلا بالقوى القوية التي تستطيع أن تتضافر جهودها جميعاً للإجابة عن متطلبات التنمية ورفع تحديات ومتغيّرات التنمية التي تتموج بسرعة فائقة، وتتدخل فيها مجموعة من المتغيّرات دائمًا، ولا تؤمن بالجمود ولا بالانغلاق، ولا بالانعزال ولا بالتعالي ولا بالقوة الاقتصادية. لأن اليوم القوة البشرية هي التي تصنع الفارق وهي الحاسمة، وتؤمن لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية بالثقة في الأنظمة. ".
رأس المال البشري
وأضاف القصوري في تصريح لـ"إيلاف": "لاحظنا الكثير من الدول التي&لها إمكانيات كبيرة وعصف بها الربيع العربي. لهذا، فإن التوجه اليوم نحو تنمية شاملة تكون فيها الموارد هي رأس المال البشري الحاسم والأساس".
وقال المحلل السياسي: "هذا هو التوجه الملكي في خطابه في تونس، إذ أنه قلب هرم التنمية من مسؤولية المسؤولين والسياسيين إلى حق للشعوب، وهذه هي الإضافة الجديدة. وأيضاً جعل تنمية الشعوب لا تقف عند توفير الحاجيات والخدمات والمنافع المادية الملموسة، وإنما الخدمات الروحية والثقافية أيضًا... فالمغرب له إضافة يقدمها إلى تونس في ما يتعلق بالتأطير الديني والروحي من أجل إسلام وسطي معتدل وإسلام للحوار والتفاعل والانفتاح. وبالتالي، فإن النظام الملكي المدني بالمغرب أثبت جدارته لأن فيه الأمل، ويمكن أن يكون نموذجاً ويشكل التأثير مغاربيًا وإفريقيًا. فمثل هذه الزيارات هي مفتاح لإعادة تفعيل النظام المغاربي الذي ما أحوجنا إليه في ظل التكتلات العالمية والاستراتيجيات العالمية للعولمة التي تنبني على الجمع ولا تنبني على القوة الواحدة".
دعم تونس أولوية
تزامنت الزيارة الملكية مع سياق عربي أفريقي &- إسلامي - مغاربي متوتر وجدّ حرجٍ مرت خلاله عدد من الدول بلحظات صعبة.
وكان المغرب البلد الذي شكل، لحد ما، الاستثناء في هذه المرحلة، بعد أن نعِم، حسب القصوري، بالأمن والاستقرار، في وقت "تحاول فيه دول بذل مجهود لرأب الصدع والقضاء على جميع أشكال التوتر وأسبابها، من فقر وبطالة وصحة، وتعليم، وبيئة، وغيرها".
وأضاف المحلل السياسي: "المغرب شكل الاستثناء والحركية والدينامية الملكية شكلت رافداً بالنسبة للمملكة وزخمًا وجاذبية جعلتها رهن إشارة هذه الدول، في بناء الأمن والاستقرار والتنمية"، وزاد موضحاً: "إذن، مجموعة من الدول عرفت المرور من مراحل انتقالية وتوترات أثمرت حكومات فتية تضم فاعلين سياسيين ومدنيين جدداً، وفيها ثقافة شعبية جديدة، وارتفاع منسوب الثقافة الشعبية، وبالتالي فإن هذه الدول، منها تونس، تمر بمرحلة انتقالية تجعلها أحوج لجميع الدول مثل المغرب، من أجل تأمين دعم سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي بالخبرة والتجربة من أجل تأمين الاستقرار وتقويض كل مشاكل الماضي وإنجاح هذه التجارب الفتية، وأيضاً هي في حاجة إلى صياغة آليات وطرق للحوار والتوافق والسلم، لأنها هي المدخل للاستقرار الحقيقي. والمغرب لديه ما يقدمه في هذا الجانب".
الخبرات المغربية
وأكد إدريس قصوري أن "مسؤولين تونسيين قاموا، بعد تنصيب الحكومة، بزيارة للمغرب للاستفادة من خبراته في ما يتعلق بتجربة الإنصاف والمصالحة، قبل أن يأتي دور محمد المنصف المرزوقي، الذي سبق له زيارة المملكة"، مشيراً إلى أن "الزيارة الملكية اليوم تأتي في الاتجاه نفسه من أجل ترسيخ هذا الدعم لتونس الشقيقة على جميع المستويات، وبالتالي تيسير إنجاح الاستقرار والتوافق وإنجاح التجربة الفتية هناك، لا سيما أنه تتوفر فيها كل شروط النجاح، لأن الفرقاء السياسيين في تونس يؤمنون بالشراكة والتوافق والحوار، وليس مثل دول أخرى ما زال فيها الصراع على أشده".
قضية الصحراء حاضرة
ملف الصحراء الغربية يكون دائماً مطروحًا للنقاش من طرف المحللين والمهتمين بالشأن المغاربي في الزيارات الملكية.
غير أن القصوري لا يرغب في تلخيص الزيارة في هذه القضية الحساسة وذات الأهمية للمغرب، ملكاً وشعبًا، مشيرًا إلى أن "المرزوقي صرح سابقاً أنه لابد من إرجاع المغرب إلى الاتحاد الأفريقي لأنه دولة رائدة ولها دور نضالي في زمن الاستعمار وفي بناء المؤسسات العربية والأفريقية، وفي تحرير الدول إبان الاستعمار فكيف يستثنى من الوحدة الأفريقية، وبالتالي لا يجب أن تكون مسألة الصحراء عائقاً أمام هذا الرجوع".
لا للشروط الجزائرية
وقال المحلل السياسي: "لا يمكن أن يكون هناك بناء للمغرب العربي بشروط معينة كما تريد الجزائر، وبالتالي نحن لا نريد أن نجعل مسألة الصحراء هي الغاية في هذه الزيارات والتحركات الملكية. نعم هي حاضرة بقوة وفي قلب هذه القضايا، ولكن ليست هي كل شيء في هذه القضايا. لأن الرغبة الملكية مبنية على تنمية الشعوب بكاملها، وبالتالي هذا يقتضي حل المشاكل السياسية بسرعة وبصدق".
أعداء التقارب
أخرجت الزيارة "أعداء التقارب بين الشعوب" من قمقمهم، وهو ما جعل المملكة ترد بقوة في أول محاولة للتشويش على هذه الخطوة الكبيرة في العلاقات بين البلدين بإصدار بيان نفت فيه نفيًا قاطعًا ما تداولته بعض الصحف ذات النوايا المبيتة بشأن خلاف مزعوم بين الملك محمد السادس والرئيس التونسي.
وجاء في البيان "إن المملكة المغربية تنفي نفيًا قاطعًا الخبر السخيف، والذي لا أساس له من الصحة، الذي تداولته صحافة ذات نية مبيتة، بشأن خلاف مزعوم بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، والرئيس التونسي، فخامة السيد منصف المرزوقي".
"لقد تجاهل أصحاب هذا الافتراء، عن قصد، أن بروتوكول الجمهورية التونسية، وعلى غرار عدد من البلدان، لا يتضمن حضور رئيس الجمهورية إلى المجلس في مثل هذه المناسبة، وهو الادعاء الذي كذبته الرئاسة التونسية رسمياً.
وإن المملكة المغربية، ووعيًا منها تمام الوعي بأن أعداء التقارب بين الشعوب ومناوئي بناء الصرح المغاربي، لن يشعروا بالارتياح لنجاح هذه الزيارة ولجودة العلاقات المغربية التونسية، لا يمكنها إلا أن تعرب عن الأسف لهذا المستوى من الدناءة الذي نزلت إليه هذه الأطراف"، على حد تعبير البيان.