نحن مهووسون بالمريخ

تحدث كاتب روايات الخيال العلمي جورج آر. آر. مارتن، في صحيفة الغارديان، بعد اكتشاف الماء السائل على سطحه، عن هوسه وافتتانه بالكوكب الأحمر، منذ كان طفلا.
لندن: تحدث كاتب روايات الخيال العلمي وروايات الرعب الاميركي جورج آر. آر. مارتن مؤلف "صراع العروش"، عن افتتانه بكوكب المريخ منذ كان طفلا يحلق بين ناطحات السحاب مع سوبرمان، ويقاتل الأشرار مع الرجل الوطواط، ويتأرجح بين ابراج الماء مع الرجل العنكبوت، ويحارب رجال الكاردينال مع الفرسان الثلاثة.وكتب مارتن في صحيفة الغارديان، بعد الإعلان عن اكتشاف ماء سائل على سطح المريخ، عن اسباب هوسنا بالكوكب الأحمر: إذ نقف مبهورين باكتشافات وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، فإننا ندمر مواردنا التي لا تنضب لكي نشتري موزا مقشرا وهواتف ذكية. &وأنا خلال سنوات نشأتي زرت المريخ أكثر من نيويورك، رغم ان مانهاتن لا تبعد إلا 45 دقيقة وتذكرة سعرها 15 سنتا بالحافلة.&&المريخاما المريخ... فانني كنت اعرف المريخ بكل دقائقه، كوكب صحراوي جاف وبارد واحمر بطبيعة الحال، شهد آلاف الحضارات تصعد وتسقط. وكان من بقوا من سكان المريخ عرقا آيلا إلى الانقراض، كبارا وحكماء وغامضين، خبثاء احيانا ورحماء احيانا أخرى. كان المريخ موطن وحوش غريبة وضارية، ورياح هامسة وجبال شاهقة وبحار شاسعة من الرمل الأحمر، تتخلله قنوات جافة، ومدن خزفية متداعية حيث يتربص لغز ومغامرة في كل ركن.
لون الدم والناركان المريخ دائما له سحر بنظرنا نحن سكان الأرض. كان أحد الكواكب الأصلية، الخمسة الرائعة الأولى، مع عطارد والزهرة والمشتري وزحل، تلك الكواكب الهائمة التي رفضت السير بالتوافق مع النجوم، وشقت طريقها الخاص عبر السماوات. وكان المريخ احمر، لونه مرئي حتى بالعين المجردة للانسان القديم، لون الدم والنار. فلا غرو أن الرومان اطلقوا اسمه على إله الحرب عندهم. &ولم يفعل رصد غاليلو للمريخ من خلال تلكسوبه واكتشاف كاسيني قممه الجليدية القطبية عام 1666 وعثور اساف هول على قمري المريخ فوبوس وديموس عام 1877 سوى انهم جعلوا الكوكب الأحمر، حتى أشد جاذبية وسحرا من قبل.&&القنواتولكن اعلان الفلكي الايطالي جيفاني سكيابريلي رصده "قنوات" على سطح المريخ، هو الذي أكمل الصورة المثالية عن الكوكب. وكان عام 1877 يقترن بحقبة أصبحت فيها القنوات الإصطناعية راسخة في الوعي العام، فان قناة ايري التي أُنجز حفرها عام 1825 قامت بدور كبير في اميركا الشمالية، وقناة السويس افتُتحت عام 1869 رابطة البحر المتوسط بالمحيط الهندي. &وبدأ الفرنسيون العمل على قناة بنما بعد سنوات قليلة، في 1881 وأنجز الأميركيون حفرها في 1914 وإذا كانت هناك قنوات في المريخ فلا بد ان يكون هناك من حفرها ايضا. وبالتالي من المؤكد أن يكون للمريخ مريخيون. &&عرق مريخياثارت ملاحظات سكيابريلي اهتمام العلماء، فضلا عن اهتمام الروائيين، وخاصة الفلكي الأميركي بيرسفال لويل الذي درس الكوكب الأحمر، باستفاضة، ليكتشف المزيد عنه، كلما أمعن النظر فيه ويرسم خرائط معقدة، دقيقة لسطح المريخ بما عليه من قنوات وواحات. ونشر نتائج عمله ونظرياته في ثلاثة كتب مهمة، نالت شعبية واسعة اعلن فيها النظرية القائلة إن القنوات الطويلة والمستقيمة والاصطناعية، على نحو واضح هي من صنع عرق مريخي لنقل الماء من القمم الجليدية القطبية إلى الصحارى الشاسعة لكوكبهم القاحل.وصوب فلكيون آخرون تلسكوباتهم نحو المريخ ايضا، بعضهم رأى قنوات لويل مؤكدين اكتشافه جزئيا على الأقل، والبعض الآخر لم ير إلا قنوات سكيابريلي قائلين انها تضاريس طبيعية. وعموما ظل علماء الفلك ينظرون بشك إلى نظرية لويل وملاحظاته، ولكن فكرة القنوات التي حفرها مريخيون وما توحي به من وجود حضارة مريخية ترسخت في وعي الجمهور، وخاصة في أذهان الروائيين. فان ويلز أعطانا مريخيين، ولكنه لم يأخذنا بنفسه إلى المريخ. وترك هذه المهمة إلى كاتب أقل وزنا اسمه غاريت بي. سيرفس، الذي نشر في 1898 نوعا من المتابعة لعمل ويلز "حرب العوالم" سماه "غزو اديسون للمريخ". ولكن كاتبا جاء لاحقًا هو الذي بعث الحياة في صورة المريخ.&&قصص وكتباختار هذا الكاتب اسم نورمان بِين عندما أرسل قصته إلى محرري مجلة The All-Story عام 1911. وظن البعض في هيئة تحرير المجلة ان هناك خطأ مطبعيا. &وذُيلت قصة "تحت اقمار المريخ" باسم نورمان بين عندما بدأ نشرها على حلقات في شباط (فبراير) 1912. وكان صاحب هذا الإسم المستعار الكاتب ادغار رايز بوروس. وصدرت الحلقات في كتاب بعنوان "اميرة من المريخ" حين نُشر عام 1917. وتحت هذا العنوان استمر صدورها بطبعات جديدة طيلة الشطر الأعظم من القرن، وأدت إلى صدور أجزاء لاحقة وقصص تستوحيها وأخرى تحاكيها. &استعار بوروس افكار لويل واستخدمها ليملأ المريخ بمخلوقات وحيوانات خرافية وزوارق طائرة، وبنادق إشعاعية وقرود بيضاء، ونباتات جوية وفرسان جريئين وأميرات يبيضن لا تكسو اجسامهن إلا المجوهرات. ورغم ان بوروس لم يكن كاتبا كبيرا، فانه كان قصاصا بارعًا احبت شخصياته اجيال من القراء.وظلت كلمة برسوم التي اطلقها بوروس على كوكب المريخيين الصحراوي المحتضر مرتبطة باسمه، ولكن كتب لويل ونظرياته كانت متاحة في متناول الجميع، وسرعان ما انضم اليه اوتيس ادلبرت كلاين وستانلي جي. وينبوم وسي. أس. لويس وجاك وليامسون وادموند هاملتون، وعدد لا يحصى من الكتاب الآخرين بأعمالهم الخاصة عن المريخ وسكانه. كم كُتب من القصص التي تدور أحداثها في المريخ خلال العصر الذهبي لرواية الخيال العلمي؟ مئات بكل تأكيد بل آلاف على الأرجح، أم يا تُرى عشرات الآلاف؟ ربما.&إذ كان مريخ طفولتي خليطا صنعه العديد من الكتاب المختلفين، كل يضيف لمساته وانعطافاته على مر السنين والعقود لخلق عالم يملكه الجميع ولا يملكه أحد. &
رحلات الى المريخقد يبدو اكتشاف الماء على سطح المريخ أغرب من الخيال، ولكن الكوكب الأحمر كان مصدر إلهام لكتابة قصص رائعة منذ ما يربو على قرن.&كانت زيارتي الأولى للمريخ بصحبة توم كوربيت واسترو وروجر ماننغ، افراد طاقم الصاروخ بولاريس في السلسلة الكلاسيكية التي كانت موجهة لليافعين، وعرفت فئران الرمل المريخية الشرسة من اندريه مارتن واندرو نورث، وفي المدن الجافة واجهت الشخصية المريخية "شامبلو" مع سي. ايل. مور ونورثويست سمث، ثم ظهرت شخصيات مريخية أخرى تولعت بها. ولاحقا حين كنت أكبر سنا، تعرفت على اليوميات المريخية وعلى طريقة مغايرة للنظر روائيا إلى المريخ من قلم راي برادبري وروجر زيلازني.وحين تعرفت على اعمال برادبري وزيلازني كنتُ أكتب قصصا بقلمي، وكانت محاولاتي الأولى قصصا عن ابطال خارقين موجهة لقراء الكتب المصورة في الستينات، ولكني سرعان ما انتقلت إلى قصص مادتها السيوف والسحر والالغاز، ثم روايات الخيال العلمي، وبدأت احلم باحتراف الكتابة واتخاذها مهنة. وذات يوم توقعت ان أشرع في كتابة قصصي الخاصة عن المريخ.&كان السباق على غزو الفضاء محتدما وكنتُ اتابع اطلاق كل رحلة فضائية مأهولة على تلفزيوننا القديم بالأسود والأبيض، في شقتنا واثقا من أني اشهد بزوغ عصر جديد، ستتحقق فيه كل احلام الخيال العلمي. اولا كانت مركبات سبوتنيك وفانغارد &واكسبلورر ثم ميركوري وجميناي وابولو. ورواد الفضاء يوري غاغارين والن شبرد جون غلين.&المركبة مارينروكانت المركبة مارينر التي وضعت نهاية لأمجاد المريخ وشقيقته المائية الرطبة الزهرة، بمدنها المغمورة ومستنقعاتها اللامتنهاية وسكانها بأقدامهم ذات الخف كأقدام الجمل. وكانت المركبة مارينر 2 التي أُطلقت في آب (اغسطس) 1962 أول رحلة فضائية تنجح في المرور عبر الكواكب لتصل إلى الزهرة، بعد ثلاثة اشهر ونصف الشهر. وأُطلقت المركبة مارينر 4 في تشرين الثاني (نوفمبر) 1964 إلى المريخ. &وكانت المركبة مارينر 5 (حزيران/يونيو 1967) رحلة أخرى إلى الزهرة، وكانت المركبة مارينر 6 (أُطلقت في شباط/فبراير 1969) ومارينر 7 (آذار/مارس 1969) رحلة فضائية ثنائية إلى المريخ. وفُقدت مارينر 8 في الفضاء، ولكن شقيقتها مارينر 9 (أيار/مايو 1971) دخلت مدارا حول المريخ في تشرين الثاني (نوفمبر) من ذلك العام، لتصبح قمرا ثالثا إلى جانب قمريه فوبوس وديموس. ومرت المركبة مارينر 10، الأخيرة في السلسلة، بالزهرة وعطارد ايضا مؤكدة ان هذا الكوكب لا يُبقي أحد وجهيه نحو الشمس بصورة دائمة ، كما كان يُعتقد في السابق. &&لا اثر لمدن حيةوكان الأشد اثارة في ذلك كله المريخ، الذي اكتشفته وكالة الفضاء الاميركية "ناسا" وليس مريخ لويل، وادغار رايز بوروس وباراكيت ومور، فان رحلات مارينر لم تعثر على أثر لمدن حية، أو ميتة أو محتضرة، ولا مخلوقات مريخية غريبة من أي نوع أو لون. ولم يكن هناك ما يشير إلى وجود قنوات لويل الاصطناعية، أو قنوات سكيابريلي، بل كانت هناك بدلًا من ذلك فوهات بركانية، وكان المريخ الحقيقي اقرب إلى القمر منه إلى "برسوم". وتحت تلك الغيوم كانت الزهرة، جهنما من الغازات السامة، بركانية وكبريتية، أشد حرارة من ان يعيش فيها الانسان، بدلا من المستنقعات والديناصورات وسكان الزهرة بأقدامهم ذات الخف.واثارت اكتشافات مارينر اهتمام العلماء في أنحاء العالم باعطائنا صورة مفصلة ودقيقة عن طبيعة الكواكب الداخلية لمنظومتنا الشمسية، ولكن الإثارة اختلطت عند قراء رواية الخيال العلمي وكتّابها بخيبة أمل وأسى. فان هذا ليس المريخ الذي كنا نريده وهذه لم تكن الزهرة التي كنا نحلم بها.&أنا شخصيا لم أكتب قصة عن المريخ ولا أي قصص عن الزهرة أو عطارد أو أي عالم من عوالم المنظومة الشمسية "المفقودة" لأيام شبابي، العوالم التي وفرت الأجواء للكثير من القصص الرائعة في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات. ولم أكن الوحيد في ذلك، فبعد مارينر انتقل هذا الجنس الأدبي إلى النجوم باحثا عن عوالم غريبة ملونة ومخلوقات غريبة، لم يعد بالإمكان العثور عليها في كواكبنا.&&روايات الخيال العلميلم تنفض رواية الخيال العلمي يدها من المريخ تماما كموضوع بعد رحلات مارينر واكتشافاتها. وظلت تُكتب قصة أو رواية عنه بين حين وآخر. ولكن هذه القصص كانت تستوحي "المريخ الجديد"، المريخ الحقيقي، مريخ المركبة مارينر. وكانت ثلاثية كيم ستانلي روبنسون، الفائزة بجائزة أدبية عن استيطان المريخ، من أكثر هذه القصص طموحا وتميزا، ومحاولة مشهودا لها. &ولكن عموما انخفض عدد روايات الخيال العلمي عن المريخ والكواكب الشقيقة بحدة بعد رحلات مارينر، &فالمريخ الحقيقي لم يكن مثيرا للاهتمام كما كان سابقه المريخ الروائي. وبعد اكتشافات مارينر كنا، حين نتطرق إلى إمكانية وجود حياة على المريخ، نتحدث عن ميكروبات أو كائنات عضوية بدائية بدلا من الفئران الرملية والخيول التي تركض بمثاني سيقان. &وفي حين ان اكتشاف حياة في المريخ سيكون عيدا لعلماء البيولوجيا والفضاء في انحاء العالم، دون شك فان رواية الخيال العلمي لم تشهد قط ميكروبا بجاذبية الشخصية الكوكبية الخيالية ديجه ثوريس.&ولكني لم أكن الوحيد الذي افتقد المريخيين، ويأخذنا هذا إلى "المريخ العجوز" وهو مجموعة تضم 15 قصة جديدة عن المريخ العجوز، والمريخ المفقود ومريخ القنوات والمدن الميتة وسكان المريخ، وما عدا استثناءات قليلة ملحوظة فان المساهمين في هذه المجوعة بدأوا حياتهم الأدبية بعد اكتشافات مارينر. وتربوا مثلي على القراءة &عن المريخ ولكن لم تسنح لهم الفرصة للكتابة عنه. فان ذلك المريخ كان عالما مفقودا، اختفى إلى الأبدـ أو ربما لم يختف. &&قد يعترض المتحمسون لرواية الخيال العلمي وآخرون أُصيبوا بخيبة أمل قائلين ان قصص المجموعة الجديدة ليست "خيالا علميا حقيقيقا"، وليكن، سموها "اوبرا فضائية" أو "فنظازيا فضائية" أو "رواية استرجاعية من روايات الخيال العلمي" أو أي شيء آخر تشاؤون. ولكني أُسمهيا "قصصا" وهي مثل كل القصص الأخرى وليدة المخيلة. &ان مارينر لم تتمكن من اكتشاف "المريخ القديم" ولكن أنتم تستطيعون اكتشافه.&