تطمئن الأقليات الأثنية وتقلق منظمات حقوق الإنسان
خطة حكومية فرنسية لمحاربة العنصرية ومعاداة السامية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
صاغت الحكومة الفرنسية خطة لمحاربة العنصرية والحدّ من معاداة السامية، من خلال تشديد الرقابة على الانترنت، ووضع عقوبات رادعة لكل من يطلق تصريحًا يحثّ على الكراهية.
ليال بشارة من باريس: كشف رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس عن خطة حكومية تهدف للتصدي للعنصرية ومعاداة السامية، تأتي بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتداءات باريس ومونروج. وتقوم خطة الحكومة الفرنسية على إطلاق حوار وطني في الصيف المقبل، وعلى معاقبة كل من يُطلق تصريحات تحرّض على العنصرية بالسجن، مدة تتراوح بين ستة أشهر وعام.
تتناول الخطة الحكومية أيضًا تشكيل وحدة وطنية لمكافحة العنصرية على شبكة الإنترنت، وإلزام مؤسسات تأمين خدمة الإنترنت أن يكون لها تمثيلٌ قانوني في فرنسا، في عملية تهدف إلى مراقبة أكثر فاعلية لمواقع التواصل الإجتماعي، ورصد إذا ما وردت مصطلحات تحرّض على العنصرية ومعاداة السامية في البلاد، من دون إغفال الوسط التعليمي حيث ستعمد السلطات الفرنسية إلى توفير المزيد من دورات التأهيل لأساتذة المدارس.
وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند جعل من التصدي للعنصرية ومعاداة السامية قضية وطنية كبرى، بعد إعتداء طال زوجين يهوديين في كريتاي. ودعا للمرة الأولى في كانون الثاني (يناير) الماضي إلى التصدي للإسلاموفوبيا بعد إعتداءات باريس الإرهابية.
حذار التعرض للسلم!
من وراء تشديد العقاب، تسعى الحكومة الفرنسية إلى توجيه رسالة واضحة: حذار التعرّض للأمن والسلم الأهلي. من هنا كانت المحاكمة جزائية كمثيلاتها من جرائم الحق العام لتبسيط قواعد التحقيق وتسريع الناحية الإجرائية. وهذا ما طالبت به منذ سنوات العصبة الدولية ضد العنصرية ومحاربة السامية، لكن ذلك لم يمنع المشرعين والمنظمات غير الحكومية من دق ناقوس الخطر والتحذير من محاكمات متسرعة، مطالبة أن يُسمح للضحايا بتقديم دعوة جماعية أمام النيابة العامة، في إجراء يهدف إلى إرساء فعالية أكبر للتصدي للعنصرية.
يقول الحاج توهامي إبريز، المستشار الخاص لإتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، لـ "إيلاف": "كنا نتمنى لو فُرض مصطلح معاداة الدين الإسلامي على غرار مصطلح معاداة السامية، صحيحٌ أن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس استخدم مصطلح التصدي للعنصرية، وفيها أجمل الإعتداءات التي تطال مسلمي فرنسا والديانة الإسلامية ومعابد المسلمين، لكننا تمنينا لو كان أفردها بعنوان".
المسلمون أكثر عرضة
أضاف إبريز: "مهمٌ للغاية أن تتصدى الدولة بأجهزتها لهذا الشر العظيم المتمثل في العنصرية، سواءً كان ضد اليهود أو المسلمين أو السود أو حتى تجاه الغجر، وأؤكد أن أي شخص عرضة لإعتداءات عنصرية، يجب علينا جميعًا، نحن مكونات المجتمع الفرنسي، أن نتصدى لذلك بكل الوسائل القانونية والقضائية والإعلامية والإجتماعية".
وأضاف أنه "وفقًا للإحصائيات أكثر الذين يتعرّضون للإعتداءات هم المسلمون، وبعد أحداث شارلي أيبدو كان تركيزُ حكومة فالس بتوجيهات من رئيس الجمهورية على الجالية اليهودية ودور العبادة اليهودية وثم تداركت الحكومة ذلك، وقالت يجب حمايةُ المسلمين، فأتى تشكيلُ لجنة مركزية تابعة لوزير الداخلية تتصل بكل المحافظين في أرجاء الجمهورية، وتحاول أن تقدم معونات للمساجد من أجل حمايتها، وقررت الدولة أن تجهز المساجد بكل الأجهزة العصرية للمراقبة على نفقتها بنسبة ثمانين بالمئة، وأعتقد أنه يجب أن تُصاحب هذه الإجراءات التقنية بإجراءات فكرية تركز على التوعية".
أين المساواة؟
ياعيل ليرير يهودية مقيمة في فرنسا، ترى بضرورة مواجهة العنصرية ومعاداة السامية، وتأسف لفشل الحكومة الفرنسية في تطبيق قيم الجمهورية الفرنسية، القائمة على المساواة.
تقول: "لا يُمكنُ مقارنةُ العنصرية ومعاداة السامية في فرنسا مع باقي دول العالم، واليوم ما أشعر به أنا كمواطنة إسرائيلية يهودية تقيم في فرنسا أن هناك عنصرية ضد العرب والسود والغجر، إن كانوا مواطنين أو مهاجرين على حد سواء، وأود أن أؤكد أن فالس هو من صناع هذه العنصرية، فخطاباته عنصرية ضد المسلمين والمهاجرين والغجر، تأتي في خط سياسي أقل ما يُقالُ عنه إنه امتدادٌ لسياسة نيكولا ساركوزي ومارين لوبين".
وتؤكد ليرير أهمية مكافحة العنصرية، وتضيف: "يجب القيام بها بشكل مختلف، فمشكلة المجتمع الأوروبي أنه لم يستطع أن يُرسيَ قيمًا عالمية ضد العنصرية يتم تطبيقُها بالتساوي في جميع الدول".
تشديد الرقابة
تهدف الحكومة الفرنسية من تشكيل وحدة لمكافحة العنصرية على الإنترنت إلى إرساء مراقبة أكثر فاعلية للشبكة العنكبوتية، التي غدت المحرّض الأول على الكراهية، خصوصًا أن 90 بالمئة ممن يلتحقون اليوم بالتنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق يتم التغرير بهم على شبكات التواصل الإجتماعي.
خطة الحكومة الفرنسية بشقها الإلكتروني ليست واضحة المعالم، بنظر متخصصين في شؤون التكنولوجيا، ومنهم نايلة الصليبي، الصحافية المتخصصة في شؤون التكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديث.
تقول لـ"إيلاف": "تقوم هذه الخطة بالأساس على خمس نقاط، وهي إلزام المؤسسات المزودة لخدمة استضافة المواقع الإلكترونية أن يكون لها تمثيلٌ قانوني في فرنسا، وإنشاء وحدة وطنية لمكافحة الكراهية على الإنترنت، وإنشاء تحذيرات إلكترونية لتنبيه من يخالفون القانون، والعمل على تعزيز قدرات وتجهيزات الجمعيات الإجتماعية لدعم ونشر خطاب مضاد للكراهية أكثر فاعلية، وإشراك الأماكن الرقمية العامة بعملية مكافحة العنصرية ومعاداة السامية".
زر مباشر
ترى الصليبي أن الحكومة الفرنسية تريد تعزيز الأمن لدى المنصات الرقمية المختلفة لجعل العقوبات أكثر فاعلية، "لذلك ستشكل نوعًا من الدوريات الإلكترونية بالتعاون مع السلطات الأمنية، وتوجد في فرنسا منصةٌ خاصة تُعرفُ بمنصة (فاروس) للإبلاغ عن أي محتوى غير قانوني على مواقع الإنترنت، ومهمتها رصد كل المحتويات العنصرية والمعادية للسامية المتداولة والأكثر شيوعًا على الشبكة في فرنسا، ليتم بعد ذلك تعقب مصادر تلك المحتويات عن طريق متابعة عناوين الإنترنت، لتقديمهم إلى المحاكمة، وعلى الوحدة الوطنية لمكافحة العنصرية على الإنترنت التنسيق مع المنصات الرقمية، كموقعي تويتر وفايسبوك وموقع التدوين وورد برس وغيرها، لتسهيل آلة الرصد والتبليغ عن المحتوى العنصري والمعادي للسامية، عبر وضع زر أو إضافة على تلك المواقع للتبليغ مباشرة عن المحتوى غير القانوني".
الوقاية خيرٌ من العلاج&
يقول إبريز: "شبكة الإنترنت مثل التلفزيون، فيه النافع وفيه الضارّ، وعلينا أن نستفيد من النافع ونقاوم الضار، مثل الحث على العنصرية والتطرف والإنحراف والإعتداء على الناس، ونحن نحاول مع غيرنا القضاء على هذه الآفة عبر توعية الآباء والشباب، منطلقين من عقيدة أنه يجب أن ننقذ من لم تصلهم الآفة، وربما من أصابتهم الآفة دخلوا في متاهات مرض لا يُعالج، بل بحاجة إلى إستئصال، وعلينا أن نعتمد سياسة تقوم على الوقاية، فالوقاية خير من ألف علاج، ونحن نساهم في ذلك من خلال طرح الفهم الصحيح للإسلام، وعبر الدعوة إلى الإلتزام بواجبات المواطنة، فنحن فرنسيون أولًا ومسلمون ثانيًا، ويجب أن نوفق بين الإنتماء إلى الوطن والإنتماء إلى الدين، وكل واحد يعيش بحرية لكن مع احترام الآخرين".
انتهاك حرية التعبير
حذرت منظمة العفو الدولية من أن الخطر كبيرٌ اليوم في فرنسا، في ضوء الإجراءات القضائية التي أُعلن عنها بعد اعتداءات شارلي أيبدو، وسط خشية من حصول اعتقالات تنتهك حرية التعبير في البلاد.
قالت إيزا الغطاس، الباحثة في برنامج أوروبا الغربية في منظمة هيومن رايتش ووتش، لـ "إيلاف" إنّ في خطة الحكومة الفرنسية نقاطًا إيجابية، منها أن تكون قضية محاربة العنصرية ومعاداة السامية قضية وطنية كبرى للعام 2015، وأن تكون ضمن أولويات الحكومة الفرنسية، لكن مع ضرورة أن تكون هناك تحقيقات سنوية ترصد شكاوى الجرائم بحق من يحرّض على العنصرية ومعاداة السامية، وتكشف كيف تمت المحاكمة لمعرفة إن كان تحرك الدولة فعالًا.
وعبّرت الغطاس عن قلق هيومن رايتس ووتش من تحويل المتهمين بالتحريض على العنصرية ومعاداة السامية إلى القانون الجنائي الفرنسي، "وهذا أمرٌ لطالما انتقدته هيومن رايتس ووتش، لأنه لا يُمكنُ القبولُ اليوم بمحاكمة خطاب يحث على الكراهية أمام المحاكم الجنائية الفرنسية، فهذا إجراء غير مناسب، ونحن سنراقب كيف سيتم تطبيق المشروع الفرنسي، وإن كان يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان".
وعبّرت رابطة حقوق الإنسان عن دهشتها من المصطلحات المستخدمة من قبل فالس، واعتبرت أنها تتخذ منحى عسكريًا، مشددة على ضرورة البحث عن الأسباب الإجتماعية والإقتصادية للمسألة العنصرية، في ظل سياسة حكومية أقل ما يُقالُ عنها اليوم إنها هيستيريةٌ.
رمزية مكان الإعلان عن الخطة الحكومية
اختار فالس الكشف عن خطة الحكومة لمحاربة العنصرية والتصدي لمعاداة السامية من مدينة كريتاي، في الضاحية الشرقية لباريس، التي تضم أكبر جاليتين يهودية ومسلمة في فرنسا، وهي المدينة التي شهدت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي اعتداء على يهودي واغتصاب زوجته اليهودية. وأظهرت التحقيقات أن الجناة نفذوا الإعتداء انطلاقًا من فكرة أن لدى كل يهودي الكثير من المال.
وأعرب المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان عن قلقه من تصاعد الأعمال العنصرية في فرنسا، محذرًا من تفتت النسيج الإجتماعي والتخلي عن مبدأ المساواة في البلاد. وفي العام 2014، رصدت السلطات الفرنسية تضاعف الأعمال المعادية للسامية، في حين شهد الفصل الأول من 2015& إزديادًا في الأعمال المعادية للمسلمين بنحو ست مرات عمّا كانت عليه في العام الماضي.
وقد ازدادت هجرة يهود فرنسا إلى إسرائيل مع نسبة بلغت 4.566 عام 2013، وتدهورت الأوضاع في فرنسا بعد اعتداءات شارلي أيبدو وعملية احتجاز الرهائن في متجر يهودي، أدت إلى مقتل سبعة عشر شخصًا.
سياسة مختلفة
يقول إبريز إنه في لقاء مع مستشار وزير الداخلية الفرنسي في آذار (مارس) الماضي، إطلع مع الوفد المرافق على تحقيقات تُظهر تضاعف الإعتداءات ضد المسلمين بنسبة 75 بالمئة، مقارنة مع العام الماضي. وتم تسجيلُ إعتداءات طالت 53 مسجدًا أو نساءً محجبات، "وهنا ندعو الحكومة الفرنسية إلى مراجعة ذلك، لأن النساء المسلمات هنّ أكثر من يتعرّضن للأعمال المعادية للإسلام بسبب إرتدائهن للحجاب، ولا نتحدث هنا عن النقاب".
تجدرُ الإشارة إلى أن فرنسا أقرّت قانونًا في العام 2004 يمنع حمل الرموز الدينية بشكل ظاهر في الأماكن العامة. أما ليرير فترى أن مكافحة العنصرية واللاسامية تبدأ عبر وضع أسس للتربية والتعليم وانتهاج سياسة مختلفة إزاء العرب وغيرهم من اللاجئين، "لكن ما نراه اليوم أنه ليست هناك سياسة تعتمد المساواة في هذا الإطار".
دفاع عن القيم
على المستوى السياسي، يعتبر مصطفى الطوسة، المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الفرنسية، أنه نتج من خطة فالس لمعالجة تنامي ظاهرة كره الأجانب تحرر الخطاب الحاقد ضد الإجانب، "لكن، مع ذلك، لا يُمكنُ تجاهل الأبعاد السياسية لخطة الحكومة الفرنسية، إذ تتزامن مع محاولة الحزب الإشتراكي الحاكم التموقع على مستوى الدفاع عن القيم والعيش المشترك تحت سقف الجمهورية، لأن فالس، ومن خلفه هولاند، يعمل على تعبئة اليسار المتشرذم، بسبب الخلافات حول السياسات الإقتصادية والخيارات البيئية، وجعله يشعر بأن قيم الأخوة والمساواة والحرية والعيش المشترك محرك الجمهورية الأساسي، وليس الحقد والإقصاء وكراهية الأجانب، التي يقول فالس إن اليمين المتطرف يعمل على تغذيتها".
وسبق للسلطات الفرنسية أن أعلنت عن إجراءات حكومية عدة، تهدف إلى إرساء روح وطنية جامعة، منها مشروع الحكومة الفرنسية الهادف إلى إرساء عملية إصلاح كاملة للهيئات الممثلة للمسلمين في فرنسا، وبث توعية أكبر بمبادئ الدين الإسلامي، وبناء جسر تواصل بين الدولة والمسلمين، وهي خطوات غدت ضرورية بعد هجمات باريس الإرهابية، لكن تبقى العبرةُ في التطبيق.
&