قلق أمني يرافق ظهور ميليشيات أفغانية معادية لطالبان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جمشيدي: يمشط رجال القائد نعيم وهم يركبون الخيول والدراجات النارية طريقا يغلفه الضباب في مناطق شمال افغانستان، وسط مساعي الحكومة لزيادة اعداد المليشيات المعادية لطالبان في ارجاء البلاد.
وفي مسعى يائس إلى هزيمة حركة طالبان التي تكثف هجماتها، تعمل الحكومة على تجنيد الاف المسلحين من اصحاب السوابق او ارتكبوا مخالفات امنية لدعم القوات البرية الافغانية التي تعاني من اصابات قياسية في صفوفها. الا ان بروز هذه الجماعات التي تذكر بالحرب الاهلية المدمرة التي شهدتها البلاد في تسعينات القرن الماضي، والتي ادت الى سيطرة طالبان على البلاد، يهدد بتصاعد ظاهرة تعدد الفصائل والمليشيات في البلاد، ما يؤدي بشكل اكبر الى إطالة النزاع، بحسب ما يرى مراقبون.
ويقول نعيم، قائد الميليشيا القصير والبدين، والذي يقود نحو 200 مقاتل في اقليم باشتون كوت المضطرب في ولاية فارياب المجاورة لتركمانستان، ان هذه الميليشيات ضرورية لبقاء البلاد.
وفي مشهد وكأنه مستوحى من كتب التاريخ، يجوب رجاله على ظهور خيولهم حاملين على اكتافهم الرشاشات وقاذفات الصواريخ، ممرا جبليا قريبا من قرية جمشيدي بحثا عن متسللين من طالبان تلقى عليهم مسؤولية سلسلة من الكمائن القاتلة.
يرفض نعيم وصف قواته بالمليشيات بسبب تاريخها السيء، ويفضل وصفها بـ"قوات الانتفاضة"، ويقول انه بدونها "فان طالبان ستسيطر على الاقليم في دقائق، وتقتل جميع من تجده في طريقها حتى تصل الى القرى". واضاف "بدوننا ستصبح فارياب قندوز اخرى"، في اشارة الى المدينة الشمالية التي سيطرت عليها قوات طالبان لفترة وجيزة في ايلول/سبتمبر الماضي في اكبر نصر تحققه منذ 14 عاما.
تضم مجموعات فارياب المسلحة غير النظامية او شبه النظامية نحو 5000 رجل، ويسعى السياسيون الافغان الى تجنيد آلاف اخرين في صفوفهم في ارجاء المنطقة، مع اتساع تمرد طالبان العصي على الهزيمة، بحسب ما صرح مسؤول غربي لوكالة فرانس برس.
وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته ان "سعر بندقية ايه كاي 47& تضاعف تقريبا في سوق مدينة ميمنة عاصمة الولاية خلال العامين الماضيين مع اعادة حشد المليشيات في فارياب". ويعتزم الرئيس الافغاني اشرف غني كذلك زيادة أعداد "شرطة الدفاع المحلية" - قوات مدعومة من الولايات المتحدة تدافع عن القرى وتشبه الميليشيات - لتصل الى 45 الف عنصر مقارنة مع نحو 30 الف حاليا في جميع ارجاء البلاد.
ويمثل انتشار الميليشيات، الذي يعد عامل خطورة في البلاد المضطربة اساسًا، خروجا كاملا عن جهود الحكومة السابقة لنزع اسلحة هذه الميليشيات، كما انه يتعارض مع تعهدات غني الاخيرة بكبح جماح تلك الميليشيات. وقال المسؤول ان "التنامي السريع لهذه الجماعات المسلحة يشكل مصدر قلق لما لها من تاريخ فظيع في انتهاك حقوق الانسان ورفضها الانصياع لاسيادها المفترضين في الحكومة".
حماة ام غزاة؟
ونظرا إلى نقص التدريب وانعدام رؤية الحكومة المستقبلية وانتشار ثقافة الفساد والافلات من العقاب في افغانستان، فقد تحولت بعض الميليشيات الى عصابات اجرامية وحشية.
واتهمت احدى "وحدات شرطة الدفاع المحلية" في فارياب باستخدام بئر جاف مليء بالافاعي كغرفة تعذيب، بحسب تقرير اصدرته أخيرا مجموعة الازمات الدولية. واستخدمت وحدة اخرى شخصا قبضت عليه كهدف للتدرب على اطلاق النار.
من بين الممارسات الفظيعة لتلك الشرطة كذلك السرقة والاغتصاب وتهريب المخدرات، مما اجبر سكان بعض القرى على هجرها، فيما قام السكان في مناطق اخرى بطردهم من قراهم وبلداتهم، ما مهد الطريق لدخول طالبان اليها.
وقال عبيد علي الباحث في مؤسسة شبكة افغانستان للتحليلات ان "الميليشيات في بعض المناطق تخوض نزاعات في ما بينها وهجمات انتقامية واشتباكات داخلية". واضاف ان "هدفها النهائي هو الحصول على الاموال من خلال التهريب والابتزاز".
يكشف صعود تلك المليشيات عن عيوب الجهود التي قادتها الولايات المتحدة، وكلفت مليارات الدولارات، لتطوير قوات افغانية تعتمد على نفسها، حيث تعاني تلك القوات من وقوع ضحايا في صفوفها، وتجد صعوبة في هزيمة التمرد الذي يحارب على جبهات متعددة. ولم تتمكن القوات الحكومية من منع تقدم طالبان في فارياب، التي كانت مناطق هادئة، حيث اقترب المسلحون من السيطرة على عاصمتها وحاصروا عددا من مناطقها الرئيسة.
يقول نعيم انه ليلة الرابع من تشرين الاول/اكتوبر، عندما سعت طالبان الى السيطرة على مدينة ميمنة، تلقى اتصالات من مسؤولين امنيين اصابهم الذعر وفروا من المدينة وطلبوا منه قبول لجوئهم الى قريته. اضاف انه قال لهم "ساضربكم على رؤوسكم اذا سمحتم بافلات ميمنة منكم".
واضاف "لو ان قوات الامن كانت قادرة على هزيمة طالبان وحدها، لما اضطر اصحاب المتاجر والمزارعون الى المشاركة في القتال، ولما اضطر الناس لبيع مجوهراتهم وبقرهم وجواميسهم لشراء اسلحة جديدة". والقوة التي يقودها نعيم هي خليط غريب، فبينهم 12 مقاتلا من "شرطة الدفاع المحلية"، بمن فيهم نعيم، تحصل على رواتب من الحكومة اضافة الى عشرات من رجال الميليشيات غير النظامية، تتالف معظمها من القرويين، الذين لا يتلقون رواتب، ويسعون الى ضمهم ضمن صفوف القوات التي تحصل على رواتب.
وقال نعيم "قوات طالبان تجمع ضريبة العشر (الاسلامية) من المزارعين بالقوة. نحن لا نطلب حتى قطعة خبز من اي شخص". واضاف "نحن حماة لوطننا، ولسنا غزاة". ومن بين رجال نعيم الشاب شاه محمد رحيمي (24 عاما)، وهو طالب جامعي يدرس الاقتصاد في النهار، ورجل ميليشيا في الليل. وقبل ثلاث سنوات قام بتبادل محصول موسم كامل من حبوب السمسم من مزرعته ببندقية كلاشنيكوف، بعد مقتل ثلاثة من اصدقائه المقربين في كمين لطالبان. واضاف "نحن نواجه خيارا صعبا (..) اما ان نكون مع الميليشيات او ان نسقط فريسة لطالبان".