أخبار

لا يستطيع البريطانيون عيشًا من دونها

بي بي سي متهمة بماركسية ثقافية تقوض القيم المحافظة

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&في "بي بي سي" رؤوس كثيرة وآراء متعارضة، وهي تتعرض لأقسى النقد من داخلها، ولأشده من خارجها، لكنها تبقى أمرًا لا يستطيع البريطانيون العيش من دونه، ولو كرهوه. &تشبه هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) وحش الهيدرا الخرافي اليوناني، فهي مؤسسة ضخمة متعددة الرؤوس. والمؤسسة نفسها التي انتجت مسلسل شرلوك الناجح، هدرت 100 مليون جنيه استرليني على مبادرة فاشلة في تكنولوجيا المعلومات. وتدير بي بي سي خمس فرق أوركسترالية، وتنتج برامج عن شؤون الساعة، فضلًا عن الخدمة العالمية التي تقدمها، وهي تشتري كتبًا سياحية لأسباب غير معروفة، ثم تبيعها بأسعار أرخص كثيرًا.&&مختالة بنفسهاثمة برامج في بي بي سي لا يستطيع البريطانيون العيش من دونها، اصبحت جزءا مسلمًا به من حياتهم، ولها في الوقت نفسه سمات يجدونها مزعجة، بل بغيضة حتى.&وينتمي عدد من اشد منتقدي بي بي سي إلى المؤسسة نفسها. ومن هؤلاء الصحافي اللامع جيريمي باكسمان، الذي استقال أخيرًا من تقديم برنامج نيوز نايت. وحمل باكسمان، في حديث لصحيفة غارديان، على ثقافة الشركة المغلقة، واصفًا بي بي سي بأنها "مختالة بنفسها". واضاف: "انا أحب بي بي سي من نواح عديدة، لكنها في الوقت نفسه جعلتني أبغض نواحي أخرى فيهان وهذه حالة غريبة جدًا".&وفي مناسبة أخرى، حمل اذاعي مرموق آخر على فساد ادارة بي بي سي، مشيرًا بصفة خاصة إلى تعويضات باهظة تدفعها المؤسسة لمدرائها حين يغادرونها.&وقيل انه كلما اقترب المرء من مركز صنع القرار في بي بي سي سهل عليه أن يمقت جوانب منها. وقال اللورد برنز، رئيس مجلس ادارة المحطة الاذاعية الرابعة: "أنا أحب بي بي سي، حياتي من دونها فظيعة، لكنها ليست مؤسسة تساعد نفسها، إذ يحب الناس ما تفعله بي بي سي، لكن كلما اقتربت من بي بي سي بدت لك مكانًا أقل جاذبية".&&متسامحة مع النقديعتقد باكسمان، مثل آخرين، أن بي بي سي مؤسسة متضخمة. فهو لا يفهم سبب وجود العديد من اقسامها. وقال باكسمان إن بي بي سي تشوه السوق بدرجة هائلة، معربًا عن تفهمه للكراهية التي تضمرها صحيفة ديلي ميل وامبراطورية روبرت مردوك الاعلامية لغريم تجاري مثل بي بي سي، عليهما التنافس معه بشروط غير متكافئة.&هذه كلمات قوية من احد نجوم بي بي سي، لكن بالامكان القول إن من مواطن قوة المؤسسة انها تميل إلى التسامح مع النقد، على الأقل متى أتى من نجومها الكبار، فوجود ثقافة صحية تعتمد التحليل الذاتي دليل مؤسسة متطورة وناضجة.&لكن لبي بي سي غرماء أشد ضراوة، يجعلون انتقادات باكسمان تبدو اطراء مهذبا. من ابرز هؤلاء صحيفة ديلي ميل التي تثور ثائرتها كل يوم تقريبًا على بي بي سي، ناشرة سيلًا من التقارير عن ملابس نجوم بي بي سي وعلاقاتهم الغرامية. ورفض رئيس تحرير الصحيفة بول داكري طلب صحيفة غارديان مقابلته، لكنه ارسل نص محاضرة ألقاها في العام 2007 قائلا انها ما زالت تمثل رأيه ببي بي سي.&&ماركسية ثقافية!من الاتهامات التي يسوقها داكري ضد بي بي سي انها تفرض "ماركسية ثقافية تحاول بها تقويض القيم المحافظة"، فضلًا عن تهمة كونها مؤسسة متضخمة بطبيعة الحال. ويقول داكري إن بي بي سي رغم تباهيها بكونها مؤسسة منفتحة، فإنها في الواقع نظام فكري مغلق، ويتهمها بالمسؤولية عن عدم اهتمام الجمهور البريطاني بالسياسة. &كما يذهب داكري في محاضرته إلى انه مستعد للموت في حفرة دفاعًا عن بي بي سي بوصفها قوة حضارية كبرى، ومستعد لدفع ضربة التلفزيون من اجل الاستماع إلى المحطة الاذاعية الرابعة وحدها.&والحق أن قلة من منتقدي بي بي سي المبدئيين يلعنون المؤسسة إلى حد المطالبة بإزالتها من الوجود. لكن المنافسين التجاريين المباشرين قد تكون لهم مآرب أخرى. فالسير كريستوفر بلاند، الرئيس السابق لمجلس ادارة بي بي سي ثم شركة الاتصالات البريطانية، ليس وحده الذي يعتقد أن روبرت مردوك سيكون أسعد انسان في العالم إذا أُلغيت بي بي سي، والأفضل من ذلك إذا سُمح له بشرائها.
افتخار واحباطلرئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت ثاتشر موقع متميز في قصة بي بي سي، بوصفها الذراع الضاربة للقطاع الخاص التي فتحت في عهدها ابواب الاعلام البريطاني لدخول سكاي، قناة مردوك التلفزيونية، وكان في حكومتها وزراء ارادوا بيع بي بي سي للقطاع الخاص.كانت ثاتشر ضد ضريبة التلفزيون، بوصفها ضريبة ارتدادية، وكانت تنظر إلى بي بي سي على انها مؤسسة يسارية احتكارية معادية لها. لكنها كانت تستمع بانتظام إلى برنامج "اليوم" الذي يتناول شؤون الساعة.&الاذاعي المخضرم ديفيد اليستين، الذي بدأ حياته الصحافية في بي بي سي وهو الآن في اواخر ثمانيناته، معارض معروف لضريبة التلفزيون المفروضة من أجل تمويل بي بي سي. وهو يعتقد أن هيكل بي بي سي مشوه، وهيمنتها على التغطية الاخبارية لا تخدم قضية الديمقراطية. ويرى اليستين أن رسمًا أقل للترخيص باستعمال التلفزيون من اجل تمويل مركز صغير ينتج برامج متاحة مجانًا في خدمة المصلحة العامة سيكون أكثر عدالة.&اضاف: "بي بي سي تجعلني أشعر بمزيج من الافتخار والاحباط، الافتخار لأنها تعبير عن خير ما في الروح البريطانية، والاحباط لأنها لا ترقى إلى مستوى توقعاتي، رغم تمويلها الضخم".&&الشهية الجماهيريةكان الكابتن بيتر ايكرسلي من أبرز الشخصيات في التاريخ المبكر للاذاعة البريطانية، انضم إلى بي بي سي في العام 1923، وكانت مهمته بناء مرسلة اذاعية في لندن. واختار مكان المرسلة بالتسلق على سطح شركة ماركوني لاستطلاع الأفق، ثم بدأ عملية البحث إلى أن عثر على مدخنة محطة لتوليد الكهرباء. وبعد اكثر من ست سنوات اصبح لديه فريق يضم نحو 400 شخص، لكن آراءه كانت تتعارض مع فلسفة ريث، مدير بي بي سي وقتذاك. وقال ايكرسلي إن البث الاذاعي التجاري كان سيُعتمد في بريطانيا بلا ادنى شك لولا عدم توافر الموجات وحجز الفضاء للاستخدام العسكري، ولولا الخوف من فوضى في الأثير.&واستمرت هيمنة بي بي سي على موجات الأثير حتى عام 1951 عندما شُكلت لجنة برلمانية لإعادة النظر في هذا الاحتكار. وقدمت إدارة بي بي سي أدلة تدلل على الأهمية الحيوية للمصلحة العامة في الابقاء على احتكار البث الاذاعي والتلفزيوني. وطالما أن البث سيكون من أداة واحدة، فإن هذه المؤسسة ستقدم برامجها مجانًا، وتنهض بالمسؤوليات المترتبة على البث الاذاعي تجاه المجتمع. وبخلاف ذلك، "من المحتوم أن الطالح سيطرد الصالح على المدى البعيد، وسيقلل اشكال الشهية الجماهيرية التي تشبعها البرامج أكثر فأكثر".&&لم تُنهب المدينةأقرت اللجنة البرلمانية بوجهة نظر بي بي سي، متوصلة إلى أن احتكارها يجب أن يستمر. وكان الصوت المعارض الوحيد سيلوين لويد، النائب المحافظ الذي اصبح وزير خارجية بريطانيا.&واتخذ التاريخ جانب الصوت الأوحد. وبعد كسر احتكار بي بي سي، لم تُنهب المدينة على أيدي البرابرة. والحقيقة اللافتة هي مدى الصعوبة التي واجهتها بي بي سي في الرد على تهمة الدفاع عن قاعدة قوتها المؤسسية ومصالحها، بدلًا من الدفاع عن مصالح جمهورها والبث من أجل المصلحة العامة. وفي عصر تنتشر فيه محطات بث عالية النوعية قد تحتاج بي بي سي إلى شحذ محاجتها. فإن سمعتها المؤسسية اليوم لا تضمن قبول جمهورها بها قبولًا غير مشروط.&من جهة أخرى، لدى بي بي سي مدافع عنيد عنها، ما دام الجمهور البريطاني يحب ما تقدمه. وقد تكون ضريبة التلفزيون ارتدادية كما سمتها ثاتشر، وقد يكون هناك رافضون لها ومتهربون منها، لكن ليس هناك مقاومة منظمة واسعة ضدها، الأمر الذي يثير حيرة البعض في معسكر اليمين.&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف