حققت نجاحًا لافتًا وجذبت ملايين المتابعين
برامج الكوميديا السوداء تشدّ الجمهور العراقي
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&تعتبر برامج "التوك شو" ظاهرة حديثة في الساحة الاعلامية العراقية، فهي وعلى الرغم من تقليدها نُسخًا أميركية وعربية، حققت نجاحًا لافتاً بسبب نقدها الواقع السياسي والاجتماعي بلغة الكوميديا السوداء، وقد تجاوز بعضها الخطوط الحمراء والقدسية التي رسمت حول شخصيات سياسية ودينية، الأمر الذي دفع الملايين إلى متابعتها، في ظل محاولات حثيثة لتطويقها وكبح جماحها.
&محمد الغزي:&لم يحفل الإعلام المرئي العراقي ببرامج "توك شو" مهمة ومثيرة للانتباه والمتابعة الا حديثًا، وظلت عروض "ستاند آب كوميدي"، والتي تحمل رسائل سياسية أمام جمهور في مسرح، مجازفة خطيرة، لكن ثلاثة من مقدمي هذه العروض احتلوا مساحة كبيرة ولفتوا الأنظار بشكل مثير في العراق، حتى أن عدد متابعيهم على صفحات فيسبوك وتويتر فاق التوقعات.&والثلاثة هم: أحمد البشير، مقدم برنامج "البشير شو"، وعلي فاضل عباس، مقدم برنامج "ولاية بطيخ"، وأحمد وحيد، مقدم عروض ستاند آب كوميدي في البصرة، يتشابهون من ناحية تقديمهم لرسائل ناقدة في إطار الكوميديا السياسية، لكنهم يختلفون من ناحية الشكل والمعالجة.&"إيلاف" التقتهم وعادت معهم إلى البدايات، وإلى ما تعانيه برامجهم من ضغوط فنية، وما يعانونه هم من ضغوط سياسية، رغم انهم وضعوا عددًا كبيرًا من السياسيين تحت رحمة ما يتناولونه، وهشمّوا تابوات عديدة كان الكثيرون يخشون الاقتراب من رصيفها.&البدايات&&يقول أحمد البشير، الذي بدأ مراسلاً تلفزيونيًا ومقدمًا لبرامج اخبارية، في حديثه لـ"ايلاف"، انه بعد عمله مقدماً لبرامج ساخرة منذ عام 2012 والتي كانت تبث عبر قناتي الشرقية والبابلية، بدأت فكرة برنامج (البشير شو)، وأضاف: "بعد عام ونصف من التحضير، إنطلق العمل الفعلي في شهر مايو عام 2014، مع اصرار صاحب الشركة المنتجة للبرنامج حسام الاعرجي على أن العراق بحاجة الى مثل هذا النوع من البرامج"، فيما يؤكد المنتج حسام الاعرجي أن "البرنامج كان يهدف الى جعل العراق دولة مدنية من خلال نقد التطرّف والفساد بأسلوب ساخر شبابي"، مشيرًا إلى أن "إعداد البرنامج يحاكي البرامج الاميركية والاوروبية من ناحية الحرية في طرح الأفكار".&أما علي فاضل فيشير الى ان "فكرة تقديم برنامج سياسي كوميدي ساخر بدأت عام 2014، حيث قدم اربع حلقات من برنامج ساخر كان اسمه (شخاطة)، وفي البداية كانت القناة متخوفة من خطورة الطرح فتوقف البرنامج، ولكن بعد ظهور "البشير شو" عادت الفكرة لتنضج في اطار جديد مختلف ومغاير، فقدمنا (ولاية بطيخ)".&ويبدو أن الريادة العراقية في عروض الكوميديا السياسية لم تكن عبر التلفزيون فقط، فالبصري أحمد وحيد سبق زملاءه في هذا الاتجاه، ويقول لـ "إيلاف" إن "الفكرة بدأت بسبب شغفي بفن "ستاند أب كوميدي"، لا سيّما بعد ملاحظة عدم رواجه عراقياً، وبالتالي كان ثمة تفكير جدي في الموضوع لإقامة أول العروض على مسرح وامام جمهور"، وأضاف: "أقمت اول هذه العروض في شهر أبريل من عام 2015 على مسرح الجامعة في البصرة بدعوة من المركز الثقافي الجامعي الذي تبنى الفكرة ولاقت إستحسانًا كبيرًا في وقتها، ما شجعني على تقديم عروض أخرى على مسارح عامة".&حساسية الوضع&&وعن الخشية من حساسية الوضع والخوض في حقول ألغام، كما هي الحال في المشهد العراقي، يقول احمد البشير: "كنت على دراية كافية بأن مثل هذا البرنامج، وما يتضمنه من طرح، سيسبب الكثير من الجدل والمشاكل، لكن في الوقت نفسه كنت مؤمناً انه لابد من امل في استيعاب ثقافة النقد".&أما علي فاضل فكان يرى أن "الخشية من حساسية الوضع في العراق مستمرة"، ويلفت الى انه راقب البرامج التي سبقته، و"بدأ يفكر بأسلوب مغاير"، ويقول فاضل، الذي يختلف عن البشير بتوظيفه مشاهد تمثيلية باطار كوميدي في حلقاته، إن "المجتمع العراقي بات يعي ما يجري ولكنه للأسف يخطئ بوعي ايضاً".&فيما يقول أحمد وحيد إن "الوضع حساس فعلاً، وهناك الكثير من الخطوط الحمراء، لكن لا بد من الصدمة، ولا بد من الإقتحام الذي يعيد ترتيب أوراق الناس وينظم طريقة تفكيرهم"، ويضيف وحيد، الذي قام بتقليد خطابات اربعة رؤساء وزارات، هم اياد علاوي ونوري المالكي وإبراهيم الجعفري وحيدر العبادي: "راهنت على وعي العديد من أبناء الشعب، وكان هناك إستغلال لحالة إنتفاض جماهيري حصلت بعد انطلاق التظاهرات منتصف العام الجاري، وهذا ما أدى إلى إيجاد مناخ مناسب لقول الكلام الكبير على المسرح".&قدسية الشخصيات&&ويبدو أن التظاهرات الأخيرة اسقطت القدسية عن العديد من الشخصيات السياسية التي كان يخشى الشارع العراقي انتقادها، ما اتاح تناولها في تلك البرامج، وهنا يقول البشير: "لايوجد ما يمنعني عن انتقاد أي وضع غير صحيح، الا انني أراعي الاوقات المناسبة فقط"، فيما يؤكد علي فاضل أن "لا وجود لشخصيات لا تمس، فالتظاهرات في ساحة التحرير أسقطت القدسية عن الجميع، لكن نحن نفكر بطبيعة النقد وجدواه، والشخصيات هي التي تعطي مبررًا لنقدها".&أما أحمد وحيد، ونظرًا لخصوصية محافظة البصرة حيث يقدم عروضه، فيتحدث عن مخاطر من نوع آخر، ويقول: "لست عراقيًا إن لم أعمل حسابًا لاصحاب فكرة (إشكال شرعي) وهؤلاء كُثر ومؤثرون"، لكنه يتحدث عن سر جعله يجتاز هذه الحواجز، مؤكداً انه يكمن في ما يقدمه، ويقول: "أن اتحدث بجرأة ولكن من دون تجريح، ان تفتح المواضيع الحساسة من دون إتهامات فجة وان تتناول الموضوع الخطير بلغة سهلة وتتحدث عن المأساة بلهجة المواطن، وليس المنظّر، وأن تقول الكلام الذي تحسه وليس الكلام المعلّب الذي سيساعد منتقديك على تصنيفك وإقصائك لاحقًا، هنا لن تترك لهم حجة في فعلهم الذي دائمًا ما نخشى وقوعه".&وتختلف جهود اعداد برامج وعروض الثلاثة، ففي الوقت الذي يشتغل فيه خمسة كتّاب مع البشير لإعداد نص الحلقة، فضلاً عن 25 من المتطوعين والموظفين لانجاز اعدادها فنياً، ومراجعة محتواها من الناحيتين الفنية والقانونية، فان فريق علي فاضل يضم 10 كتّاب، إضافة الى عدد من الممثلين المساعدين له، فيما يكتب احمد وحيد عروضه، التي تمتاز باختزال يتلاءم مع مكان العرض، مستفيدًا من كونه شاعراً، ويقول: "أسمع ممن يشاركونني في العرض، وأغيّر في حال كانت تصويباتهم في محلها، لكنني أصر على ان أكون الكاتب الوحيد في هذه المرحلة، لان هناك جملة كوميدية جديدة أعمل على ترسيخها وأود إرساء قواعدها كما تحسستها".&صعوبة التمويل&وفيما يستعد حمد البشير، الذي بلغ عدد متابعي برنامجه على يوتيوب 30 مليون مشاهد، لتقديم عروض "ستاند آب كوميدي" على المسرح، بعيداً من الاستوديو، وهي خطوة جربها قبله علي فاضل عباس أمام جمهور بلغ نحو 100 مشاهد يومياً، ولكن في بلاتوه القناة، فإن أحمد وحيد الذي بدأ في المسرح، لا يمانع تقديم عروضه عبر شاشات تلفزيون أو عبر قناة في موقع "يوتيوب"، لكنه يصّر على تقديمها في المسرح أولاً وتسجيلها ومن ثم إعادة بثها.&لكن الثلاثة يعانون من صعوبات مادية تتعلق بتردد الشركات الكبرى العاملة في العراق من رعاية البرنامج وامتناع شركات الاتصال من منح ارقام للبرامج هذه، كما يحصل مع برامج حوارية سياسية أخرى، ويقول المنتج حسام الاعرجي إن عددًا من هذه الشركات إما تكون تابعة لشخصيات سياسية أو مسؤولين أو خاضعة لارادة جهة بعينها.&لعنة باسم يوسف&&يقول منتقدو هذه البرامج إنها لم تختلف عمّا قدمه باسم يوسف، مقدم البرنامج الشهير "البرنامج" في مصر، بل إن حركات باسم التي اعتاد بدء حلقاته بها، ومعها "we love you"، فضلاً عن استعانته بممثلين مساعدين لتأدية مشاهد بالحلقة، فعلها احمد البشير، وكذلك علي فاضل، وفي الوقت الذي امتنعت فيه نخب من تشجيع هذه البرامج وتقويمها ورأت فيها تقليدًا فجاً لبرنامج "البرنامج"، فإن باسم يوسف حرص أن يصفق كثيراً لبرنامج "البشير شو"، بل وان يكون ضيف احدى حلقاته، وليس وحده من آثر ذلك، فإن مقدم البرامج الساخرة الكندي مارك كريتش حل ضيفًا في برنامج "البشير شو" أيضًا.&وعن هذا النوع من البرامج، يتحدث الإعلامي مشرق عباس، مدير الاعلام العراقي لـ "إيلاف"، مبيناً أن "العراق لم يشهد محاولات جادة على صعيد برامج الكوميديا السياسية، لكن يمكن القول إن تجربة باسم يوسف العربية وتجارب عربية اخرى في مجال "ستاند اب كوميدي" ألهمت العديد من الشباب العراقيين للمبادرة"، ويرى أن "هذا النوع من البرامج ليس مرحباً به كثيراً في وسائل الاعلام العراقية وايضاً العربية، بسبب سقف الجرأة العالي فيها، ومستوى الحرية التي يتطلبها، بالاضافة الى الثقافة السياسية العامة التي دأبت على التعامل مع السياسي باعتباره تابو".&ولكنه يلفت أيضًا الى انه "مع كل التعتيم والجبن الاعلامي ازاء احتضان مثل هذه البرامج الا انها نجحت في نهاية المطاف ووجدت طريقها الى الناس مستفيدة من تكنولوجيا التواصل الاجتماعي"، مشيرًا إلى أن "الاعلام العربي لم يستطع احتمال باسم يوسف، والعراقي لم يحتمل احمد البشير أو احمد وحيد كشباب مبدعين في هذا المجال".&في حين وجد أستاذ الاعلام الإلكتروني في كلية الاعلام ببغداد، الدكتور عبد الأمير الفيصل، في حديثه لـ"إيلاف"، أن تجارب الثلاثة تحاول "ألا تكون ظلًا لباسم يوسف، بل أن تُشكل محاولات جادة لريادة عراقية، ولرسم هوية عراقية في كوميديا ساخرة تواجه عيوب الفساد والسياسية، بوقع متصاعد يحتاجه المتابع اليوم".&التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف