أخبار

يريد نسف نهج السلف العلماني عبر تنشئة (أجيال تقية)

النمو الاقتصادي لا التوجه الإسلامي توّج إردوغان رئيسًا

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لم تكن توجهات إردوغان الإسلامية والإخوانية المحافظة هي التي أتت به إلى عرش السلطة متوّجًا رئيسًا للجمهورية التركية، بل نهجه الاقتصادي خصوصًا بعدما حقق عهده كرئيس للوزراء معدلات نمو عالية، أما سياسيًا فيتجه أردوغان إلى نسف إرث سلفه العلماني الرئيس أتاتورك عبر تنشئة "أجيال من المتدينين الأتقياء"، كما قال.

واجه الرئيس التركي المنتخب رجب طيب أردوغان تحديات كبيرة في العام الماضي. إذ تعيّن عليه أن يسحق الاحتجاجات التي شهدتها مدن تركية متعددة خلال صيف العام الماضي، وأن يلاحق أنصار الداعية الإسلامي فتح الله غولن في الشرطة والقضاء، لتطهير هذه الأجهزة منهم خلال الخريف والشتاء.

لا يخفي إردوغان طموحه في أن يصبح أب تركيا المؤسس الثاني، بل إنه على ما يبدو يريد أن يكون نقيض الأب المؤسس الأول من خلال نسف أُسس العلمانية، التي أرساها مصطفى كمال أتاتورك. إذ تعهد إردوغان بتنشئة "أجيال من المتدينين الأتقياء"، وهو كثيرًا ما يشير إلى "رسالة" تاريخية كُلف بها وسيحققها عمّا قريب. وشفع إردوغان أقواله بأفعال ملموسة، بينها التغييرات الجارية في نظام التعليم العلماني، وتحويل المدارس الثانوية الحكومية إلى مؤسسات دينية.&

سلاح مزدوج
لكن توجهات إردوغان الإسلامية ليست هي التي أبقته في السلطة حتى الآن، بل الاقتصاد، والاقتصاد هو الذي يمكن أن يسقطه من عليائه. فالناخبون دأبوا على التصويت له ولحزب العدالة والتنمية، بسبب معدلات النمو الاقتصادي، التي طغت على الاعتبارات الأخرى. على سبيل المثال فإن موجات الاستثمار الخارجي خلال العقد الماضي أدت إلى انتعاش في الاستهلاك العام والخاص ونهوض في قطاع الإنشاءات.

إلا أن الأسس الاقتصادية لصعود إردوغان وبقائه ليست أسسًا راسخة. ونقلت مجلة فورين بوليسي عن رحمي كوج الرئيس الفخري لمجلس إدارة كوج هولدنغ، أكبر مجموعة صناعية في تركيا، قوله "إن أهم مشكلة بنيوية تواجه تركيا هي اعتمادها المفرط على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية" إلى الاقتصاد التركي.&

وأشار محللون اقتصاديون إلى أن مستويات الدخل توقفت عن الارتفاع، وأن النمو الاقتصادي الذي يعتمد على الاستهلاك والإنشاء لا يمكن أن يستمر على المدى البعيد. كما إن تركيا وقعت في مصيدة الدخل المتوسط الكلاسيكية، والمخرج منها هو زيادة الإنتاجية، والذي يتطلب قوى عاملة ذات مستوى تعليمي مناسب، وتشجيع التجديد، الذي يتطلب مناخًا فكريًا وثقافيًا متحررًا، وزيادة مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي.&

لكن تخريج خطباء مساجد أكثر من العلماء، وتكميم الأفواه، ودعوة الشابات إلى عدم تأجيل الزواج بسبب الدراسة، كما حثهن إردوغان، كلها لا تساعد على انتشال الاقتصاد التركي من المصيدة ودفع عجلة النمو الاقتصادي.

المحافظة كفن الاقتصاد
وحذر اقتصاديون من أن سياسات إردوغان ذات التوجه الإسلامي وما تشكله من تهديد للاقتصاد التركي على المدى البعيد ستضعه في مواجهة أوساط قامت بدور حاسم في صعوده، أي شريحة رجال الأعمال، التي تتركز في إسطنبول، ورجال الأعمال المحافظين دينيًا في الأناضول.

وأدى قلق هذه الأوساط القوية من سياسات إردوغان إلى التفافها حول الرئيس المنتهية ولايته عبد الله غول. ويُلاحظ أن غول لاقى استقبالًا حارًا عندما حضر مأدبة إفطار خلال شهر رمضان، أقامتها غرفة التجارة التركية. وأفادت مجلة فورين بوليسي بأن الحاضرين وقفوا يصفقون له نصف ساعة كاملة.&

وبدأ رجال الأعمال وسياسيون من داخل حزب العدالة والتنمية يطالبون بانتخاب غول زعيمًا للحزب وتوليه رئاسة الحكومة بعد فوز إردوغان برئاسة الجمهورية. وكان غول نفسه لمّح في مناسبات عديدة إلى أنه يريد الاستمرار في ممارسة دور مركزي في الحياة السياسية التركية. وترى الأوساط السياسية التركية أن إردوغان يدرك التحدي الذي يمثله غول، وهو يريد إبقاءه بعيدًا قدر الإمكان عن رافعات السلطة.

لكن الورقة القوية بيد غول هي علاقته الطيبة بقطاع المال والأعمال، كما أكدت الحفاوة التي استقبلته بها أقطاب هذا القطاع في غرفة التجارة. يضاف إلى ذلك أن العلاقة بين الدولة، لا سيما المؤسسة العسكرية والجهاز البيروقراطي، وقطاع المال والأعمال، علاقة تكافلية. إذ كانت مصالح هذا القطاع موضع رعاية الدولة منذ تأسيس الجمهورية، وكان موقف ممثليه من الحكم دائمًا يؤخذ في حسابات القوى التي تتسلم مقاليد السلطة.&

وهم يتبدد
في هذه الأثناء حدث تغيير كبير في العلاقة بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية. ففي الثمانينات كان نظام سلطوي يسهر على مصالح قطاع المال والأعمال، ولكن هذا القطاع أصبحت لديه اليوم مصلحة مباشرة في البناء الديمقراطي. وكانت الضرورات الاقتصادية هي التي فرضت على الحكومات التركية أن تسير في طريق الانفتاح السياسي لنيل ثقة الاتحاد الأوروبي ودعمه.&

وعندما تراجع الانفتاح السياسي في عهد إردوغان، واستمر النمو الاقتصادي، نشأ وهم بإمكانية الازدهار الاقتصادي في بيئة سلطوية. لكن هذا الوهم بدأ يتبدد الآن، ولم تعد سلطوية الحكم والرأسمالية تمضيان متساويتين. وبهذا المعنى، فإن فوز إردوغان بنهجه السلطوي الحالي في الانتخابات الرئاسية يمكن أن يكلفه غاليًا.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف