أخبار

من أوجهه الغش والمحسوبية والتهرب الضريبي والرشوة

الفساد "الصغير" يتفاقم في تونس ويخنق النمو الاقتصادي

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تفاقم الفساد "الصغير" في تونس بعد الثورة، مع أن فساد الدولة كان من الأسباب الرئيسة للإطاحة في مطلع 2011 بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، فيما تنتقد منظمات غياب إرادة سياسية لمكافحة هذه الآفة، التي ما زالت تعرقل نمو اقتصاد البلاد.

إيلاف - متابعة: عاد الحديث بقوة عن الفساد في تونس منذ أن تبنت حكومة الحبيب الصيد في منتصف تموز/يوليو الماضي مشروع قانون اقترحه الرئيس الباجي قائد السبسي ويقضي بإقامة "مصالحة" مع رجال أعمال فاسدين، شرط إرجاعهم أموالًا عامة نهبوها. وأحالت الحكومة مشروع قانون "المصالحة" هذا على البرلمان، الذي لم يحدد بعد موعدًا لمناقشته.

رفض شعبي
وقد رفضت نقابات وأحزاب ومنظمات تونسية وأخرى أجنبية مشروع القانون، الذي تظاهر ضده تونسيون، في عدد من مناطق البلاد، معتبرين أنه يهدف إلى "تبييض الفساد" و"تكريس الإفلات من العقاب". وقال سمير العنابي رئيس "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" (مستقلة) التي استحدثت في 2011& لوكالة فرانس برس "بعد الثورة شهد الفساد الصغير ارتفاعًا كبيرًا، وطال كل القطاعات، وهو يزداد انتشارًا".

ولفت إلى أن "الفساد الكبير"، الذي ضلعت فيه عائلتا زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي، "توقف بعد الإطاحة بنظام بن علي، لأنه لم تعد هناك مشاريع وصفقات كبرى تدرّ أموالًا طائلة".

من أشكال الفساد "الصغير" المتفاقم في تونس "الغشّ والمحسوبية" في مسابقات التوظيف في القطاع العام والتهرّب الضريبي ورشوة مسؤولين في إدارات عامة بهدف "تسريع" قضاء شؤون متعاملين مع الإدارة أو تجنيبهم غرامات مالية، كانت ستسلّط عليهم، بسبب ارتكابهم مخالفات للقانون، وفق سمير العنابي.

قلة دين وأخلاق
وأفادت أول دراسة محلية حول "مؤشر مدركات الفساد الصغير في تونس"، نشرتها في نيسان/إبريل الماضي، "الجمعية التونسية للمراقبين العموميين" (غير حكومية) أن التونسيين دفعوا في 2013 رشاوى بقيمة 450 مليون دينار (حوالى 205 ملايين يورو) لموظفين عموميين.

وعزا شرف الدين اليعقوبي رئيس الجمعية أسباب تفاقم الفساد الصغير في تونس إلى "البيروقراطية المفرطة وظاهرة الإفلات من العقاب جرّاء عدم تطبيق السلطات للقوانين الزجرية على الفاسدين، ما جعلهم يشعرون بالاطمئنان، ويتمادون في فسادهم، وغياب الشفافية والمساءلة، وضعف هيئات الرقابة (الحكومية)، وضعف الوازع الديني والأخلاقي والاستهتار بالقوانين وجشع الموظفين للمال".

وقال لفرانس برس "في بعض الحالات تم، وبالوثائق، إثبات تورط مسؤولين إداريين في الفساد، وإبلاغ السلطات بذلك. لكن بدلًا من معاقبتهم، فوجئنا بترقيتهم إلى مناصب أهم".
ويرى مهاب القروي المدير التنفيذي لمنظمة مكافحة الفساد التونسية "أنا يقظ"، وهي فرع لمنظمة الشفافية الدولية في تونس، أنه "ليست هناك إرادة سياسية لمكافحة الفساد في تونس، بدليل عدم إصدار وتفعيل إطار تشريعي لمكافحة الفساد وعدم تفكيك منظومة الفساد القديمة التي ما زالت متمترسة داخل الإدارة".

أغنياء جدد
وقال القروي لفرانس برس إن هذا الأمر "أدى إلى ظهور طبقة جديدة من الأثرياء من سياسيين ورؤساء الأحزاب ورجال أعمال وإعلاميين (...) كانوا فقراء قبل الثورة، ثم انقلبوا بعدها إلى أصحاب سيارات وعقارات وأموال".

وكان البنك الدولي قال في تقرير بعنوان "الثورة غير المكتملة" في أيار/مايو 2014 إن "الفساد يكبد الفساد تونس 2& بالمئة من إجمالي الناتج المحلي سنويًا"، مشيرًا إلى "تفاقم" هذه الظاهرة منذ الثورة، مؤكدًا أن "معدل انتشار الفساد في تونس بغرض (تسريع الأمور) يعد من بين أعلى المعدلات في العالم حسب المعايير الدولية". وقد تراجع ترتيب تونس في لائحة الفساد لمنظمة الشفافية الدولية من المرتبة 59 في 2010 إلى المرتبة 79 في 2014.

ورأى سمير العنابي أنه "قد تكون لدى الحكومة إرادة سياسية لمكافحة الفساد، لكن الإدارة العمومية الفاسدة (...) وأصحاب المصالح والنفوذ يحولان دون ذلك". وأضاف أن الحكومة تحولت إلى "رهينة لدى الإدارة العمومية"، التي اتهمها بـ"التضييق" على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وكان الدستور التونسي الجديد، الذي أقر في مطلع 2014 نص على إحداث "هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد"، لكنها لم تر النور بعد.

تأثيرات السلف
وخلال زيارته في أيار/مايو الماضي إلى الولايات المتحدة، أقر الرئيس الباجي قائد السبسي، في مقال مشترك مع نظيره الأميركي نشرته صحيفة واشنطن بوست، بأن "تركة النظام القديم من سوء إدارة وفساد لا تزال تخنق النمو الاقتصادي" في تونس.

وردًا على سؤال لفرانس برس، قال طارق البحري المدير العام المكلف بمصالح الحوكمة في رئاسة الحكومة إن "ارساء الحوكمة ومكافحة الفساد في الإدارة التونسية سيكونان العمود الفقري للمخطط الإنمائي الخماسي المقبل (2016-2020)". أضاف إن الحكومة "تضع اللمسات الأخيرة" على عدد من مشاريع القوانين، بعضها يتعلق بحماية المبلغين عن الفساد، والإثراء غير المشروع للموظفين في القطاع العام.

وحذر مهاب القروي من أن "الفساد ونهب المال العام في تونس قد يتفاقمان أكثر" في حال صادق البرلمان على مشروع قانون "المصالحة". لكن السلطات تنفي هذه الفكرة، وترى في النص وسيلة "لطيّ صفحة الماضي وإنعاش الاقتصاد". وهي تأمل في استعادة حتى 700 مليون يورو إذا تم تطبيقه. وتوقع سمير العنابي أن تكون "المعركة ضد الفساد في تونس طويلة وشاقة".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف