الرشاش ضروري مثل السماعة للأطباء في باكستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بيشاور: عندما يذهب الى عمله صباح كل يوم، يبدأ الطبيب الباكستاني محمود جعفري بوضع رشاشه في سيارته. ثم يقول كلمة لحراس منزله، قبل ان يدخل المستشفى يرافقه حارس آخر حتى لا يتعرض للخطف. هذا الطبيب الذي يتحدر من بيشاور، كبرى مدن شمال غرب باكستان، والذي نجا حتى الان من محاولات قتل وخطف، لم يعد يجازف بسلامته.
ويعد هذا الطبيب الذي اختار اسم محمود جعفري للتكتم على هويته، واحدا من الاف الاطباء الباكستانيين الذين يعايشون يوميا الخوف من تعرضهم للقتل او الخطف على ايدي متمردي طالبان او العصابات المحلية سعيا للحصول على فدية.
وتقول نقابة اطباء اقليم خيبر باختونخوا الذي تعد بيشاور عاصمته، ان اثني عشر طبيبا قتلوا منذ ثلاث سنوات، واكثر من ثلاثين آخرين خطفوا، وان مئات غادروا هذه المنطقة غير المستقرة الى مناطق تنعم بالمزيد من الامان.
ولا تقتصر المشكلة على مناطق طالبان في الشمال الغربي، لكنها تنغص ايضا حياة الاف الاطباء في الطرف الاخر من البلاد، في كراتشي، حيث يعمد عدد كبير من الاطباء ايضا الى العمل وسط مواكبة مسلحة حتى لا يتعرضوا للخطف.
وفي هذه المدينة الكبيرة في الجنوب على غرار بيشاور، بات الرشاش في نظر بعض الاطباء اداة تساوي في أهميتها المشرط والسماعة حتى يتمكنوا من مزاولة مهنتهم.
وقال الدكتور جعفري لدى خروجه من عملية جراحية في مستشفى كبير ببيشاور، "اسعفني الحظ ونجوت من هاتين المحاولتين (الخطف والقتل)، لأني احسست بالخطر في اللحظة الاخيرة قبيل الهجوم، وتمكنت في كل مرة من الفرار". واضاف "لكن عددا كبيرا من زملائي لم تكتب لهم النجاة".
وغالبا ما يبقى الاطباء الذين خطفوا مصدومين بعد الافراج عنهم، في مقابل فدية كبيرة، ويمتنعون احيانا عن التحدث عن تجربتهم، وينقطعون بالتالي عن اي نشاط اجتماعي.
وقال امير تاج خان نائب رئيس نقابة اطباء خيبر باختونخوا "ينقطعون عن الناس، وتقتصر حياتهم على التنقل بين البيت والعيادة، لان خاطفيهم السابقين يهددون بتعقبهم اذا ما كشفوا شيئا عن ظروف خطفهم".
واضاف "حتى لو اعطيتهم مئة مليون روبية (مليون دولار)، لن يخبروك عما حصل معهم"
وعمد اثنان من ثلاثين طبيبا خطفوا وافرج عنهم، الى الحديث بطريقة سرية عما حصل معهم، وقالوا انهم ربطوا بحبال ثم نقلوا الى المناطق القبلية، المعقل التقليدي لعناصر طالبان والمجموعات الاخرى التي تدور في فلك القاعدة على طول الحدود الافغانية.
ومع العملية العسكرية الجارية التي تستهدف طالبان منذ حزيران/يونيو في هذه المناطق، يعيش الخاطفون ورهائنهم خائفين من الموت تحت نيران القذائف. وقد بدل مكان احتجاز طبيب خطف في الاشهر الاخيرة مرارا قبل ان يفرج عنه في مقابل 80 الف دولار.
وحتى التدابير الامنية المشددة لا تشكل ضمانا للحماية. وقال طبيب طلب التكتم على هويته ان خاطفيه جردوه من سلاحه. واضطر ذووه الى دفع 130 الف دولار لحملهم على الافراج عنه، ويشكل هذا المبلغ ثروة في باكستان حتى بالنسبة الى الاطباء الاثرياء.
ولتجنب تعرضهم للقتل والخطف، ما زال اطباء يفضلون دفع اموال للوقاية. ويؤكد حنيف افريدي، وهو اسم مستعار لطبيب عيون ثري انه يدفع 2500 دولار شهريا منذ خمس سنوات الى رجال منغل باغ قائد عسكر الاسلام، المجموعة الاسلامية المسلحة المنتشرة في منطقة خيبر القبلية، الواقعة ضمن منطقة بيشاور.
وقال "اعرف ان هذا الامر غير مستحب، لكني لست ارى حلولا اخرى، لأن قوات الامن عاجزة عن حمايتنا. يتعين علي ان اكسب باستمرار ود عناصر طالبان للحفاظ على سلامتي وسلامة عملي". واضاف انه يدفع احيانا خمسة الاف دولار عندما يبلغه المتمردون ان لديهم حاجيات خاصة.
ولا يتوقف الدفع عند هذا الحد. فعناصر طالبان يأتون ويأخذونه الى معاقلهم في المناطق القبلية لمعالجة قادتهم المصابين. وحتى يختاروا اهدافهم، "يأتي المتمردون الى عياداتنا ويعرفون بأنفسهم انهم مرضى ويعمدون بهذه الطريقة الى تقييم ثروتنا"، كما يقول الدكتور افريدي، ويؤكد "انهم يعرفون كل شيء عن كل الناس".
ويضطر الاطباء الذين اتعبتهم هذه الحرب الانتقال للعيش في اقليم البنجاب المجاور، والى بلدان الخليج وبالتالي الى كندا وبريطانيا او الولايات المتحدة. ويغادر عشرون منهم شهريا شمال غرب باكستان، كما يقول الدكتور خان. انها هجرة للادمغة لا تؤدي إلا الى زيادة المشاكل التي تعانيها هذه المنطقة.