أخبار

قرر زيارة أفريقيا الوسطى بعد كينيا متحديًا تحذيرات أمنية

البابا يندد بجر الشباب إلى التطرف لتنفيذ هجمات وحشية

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ندد البابا فرنسيس الخميس بشدة بجر الشباب إلى التطرف لتنفيذ "هجمات وحشية" لا يمكن تبريرها باسم الدين، داعيًا من نيروبي المسلمين والبروتستانت والكاثوليك إلى مقاومة التطرف والعنف. ورغم نصح الاستخبارات الفرنسية له بعدم زيارة أفريقيا الوسطى يومي 29 و30، إلا أن البابا ماض فيها، وغير متخلّ خلالها عن سيارته المكشوفة كذلك.

إيلاف - متابعة: قال البابا "قناعتنا المشتركة هي ان الله الذي نسعى إلى خدمته هو إله سلام. ويجب عدم استخدام اسمه المقدس اطلاقا لتبرير الكراهية والعنف". وتحدث البابا في مقر البعثة البابوية في نيروبي في اليوم الثاني من رحلته الى افريقيا مخاطبا قادة الكنائس الانجيلية واللوثرية والميتودية والخمسينية وكذلك قادة المسلمين والاحيائيين.

وقال "اعرف كم ان ذكرى الهجمات الوحشية في مركز وستغيت التجاري (في نيروبي) وجامعة غاريسا (شرق) ومانديرا (شمال شرق) تبقى حية في نفوسكم"، ذاكرا سلسلة من الاعتداءات التي نفذتها حركة الشباب الاسلامية الصومالية قبل عامين. وقال بعد اسبوعين على اعتداءات باريس التي نفذها انتحاريون، وتبناها تنظيم الدولة الاسلامية، "غالبا ما ينجر الشباب الى التطرف باسم الدين لزرع الشقاق والخوف ولتمزيق نسيج مجتمعنا نفسه".

لذلك اعتبر ان "الحوار بين الكنائس والاديان ليس من قبيل الترف، ليس اختياريًا، بل ان عالمنا بحاجة متزايدة اليه في وقت تدميه النزاعات". واكد مرة جديدة على الالتزام الذي قطعته الكنيسة الكاثوليكية في المجمع الفاتيكاني الثاني من اجل هذا الحوار. وحض رئيس المجلس الاعلى لمسلمي كينيا عبد الغفور البسيدي المسلمين والمسيحيين على "الوقوف جبهة واحدة كشعبِ إله واحد وتوحيد صفوفنا، ومد يدنا الى كل ما هو جوهري من اجل إنسانيتنا بدون اي تمييز بناء على المكان والثقافة واللغة والاتنية والعرق والمكانة والسياسة".

وقال البسيدي الذي يمثل 30% من المسلمين في كينيا "اليوم تسيطر علينا اوهام سياسات خالية من المبادئ، اعمال خالية من الاخلاق، علوم خالية من الانسانية، وملذات خالية من الضمير، وديانة خالية من الروحانية، ومهارات خالية من حس المسؤولية المهنية. لا يمكننا بالتاكيد الاستمرار في هذا الطريق".

وندد رئيس الاساقفة الانجيليين اليود وابوكالا بـ"الاستعمار الفكري الكامن في انماط الحياة العلمانية" المستوردة من الغرب، وندد بتراخي الرباط الاجتماعي الذي ينعكس على التعايش السلمي بين الاديان. وقال "شهدنا في الماضي القريب تزايدا في انشطة الارهاب والتطرف يهدد التعايش السلمي والاندماج بين الديانات والمجموعات في كينيا". ويقوم البابا برحلته الاولى الى افريقيا يزور خلالها على التوالي كينيا واوغندا وافريقيا الوسطى البلدان الثلاثة التي تعاني من اعمال عنف دينية.

رسالة سلام وعدالة
وكان البابا فرنسيس غادر روما صباح الاربعاء متوجهًا الى نيروبي، في اول جولة له في افريقيا، حيث سيشدد على اربع اولويات في برنامجه، وهي العدالة الاجتماعية وحماية البيئة والسلام والحوار بين الاديان. ورفعت لافتات ضخمة ترحب بالحبر الاعظم باللغتين السواحيلية واللاتينية.

وحشدت السلطات نحو عشرة الاف من قوات الامن في عاصمة كينيا، لكنها تخشى خصوصًا العواقب الناجمة من الامطار الغزيرة التي تهطل على البلاد حاليا. وسيلقي البابا (78 عاما) خلال جولته الحادية عشر منذ بدء حبريته 19 خطابًا امام حشود في نيروبي وكمبالا وبانغي، حيث يدور نزاع اهلي دام.

ونصحت اجهزة الاستخبارات الفرنسية بعدم زيارة افريقيا الوسطى يومي 29 و30 الشهر الحالي، لكن الحبر الاعظم الارجنتيني المعروف بعناده لا يغيّر برنامجه، الا اذا كان هناك خطر فعلي على الحشود، بحسب مستشاريه. لكنه يبدو اقل قلقًا بشأن أمنه الشخصي، لانه ينوي في العواصم الثلاث، القيام برحلات في سيارته الخاصة المكشوفة (بابا موبيل) ليكون اقرب من الجماهير. وستكون العدالة الاجتماعية، وحماية البيئة والحوار بين الاديان في صلب محطته الكينية، حيث ثلث السكان من الكاثوليك.

وفي نيروبي، سيستقبل الرئيس اوهورو كينياتا والطبقة الحاكمة البابا. وسيشكل ذلك مناسبة لالقاء الخطاب الاول، بالانكليزية، حيث من المتوقع ان يندد بالفساد والفجوة بين الاغنياء والفقراء، وهي احدى المشاكل المزمنة في المجتمع الكيني.

وبالنسبة إلى الحبر الاعظم الذي نشر في الربيع الماضي رسالة في مسالة حماية كوكب الارض، فان كل شيء مرتبط ببعضه: تدهور المناخ والنفايات والفساد ورفض الفقراء والهجرة والحروب. وبغية توضيح وجهة نظره، سيقوم الجمعة بزيارة اكبر الاحياء الفقيرة في كانغيمي، حيث سيتوجه الى "الحركات الشعبية"، مسيحيين وغير مسيحيين، ويوصيهم بان ينظموا معًا الدفاع السلمي عن الفقراء ضد جميع اشكال الاستغلال.

عائلة واحدة
وفي رسالة فيديو بالانكليزية موجهة الى الكينيين والاوغنديين بثها الفاتيكان، دعا البابا الى تجاوز الاختلافات العرقية والدينية في سياق الحرب ضد الارهاب. وقال "نعيش في زمن حيث المؤمنون واصحاب الارادة الطيبة مدعوون للعمل من اجل تعزيز التفاهم المتبادل، ودعم بعضهم البعض كافراد عائلة إنسانية واحدة".

وتقدم كينيا واوغندا وحدات عسكرية لقوة الاتحاد الافريقي في الصومال (اميصوم)، وهما بالتالي من الاهداف الرئيسة لحركة الشباب الاسلامية الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة. لكن التوتر قد يكون اقوى في بانغي، الخاضعة لمراقبة (مينوسكا) قوة الامم المتحدة، وكتيبة سانغاريس الفرنسية.

لكن الحبر الاعظم يتمسك بهذه المحطة، حيث من المقرر عقد اجتماع مع اللاجئين، وزيارة مسجد في منطقة غير آمنة، واقامة قداس في احد الملاعب اضافة الى احتفال في الكاتدرائية، حيث سيفتح "الباب المقدس" في بادرة رمزية تستبق بعشرة ايام الافتتاح الرسمي ليوبيل الرحمة في روما. وقد اعلن البابا لسكان افريقيا الوسطى في اول رسالة له بالفرنسية منذ توليه منصبه "اشعر بالفرح لانني افتتح لكم، في وقت مبكر، سنة يوبيل الرحمة التي ستكون لكل منكم بمثابة فرصة من العناية الالهية من اجل مغفرة حقيقية، وللتلقي والعطاء".

ويبدو ان البابا لا يجيد هذه اللغة بشكل تام، فقد ابلغهم بانفعال شديد ولهجة مميزة "انها المرة الاولى في حياتي التي ازور فيها القارة الافريقية، الجميلة جدا والغنية جدا بطبيعتها وشعوبها وثقافاتها".

تحديات عدة
وسيجد البابا فرنسيس في زيارته الاولى الى افريقيا، كنيسة في ذروة ازدهارها، وتمارس سلطة سياسية واجتماعية حقيقية، لكنها تواجه تحديات مخيفة، بدءًا من التيارات الاسلامية انتهاء بالكنائس الانجيلية. وهي الزيارة الاولى التي يقوم بها البابا فرنسيس الى القارة الافريقية التي تشهد اسرع نمو للكاثوليك في العالم.

ويرى البعض، مثل الكاردينال الغيني روبرت ساره، أن الكنيسة الافريقية الفتية، تجسد الامل في تجديد الكنيسة في العالم. ويبدي آخرون مزيدًا من الحذر، ويشيرون الى أن المسيحية، التي أتى بها المرسلون فتية، لا يتجاوز عمرها قرنًا ونصف قرن، وأن الثقافة المسيحية هشة. ويقول الاب انجيلو رومانو، الخبير في جمعية سانت ايجيديو، إن الانوار والظلال تتعايش، "فالكنيسة الافريقية كنيسة رسولية، تنادي بالسلام، وتدافع عن التعايش مع الاديان الاخرى، وما زالت تؤيد الديموقراطية".

لكنه يضيف ان اتباع الكنيسة "يعانون هزالًا شديدًا"، وأن مسؤوليها الدينيين "يواجهون صعوبات في فهم التغييرات التي يعيشها المجتمع الافريقي". وتشكل حقيقتان تحديات خاصة لهذه الكنيسة، الاولى هي ظهور حركات جهادية ومساجد للمتطرفين، والثانية هي تأسيس كنائس انجيلية او كنائس العنصرة التي يتجه اليها الكاثوليك بأعداد كبيرة.

وفي كينيا واوغندا وافريقيا الوسطى، سيجد البابا فرنسيس مجموعات مسيحية تدافع عن نفسها حيال الحركات الجهادية. والتهديد الذي تشكله حركة الشباب الاسلامية في الصومال، بعد مجزرة كينيا التي حصدت 150 طالبًا في جامعة غاريسا في نيسان/ابريل 2015، والخوف من جماعة بوكو حرام ومن مجموعات اخرى، حمل المسيحيين على اتخاذ موقف دفاعي. وسيوجه البابا دعوات الى التمسك بالتعايش السلمي والحفاظ على التسامح التقليدي بين المسيحيين والمسلمين.

فشل في التأقلم
وتظهر في الأحياء اعداد كثيرة من كنائس العنصرة والكنائس الانجيلية، المزدهرة والمحافظة، والتي تعد ايضًا الاشخاص المأزومين بمعجزات. وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال الاب جيليو البانيز، الخبير في الشؤون الافريقية في اذاعة الفاتيكان، إن كنيسة العنصرة هي "ثمرة فشل التأقلم الثقافي للكنائس الموجودة، سواء أكانت كاثوليكية أم بروتستانتية ام انغليكانية". فالطقوس الكاثوليكية بقيت رومانية الى حد كبير، والاحتفالات تجري وسط أبهة كبيرة لا تمت بصلة الى الثقافة الافريقية.

وتضطلع الكنيسة الكاثوليكية في عدد كبير من البلدان بدور سياسي معارض بمواجهة سلطات قوية، كما في جمهورية الكونغو الديموقراطية. ويقوم عدد كبير من الاساقفة والكرادلة، مثل رئيس اساقفة بانغي ديودونيه نزابالينغا، بجهود جريئة من اجل السلام الاهلي، رغم انهم يعرّضون حياتهم للخطر. ومن المتوقع ان يشجّع البابا فرنسيس هؤلاء "الرعاة" القريبين من الناس. وقد رفع الى رتبة كاردينال عددًا كبيراً من الاساقفة منذ انتخابه في 2013.

وفي ضاحية كانغيمي في نيروبي، وفي مركز نالوكولونغو الخيري في كمبالا، او في بانغي مع المهجرين اللاجئين في احدى الابرشيات، سيشجع البابا ما يقوم به الكاثوليك في "الضواحي" لمكافحة الفقر والتهميش وعمليات التهريب. وتتولى الكنيسة من جهة اخرى، ادارة الاف المدارس، ومن الايدز الى ايبولا، تضطلع بدور بارز المستوصفات الكاثوليكية التي يشرف عليها احيانا مرسلون أو راهبات اوروبيون.

مواقف محافظة
وتتخذ الكنيسة الكاثوليكية الافريقية مواقف متصلبة جدًا على صعيد العادات والتقاليد. ففي تشرين الاول/اكتوبر، خلال السينودوس الاخير حول العائلة في الفاتيكان، انتقد الاساقفة الافارقة الغرب "المنحط" و"الاستعمار" الايديولوجي، ونددوا باشتراط البلدان الغربية لتقديم مساعداتهم، استصدار قوانين مؤيدة للاجهاض والمثلية الجنسية واعتماد اساليب منع الحمل.

وقدم الافارقة انفسهم على انهم كبار المدافعين عن الاخلاق الجنسية والعائلية الكاثوليكية، فيما يقيم قسم من الكهنة وبعض الاساقفة علاقات مع نساء، كما ذكرت مصادر الفاتيكان.
وقال مصدر في الفاتيكان طالبًا عدم الكشف عن هويته "انهم ملكيون اكثر من الملك، لكن كهنتهم هم الاكثر خصوبة. فقد رزقوا بأكبر عدد من الاولاد من عدد كبير من النساء".

ومن المتوقع ان يندد البابا بآفات اخرى. "فالميول الى البهرجة" و"الفساد" تنسحب على قسم من كبار رجال الدين. ويبدو ذلك عبر السيارات الفاخرة وحياة الرفاهية والمحسوبية ومسألة العادات والتقاليد، والتواطؤ مع طبقة سياسية فاسدة في بلدان مثل كينيا، حيث تستولي النخبة على الثروات. وسيطلب البابا فرنسيس ايضا من الكاثوليك الافارقة تجاوز الاحقاد الاثنية، فيما تنبعث هذه الاحقاد في بوروندي بشكل بالغ الخطورة. فالفشل في منع وقوع الابادة في رواندا في 1994 ما زال اكبر اخفاق تواجهه الكنيسة الكاثوليكية الافريقية.

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف