بإدارتين منفصلتين كحال الدولة المنقسمة على ذاتها
النفط في ليبيا ينجر إلى الصراع على السلطة والشرعية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
دخل النفط في أتون النزاع على السلطة والشرعية في ليبيا مع إعلان الحكومة المعترف بها دوليًا في الشرق فكّ الارتباط النفطي مع المؤسسة، التي ظلت تدير هذا القطاع لعقود في العاصمة طرابلس، الخاضعة لسيطرة حكومة موازية تساندها جماعات مسلحة.
إيلاف - متابعة: اصبحت ادارة هذا القطاع الذي يشكل 95 بالمئة من صادرات ليبيا، ونحو 75 بالمئة من ايراداتها، ادارتين، تعملان بشكل منفصل وتسيران نحو بيع وتصدير النفط كل على حدة، واحدة في طرابلس، واخرى في بنغازي على بعد نحو الف كلم شرق العاصمة.
محاولة إحياء
وقال المبروك ابو سيف، الذي عيّنته الحكومة في طبرق (شرق) على رأس مجلس ادارة "المؤسسة الوطنية للنفط" البديلة، التي أسستها أخيرًا في بنغازي، "نحن في المؤسسة حاولنا العمل منذ تسميتنا في اب/اغسطس الماضي مع ادارات المؤسسة السابقة، والتي وقعت تحت سيطرة الميليشيات في العاصمة، ولم نفلح"، في اشارة الى المؤسسة الام في طرابلس.
اضاف "لكننا لم نتوقف، وأعدنا بناء المؤسسة من الصفر، ونقلنا مقرها الى مدينة بنغازي، وها قد اعلنا انطلاقنا في العمل حينما انتهينا من التجهيزات النهائية". وتابع: "نحن مستعدون من الآن لتصدير النفط". وتملك ليبيا اكبر احتياطات النفط المؤكدة في افريقيا، والتي تقدرها منظمة الدول المصدرة "اوبك" بنحو 48 مليار برميل.
وتأثر انتاج النفط بتدهور الوضع الامني في شكل كبير، وتعرّض بعض حقوله الى هجمات في الاشهر الماضية. وبعدما كانت البلاد تنتج اكثر من مليون ونصف مليون برميل يوميًا قبل ثورة العام 2011، تراجع الانتاج الى نحو نصف مليون برميل حاليًا.
وتدير قطاع النفط في هذا البلد، الذي يتجاوز فيه سعر ليتر مياه الشرب ليتر الوقود، "المؤسسة الوطنية للنفط"، اذ تتولى هذه المؤسسة الضخمة منذ عقود عمليات الاستكشاف والانتاج وتسويق النفط والغاز داخل وخارج ليبيا.
خريطة الأمر الواقع
ولطالما عملت المؤسسة من مقرها الرئيس في طرابلس، لكن النزاع المسلح في العاصمة خلال الصيف الماضي، الذي ادى الى سيطرة قوات "فجر ليبيا"، وهي خليط من جماعات مسلحة بينها مجموعات اسلامية على المدينة، وقيام حكومة بديلة فيها، فرض واقعاً جديداً على المؤسسة.
فقد دفع السباق على تأكيد الشرعية للحكومة المعترف بها دوليًا في طبرق الى الاعلان عن تأسيس الفرع البديل للمؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي، ثم تأكيد هذا الاسبوع فك الارتباط كليًا بالفرع الام من جهة التصدير والبيع.
والاثنين، اصدرت الحكومة في طبرق بيانًا وجّهته الى "المؤسسات والشركات المتعاقدة مع الدولة الليبية في مجال النفط والغاز عبر المؤسسة الوطنية للنفط"، اعتبرت فيه انها "الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بيع الغاز والنفط". وشددت هذه الحكومة على ان "أي عمليات تعاقد أو بيع تتم خارج الشرعية القانونية المتمثلة في المؤسسة الوطنية للنفط (...) ومقرها مدينة بنغازي تعد مخالفة، وسيتحمل المتجاوزين ما يترتب على هذه المخالفة من اجراءات قانونية".
وتدعو الحكومة بذلك الشركات الاجنبية المتعاقدة اصلاً مع المؤسسة النفطية في طرابلس، الى حصر التعامل مع المؤسسة البديلة في بنغازي، على أن تدير هذه المؤسسة وحدها عملية بيع وتصدير النفط من الموانئ والحقول الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها ومعظمها في شرق ليبيا.
غطاء سياسي
واعتبر ابو سيف أن بيان الحكومة هذا "يمنحنا الغطاء السياسي"، مشددًا على أن مؤسسته ستعمل "على عدم تمكين أية جهة تتعامل مع غيرنا من الحصول على اية عقود أو مزايا في وقت لاحق اذا ما استمرت العقود السابقة حتى انتهائها".
في مقابل ذلك، قالت المؤسسة الام في فرعها في طرابلس في بيان، الخميس، إن مجلس ادارتها يعمل بعيدًا عن التجاذبات السياسية. واوضحت أن المجلس "يدير شؤونه باستقلالية تامة، ولا يخضع لأي جهة سياسية (...) ويتعامل في هذه المرحلة الانتقالية بحيادية كاملة".
ورغم تأكيد المؤسسة في طرابلس على حياديتها، قال نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات في الحكومة في طبرق عبدالسلام البدري لفرانس برس إن "أي تعامل مع المؤسسة السابقة في طرابلس يعد خروجًا عن القانون الدولي، وشراء للنفط الليبي من السوق السوداء، وبالتالي تمويل جماعات صنفتها ليبيا والمجتمع الدولي على أنها ارهابية". وينذر زج النفط في الصراع السياسي بمسار طويل من التعقيدات الإضافية بالنسبة إلى البلاد وبالنسبة إلى مستوردي النفط.
الانفصال ليس حلًا
وتقول فاليري مارسيل، الخبيرة في شؤون الطاقة في معهد تشاتام هاوس البريطاني، إن "الحكومة في طبرق كانت تملك الافضلية بفضل سيطرتها على موانئ تصدير رئيسة (في الشرق)، لكن حكومة طرابلس كانت تحظى ايضًا بأفضلية، وهي وجود مؤسسة النفط الوطنية في العاصمة". وترى مارسيل أن "تأسيس مؤسسة وطنية للنفط بديلة في بنغازي يزيد التعقيدات خصوصًا لدى مشتري النفط".
إضافة الى ذلك، تعقّد التجاذبات حول النفط النظام المعمول به في ليبيا منذ عقود لإدارة هذا القطاع وتحصيل ايراداته، علمًا انه من غير الواضح حتى الآن ما اذا كانت ادارتا النفط في البلاد ستفرضان نظامًا جديدًا منفصلاً لتحصيل اموال النفط.
تركيبة معقدة
وعادة يقوم "المصرف الخارجي الليبي"، وهو مؤسسة رسمية، بتحصيل اموال النفط عبر فروعه في الدول المستوردة لهذا النفط، ثم يحوّل هذه الاموال الى المصرف المركزي في طرابلس، الذي يبدو أنه بقي حتى الآن في منأى عن الصراع السياسي، رغم انه يعمل برأسين.
ويقوم المصرف المركزي بجمع هذه الاموال ومنحها للحكومة عبر وزارة المالية، لكنه يكتفي حاليًا بدفع رواتب الموظفين الحكوميين فقط، من دون ان يقدم اموالاً أخرى إلى أي من الحكومتين، بحسب مسؤولين في السلطة الحاكمة في طرابلس. وتقول مارسيل "انه وضع معقد جدًا. حكومتان وبرلمانان ورئيسان للمصرف المركزي نفسه، والآن مؤسستان للنفط!".