لندن لن تخذل من ساعدها في الأزمات
بريكسيت... نقمة لبريطانيا ونعمة للعرب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من لندن: من يتجول في شوارع المدن البريطانية وبين محلاتها وفنادقها، وخصوصًا لندن، لن يرى أثرًا جليًا للاستفتاء التاريخي الذي أخرج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي في يونيو الماضي، ربما لأن ذلك الانفصال لم يرَ النور بعد على أرض الواقع.
تراجع الجنيه
لكن مصادر النفوذ الاقتصادي لا تتمتع بالحظوظ ذاتها، كالسوق المالية التي عرفت زلزالًا لم تشهده منذ سنوات. فبمجرد إعلان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن العملية الرسمية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو ما بات يعرف بـ "المادة 50"، ستبدأ بنهاية مارس المقبل حتى تراجع الجنيه الاسترليني تراجعًا كبيرًا، فوصل إلى أدنى مستوى له في أكثر من ثلاثة عقود بمقابل الدولار، الذي ارتفع بشكل عام الثلاثاء. وجاء التراجع بنسبة واحد في المئة الاثنين، وتتنبأ التوقعات بالمزيد.
ولم تكن أسعار عقارات العاصمة أوفر حظًا من شوارعها بسبب حالة عدم اليقين تلك، إذ عرفت بدورها تقلبات واسعة على مدار الأشهر القليلة الماضية التي اعقبت البريكسيت، فانخفضت نحو 0.2 في المئة في أغسطس الماضي، بعد تراجعها بنحو 1.1 في المئة في يوليو، ما تسبب في تباطؤ معدل النمو السنوي إلى 6.9 في المئة، في مقابل 8.4 في المئة في يوليو من العام الماضي، وهو أكبر انخفاض في سبعة أعوام.
&
&
إقبال زائد
في سابقة لم تعرفها لندن من قبل، تراجعت أسعار العقارات وسط لندن بمعدل 1.8 في المئة على أساس سنوي، وهذا أكبر انخفاض منذ سبعة أعوام. كما تراجعت الاسعار في تشيلسي أحد أرقى الاحياء جنوب غرب المدينة بنحو 9 في المئة.
يقدر الحد الأدنى لسعر شقة متوسطة بنحو مليون جنيه إسترليني، أي ما يعادل 1.3 مليون دولار، لذلك فضل بعض قاطني المدينة السكن خارجها. لكن يرى مقتنصو فرص الاستثمار العقاري في هذا الانخفاض المفاجئ فرصة، خصوصًا الاجانب الباحثين عن عقارات للمعيشة في وسط لندن، مع استمرار انخفاض الاسترليني منذ الاستفتاء البريطاني.
تقول فرانشيسكا لويس، صاحبة مكتب للعقارات في تشيلسي، لـ"إيلاف"، إن هذا الانخفاض رفع معدل الباحثين على أماكن سكنية في المناطق الراقية مثل تشيلسي وشيزيك وريتشموند ومايفير ونايتبريدج وماربل آرش، بلغت 50 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
لن تخذلهم
مع استمرار مرحلة عدم اليقين، حذر محللون اقتصاديون من أن أي انهيار في سوق العقارات البريطانية سيؤثر بشكل هائل على المستثمرين عمومًا في لندن، وأن خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الاوروبي سيؤثر سلبًا لكن بشكل متفاوت في الدول العربية، وخصوصًا دول مجلس التعاون الخليجي، بحسب العلاقة التجارية والاستثمارية التي تربط كل دولة بها. ولعل استمرار تبعات الانفصال السالبة على الاقتصاد البريطاني سينعكس على الصناديق السيادية العربية، غير أن لا أثر يذكر في عمل البنوك الخليجية التي دعمت بنوكًا بريطانية كبرى في الأزمة المالية.
قال آدم نايجل، رجل الاعمال البريطاني وعضو الحزب المحافظ، لـ"إيلاف": "لطالما شكلت سوق العقارات في بريطانيا نقطة جذب رئيسية للمستثمرين الخليجيين، ولندن لن تخذل من وقفوا إلى جانبها في الازمة، وفي مقدمهم حلفاؤها من الدول العربية... عندنا استثمارات تقدر بالمليارات، ومن غير المرجح أن يؤثر تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الاوروبي في شهية أثرياء الخليج للتملك في المملكة المتحدة".
&
&
بعض النتائج الإيجابية
وفي شأن أسواق الدول المغاربية ومدى تأثرها بالبريكسيت، أو إذا كانت الوجهة المقبلة للاستثمارات البريطانية كسوق بديلة، قال نايجل إن افريقيا كانت وما زالت وجهة مهمة للشركات البريطانية، وهي ليست جديدة أو بديلة.
وذكر زيادة إقبال الشركات البريطانية على الأسواق المغربية بعد الاستفتاء الأخير، فقال إن حوالي 200 شركة مغربية تصدر منتوجاتها إلى بريطانيا، "فيما تملك ما يصل إلى 100 شركة بريطانية استثمارات في المغرب، في وقت يرتفع فيه عدد السيّاح البريطانيين الوافدين إلى المغرب بشكل ملحوظ".
وعن التوتر في المنطقة العربية، أوضح نايجل أن المرحلة الانتقالية لبلاده لن تضعف موقفها السياسي، ولن تثنيها عن الوقوف بجانب الدول العربية التي تربطها بهم علاقات دولية مشتركة في مجالات عدة، لا اقتصاديًا فحسب.
واستبعد نايجل أن يؤدي هبوط الاسترليني الحاد إلى هروب المستثمرين، وقال إنه هبوط موقت، "وربما يحمل هذا الانخفاض في قيمة الجنيه بعض النتائج الإيجابية في ما يخص استثمارات دول ترتبط عملتها بالدولار لشراء عقارات جديدة اصبحت قيمتها اقل نسبيًا بسبب الفارق في القيمة المالية".
أكثر جذبًا
هذا ما أكده نيل بارتريك، الخبير في الشؤون الخليجية، لإحدى الصحف العربية، اذ قال: "انخفاض قيمة الجنيه قد يجعل من المملكة المتحدة أكثر جذبًا لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي، ربما للاستثمار في عقارات لندن".
وفي السياق نفسه، يتوقع تقرير حديث صادر عن "أورينت بلانيت للبحوث"، أن يفتح الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي آفاقًا واسعةً لترسيخ العلاقات الثنائية مع دول الخليج، خصوصًا مع انخفاض أسعار العقارات. وأظهر التقرير أن الفوائد تتجلى من خلال الإجراءات الاستراتيجية التي اتخذتها تلك الدول، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة التي عقدت اتفاقية ثنائية مع بريطانيا من شأنها مضاعفة حجم التبادل التجاري إلى 135.24 مليار درهم إماراتي بحلول عام 2020.
وكشف التقرير أن المملكة العربية السعودية تتطلع بتفاؤل إلى تداعيات الانسحاب البريطاني، حيث بلغت قيمة الاستثمارات السعودية في المملكة المتحدة هذا العام زهاء 62 مليار جنيه إسترليني.
قال جون تشيبمان، المدير العام والرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "يمر الخليج بتحول كبير، يتضمن سعي الاقتصاديات الست لدول مجلس التعاون إلى تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط والغاز، بفضل ما لديها من أعداد سكانية متنامية وثرية، وهذه عوامل تمثل فرصًا معتبرة عند المستثمرين الدوليين، وتحديدًا في المملكة المتحدة".