تخفيف الضجيج إنجاز واعد
علماء يأخذون من البومة أسرار الطيران الصامت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سبق للعالم روبرت كوخ، الحائز على نوبل 1905 نظير اكتشافاته في علم البكتيريا، أن حذر من يوم يقع فيه على الطب أن يتصدى لأمراض الضجيج كما يتصدى للطاعون والكوليرا. ومن أجل أمراض ضجيج أقل، قلد العلماء الأميركيون طيران البومة الصامت لصناعة أجنحة طائرات قليلة الضجيج.
ماجد الخطيب: هذه ليست المرة الأولى التي يقلد فيها الإنسان الطبيعة لتحقيق انجازات علمية تجعل حياتنا أفضل في المستقبل. وتم تقليد العنكبوت لصناعة خيوط رقيقة أقوى من الفولاذ، ومحاكاة التصاق المحار بالصخور لصناعة لاصق خارق للمركبات الفضائية، وتقليد خلايا النحل لإنتاج مراوح هوائية تنتج الكهرباء من الريح.
والبومة معروفة في الثقافات والأساطير البشرية منذ العصور السحيقة، وإذ تعتبر في بعض الثقافات الشرقية نذيرًا للشر، تعتبرها الثقافة الأغريقية رمزًا للحكمة تحملها الإلهة أثينا على كتفها. ويبدو أنه من الحكمة الآن محاكاة طريقة طيران البومة، وتقليد تشريح جناحيها، لأنها معروفة بطيرانها الصامت.
تعمل الطيور عادة وفق "رادر" طبيعي يكشف الجو أمامها من خلال الصوت وحركة الريح وما إلى ذلك، إلا أن الطائر الصغير، وبسبب صمت طيران البومة، لا يحس بالخطر إلا وهي تنقض عليه وتنهش لحمه. الباحث نايجل بيك، من جامعة كاميرج، درس طريقة طيران البومة وشكل جناحيها، وتوصل إلى 3 عناصر أساسية تمنحها هذه الميزة.
وذكر بيك أمام اجتماع المعهد الاميركي لعلم صوت الطيران وديناميكيا الهواء أنه تمكن من تقليد أجنحة البوم لصناعة أجنحة طائرات يمكن أن تخفض ضجيج الطائرات إلى أقل ما يمكن. وأضاف انه توصل إلى هذه النتيجة باستخدام أجهزة مجهرية ذات قدرة تكبير هائلة لفحص ريش وأجنحة البومة تحت عدساتها.
ثلاثة عوامل
وصف البروفيسور بيك طيران البومة بأنه صامت و"خفي" مثل طائرة "ستيلث"، مضيفًا أن الإنسان لم يستفد من هذه الظاهرة الطبيعية رغم علمه بها منذ قرون. ويمكن الآن من خلال هذه التقنية، بحسب العالم الاميركي، انتاج مراوح هوائية أقل ضجيجًا لإنتاج الكهرباء من الرياح، كما يمكن تغليف مهوّيات الأجهزة الإلكترونية (الكومبيوترات مثلًا) من أجل تقليل الصوت الصادر عنها.
وصنع بيك، وزملاء له من معاهد أميركية أخرى، مادة تقلد ريش البومة وتشريح أجنحتها، يمكن كسو أجنحة الطائرات بها من أجل تقليل الضجيج الصادر عنها. وتوصل العلماء إلى ثلاثة عوامل، تكمن فيها مجتمعة أسرار الطيران الخفي لطائر البوم. الأول أن طبقة الريش التي تكسو الجناح تبدو مثل سجادة رؤوس الأشجار التي يشاهدها الإنسان فوق الغابات من الطائرة، وهذه السجادة هي سر "تلاعب" البومة بالتيارات الهوائية وامتصاص الاحتكاك.
وعثروا في الحافة الأمامية من الجناح على أهداب مرنة تقلل سرعة تيارات الهواء، إضافة إلى مناطق مسامية يمكن للهواء أن يتخللها في حافة الجناح الخلفية، وتعمل مع العاملين السابقين على تقليل الصوت الصادر عن حفيف الجناحين عند الطيران والانقضاض على الفريسة.
لا يتمتع أي طائر آخر غير البومة بجناحين بهذه الميزات، وهذا ما يؤكد مسؤولية هذه العوامل عن طيرانها الهامس. وأكد بيك أن النسبة الأعظم من ضجيج أجنحة الطائرة، وفي بقية الطيور أيضًا، ينجم عن احتكاك الهواء بالسطح العلوي للجناح، في حين أن سطح جناح البومة الذي يشبه الغابة يقلل احتكاك الهواء به.
إنجاز واعد
عمل بيك وزملاؤه على إنتاج سطوح من مادة خاصة تشبه سطح جناح البومة باستخدام جهاز الطباعة المجسم، وتوصلوا إلى إمكانية لصقها برقاقة على مختلف المحركات والأجواء الضاجة بهدف كتم ضجيجها. وفي تجربة أولى تم تغليف ريشات مروحة هوائية لإنتاج الكهرباء من الرياح ونجحوا في خفض ضجيج المروحة بنسبة 10 ديسبل من دون أن يؤثر ذلك على ديناميكية عمل المروحة، أو أن يقلل من إنتاجها للكهرباء، أو أن يقلل من سرعة دورانها.
سيعمل بيك على تحسين وتقنين الشريحة التي تقلد ريش البومة بما يضمن رفع قدرتها على كتم الضجيج وإحداث ثورة في عالم ديناميكيا الطيران. ويعتبر العالم خفض الضجيج بنسبة 10 ديسبل إنجازًا واعدًا، لأنه لا يجنب السكان القريبين من المطارات ومزارع المراوح الهوائية مخاطر أمراض الضجيج فحسب، وإنما يزيد من إنتاج الكهرباء.
فمن المعروف أن شركات إنتاج الطاقة من الهواء "تفرمل" سرعة المراوح بشكل مدروس بهدف تقليل الضجيج على السكان القريبين، في حين يمكن الآن التخلي عن ذلك بفضل تقنية محاكاة أجنحة البومة.
ضجيج يبتلع آخر
كان كلاوس بيرجة، عضو المجلس الإداري لجمعية الطيران والفضاء الألمانية، قال إن مهندسي البيئة الألمان يعملون على نظام لتقليص ضجيج الطائرات بنسبة 10-15% خلال فترة منظورة. أضاف بيرجة أن التركيز يجري حاليًا على تطوير تقنية كتم ضجيج الطيران عن طريق "التهامه" بواسطة ضجيج آخر. وهذا يعني أن الموجات الصوتية الصادرة عن المحرك وعن الاحتكاك بالهواء ستجري معادلتها بواسطة موجات صوتية أخرى.
وعمومًا، فإن الطيارات والمحركات ستكون أخف مستقبلًا وينخفض معها الضجيج الصادر عنها أيضًا. وعمل الألمان في صناعة طائرة ايرباص 320 على تقليل مساحة الطائرة السطحية، وعلى إخفاء صندوق الوقود بعيدًا عن الحافة لتقليص الضجيج.
وحرصت لوفتهانزا على تقليل ضجيج الطائرات المسائي عن طريق تحويل مجرى الهواء الخارجي من المحرك إلى غرف جانبية داخل هيكل الطائرة. ونجح المهندسون بهذه الطريقة بتقليص ضجيج المحرك ست مرات، لكنهم استنفذوا امكانية خفض ضجيج الجسد والأجنحة. وعمد بعض المهندسين إلى تكبير ريش التربينات بهدف تقليل الضجيج، ونجحوا بذلك فعلًا إلا أنهم ضاعفوا بذلك استهلاك الوقود.
وصارت طائرات لوفتهانزا تغيّر زوايا أقلاعها بعد دراسة من معهد طب الرحلات الجوية توصلت إلى إمكانية خفض ضجيج الطائرة بمقدار 6 ديسبل إذا ما اقلعت بزاوية أكثر عمودية من المطار.
2000 ضحية للضجيج سنويًا
يدرس خبراء جمعية الطيران والفضاء الالمانية منذ 3 سنوات تأثير الطيران الليلي على الانسان بحثًا عن أفضل طرق تحديد الحد الأدنى المقبول للضجيج بالقرب من المطارات، علمًا أن بعض الطائرات الضخمة، كما هي الحال مع طائرات النقل الضخمة من طراز غالاكسي الاميركية، تصدر الضجيج بقوة 100 ديسبل.
قدرت وزارة البيئة الألمانية أن الضجيج الصادر عن السيارات والطائرات والحركة والمصانع وغيرها يودي بحياة 2000 إنسان سنويًا، وإصابة مئات الآلاف بثقل السمع وضعف التركيز واضطراب النوم وارتفاع ضغط الدم وانخفاض المناعة وزيادة مخاطر الإصابة بالحساسيات المختلفة وغيرها.
&