أخبار

روسيا والغرب: أين تكمن جوانب الخلل؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

جوناثان ماركوس

مراسل الدفاع والدبلوماسية

من الصعب أن يتخيل المرء فترة زمنية بعد انتهاء الحرب الباردة شهدت تدهورا حادا للعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة كما هو الشأن الآن.

ووصف مسؤولون أمريكيون الهجمات الروسية-السورية المشتركة على حلب بأنها "بربرية"، محذرين من أن ثمة جرائم حرب تُرتكب في المدينة.

وتحدث الرئيس الروسي، فلاديمر بوتين، علانية عن توتر الأجواء بين واشنطن وموسكو، وشدد على أن الإدارة الأمريكية تريد إصدار "أوامر" بدلا من الدخول في حوار.

وعلى الرغم من كل هذا، فإن الولايات المتحدة وروسيا لا تزالان على اتصال حول القضية السورية. وعلى الرغم من الخطابات والاتهامات العنيفة بينهما، فإن الطرفين يدركان أن لديهما دورا محوريا للاضطلاع به في أي تسوية نهائية للأزمة السورية.

وأيا ما كانت الأهداف الاستراتيجية المباشرة، فإن اندلاع حرب دائمة في سوريا لم يعد يفيد موسكو أكثر من واشنطن.

وبدون هذا المستوى الأساسي من الثقة والتفاهم بين الجانبين، فإن أي حوار سيقوم على أسس واهية. ولم يكن من المفترض على الإطلاق أن يؤول الأمر إلى هذا الحد. وكان من المفترض أن يؤدي انتهاء الحرب الباردة إلى بزوغ عصر جديد من العلاقات بين القوتين.

ولفترة زمنية تراجعت روسيا عن الساحة الدولية، لكنها تعود الآن برغبة في الانتقام، وحرصٍ على تثبيت مكانتها القريبة من حدود نفذوها، واستعادة شيء ما من دورها العالمي السابق والرد على إهانات متصورة ارتكبها الغرب.

وبالتالي، ما هي جوانب القصور التي أدت إلى كل هذا؟ ولماذا لم تكن روسيا والغرب قادرتين على التوصل إلى نوع مختلف من العلاقات؟ وهل هو التجاوز الأمريكي أم حنين روسيا إلى مجد الاتحاد السوفيتي؟ وعلى من تقع المسؤولية؟ ولماذا وصلت الأمور الآن إلى هذا المستوى السيء وهل من الصواب وصف الوضع الراهن في العلاقات بـ "حرب باردة جديدة"؟

لن أحاول تقديم إجابات شافية لكل هذه الأسئلة، فتعقيدات هذه القصة يتطلب كتابا بحجم رواية "الحرب والسلم" للكاتب الروسي ليو تولستوى! لكنني سأحاول تقديم بعض المؤشرات.

الكثيرون اعتقدوا بأن نهاية الحرب الباردة ستقود إلى عصر جديد في العلاقات الدولية

فوفقا لبول آر بيلر، الباحث البارز في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الذي كان ضابطا كبيرا في وكالة الاستخبارات الأمريكية سابقا، فإن الخطأ الأول يتحمل مسؤوليته الغرب.

وقال بيلر إن: "العلاقات ساءت عندما لم يتعامل الغرب مع روسيا على أنها أمة نفضت عنها غبار الشيوعية السوفيتية... وكان ينبغي الترحيب بها كاتحاد جديد من الدول، لكن بدلا من ذلك نُظر إليها على أنها الخلف لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، لترث مكانته كمحور رئيسي لعدم الثقة في الغرب.

فهذه الخطيئة الرئيسية، إذا أردت تسميتها هكذا، ازدادت تعقيدا برغبة الغرب الشديدة في توسيع حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ ضم في البداية دولا مثل بولندا وجمهورية التشيك والمجر، وهي دول لديها موروثات قومية طويلة من الكفاح ضد النظام في موسكو.

لكن توسع الحلف الأطلسي لم يتوقف عند هذا الحد، إذ ضم الحلف دولا مثل بلدان البلطيق الثلاث، التي كانت أجزاء منها ضمن أراضي الاتحاد السوفيتي السابق. ويتساءل المراقبون: هل ثمة اندهاش بعد ذلك في أنه يتعين أيضا على موسكو معارضة فكرة دخول جورجيا أو أوكرانيا إلى الحظيرة الغربية؟

وباختصار، فإن روسيا تعتقد بأن الغرب يتعامل معها بإجحاف منذ نهاية الحرب الباردة.

وهذا، بالطبع، ليس هو النظرة التقليدية عند الغرب، الذي يفضل التركيز على "سياسة الانتقام" الروسية، وهو موقف جسده بوتين، الرجل الذي وصف انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه "أكبر كارثة جيوسياسية" في القرن العشرين.

فثمة نقاش مثير يُجرى بين خبراء مراكز الفكر الأمريكية بشأن أي المعسكرين على حق. فهل ينبغي على المرء التركيز على الأخطاء الاستراتيجية الأولى للغرب في التعامل مع روسيا الجديدة أم النظر إلى تصرفات موسكو الأخيرة الصارمة بشأن جورجيا أو سوريا أو أوكرانيا؟

هل أخفق الغرب بعدم الترحيب بما يكفي مع الدولة الخلف للاتحاد السوفيتي؟

ويفضل السير جون سويرز ، الرئيس السابق للاستخبارات الخارجية البريطانية (إم أي 6)، الذي كان كذلك سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة وشاهد الدبلوماسية الروسية الراهنة على مدار السنوات الماضية، التركيز على العلاقات في السنوات الأخيرة.

وفي مقال نشر في الآونة الأخيرة في بي بي سي، قال سويرز إن الغرب لم يول الاهتمام الكافي لبناء علاقات استراتيجية سليمة مع روسيا خلال السنوات الثماني الماضية.

وأضاف: "إذا كان هناك تفاهم واضح بين واشنطن وموسكو بشأن قواعد مسار العلاقات، وهي أننا لا نسعى لإسقاط أنظمة بعضنا بعضا، فإن حل المشكلات الإقليمية مثل سوريا أو أوكرانيا أو كوريا الشمالية التي ظهرت سريعا أمامنا، سيكون أيسر".

وأشار خبراء كثيرون، تحدثت معهم، إلى دبلوماسية إدارة باراك أوباما التي تفتقر إلى الحكمة والإشارات المربكة التي ترسلها.

ربما تتراجع السلطة المطلقة لواشنطن، لكنها بدت أحيانا غامضة إزاء استخدام مستويات منوعة من أدوات القوة المستخدمة حتى الآن. فهل تتجه تلك الأدوات نحو آسيا وإلى أي مدى تقلل واشنطن من دورها في أوروبا والشرق الأوسط؟

وهل هي مستعدة لتقرن القوة إلى خطابها؟ (في سوريا كانت الإجابة لا) وهل درست بالفعل تداعيات المواقف التي تتخذها تجاه موسكو؟

في عام 2014، في أعقاب ضم روسيا شبه جزيرة القرم، تحدث بوتين إلى مجلس الدوما، وقال إنه إذا اتخذت سياسة متشددة للغاية فستكون النتيجة عكسية.

الروس أكدوا في الآونة الأخيرة نفوذهم في دول مثل سوريا

وكما أشار الكاتب الروسي الشهير نيكولاس غفوسديف في مجلة "المصلحة القومية"، وهي مجلة أمريكية مخصصة لرصد الرؤية "الواقعية" العملية للسياسة الخارجية، وقال إن السياسة الحكيمة ستجد طريقها لتخفيف ضغط السياسة المتشددة أو التأهب لردة الفعل والقدرة على امتصاص الصدمة.

وأيا ما كانت أخطاء الماضي ومن المسؤول عنها، فنحن، كما يقولون، في ما نحن فيه الآن. فأين نحن إذا؟ وهل الولايات المتحدة وروسيا حقا على وشك الدخول في صراع حول سوريا؟ لا أعتقد ذلك، لكن ماذا عن فكرة دخول الجميع في "حرب باردة جديدة"؟

ويعتقد باول بيلر بأن هذه العبارة ليس عبارة صحيحة. ويضيف لبي بي سي: "ليس هناك نوع من المنافسة الأيديولوجية العالمية التي اتسمت بها الحرب الباردة، ولحسن الحظ ليس لدينا سباق تسلح نووي آخر".

ويتابع قائلا: "ما نحن فيه هو منافسة شديدة على فرض النفوذ، فروسيا كقوة تحتل مكانة أقل مما كان عليه الاتحاد السوفيتي وكذلك أقل مما عليه الولايات المتحدة الآن كقوة عظمى".

وبالتالي، ماذا عن المستقبل؟ فمع احتدام سباق الرئاسة الأمريكية، قد تعتقد موسكو بصورة كبيرة أن لديها الحرية الكاملة في الوقت الحاضر لتفعل ما تريد. وهناك أدلة على أنها تنوي استخدامها لتشكيل مجموعة من مناطق الصراع بأسلوب يواجه فيها الرئيس القادم في البيت الأبيض أمرا واقعا.

الرئيس السابق للاستخبارات الخارجية البريطانية (إم أي 6) يعتقد بأن عصر فكر "السلام الأمريكي" قد انتهى

ويذكرنا هذا الموقف بما حدث عام 2008 عندما تجمدت العلاقات الأمريكية-الروسية في أعقاب الحرب الروسية-الجورجية. وخلف هذا الوضع حالة من الفوضى في سياسة إدارة الرئيس الأمريكية بوش تجاه موسكو، وهي حالة الفوضى ذاتها التي ورثها الرئيس باراك أوباما.

وهل نتذكر حالة إعادة "ضبط العلاقات" الشهيرة التي دعت إليها وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون؟ نعم، لكنها لم تأت بنتائج ملموسة.

ويشدد السير جون لبي بي سي على أن هناك، من وجة نظره، "مسؤولية كبيرة تقع هلى عاتق الرئيس الأمريكي القادم (وأرجو بشدة أن تكون هيلاري كلينتون-كما يقول السير جون) لبناء نوع مختلف من العلاقة. فنحن لا نبحث عن علاقة أكثر دفئا مع روسيا ولا نبحث أيضا عن علاقة أكثر برودا معها".

ويضيف أن "ما نبحث عنه هو تفاهم استراتيجي مع موسكو حول كيفية تحقيق الاستقرار العالمي، واستقرار في جميع أنحاء أوروبا بين روسيا والولايات المتحدة، بحيث يُبنى الاستقرار الرئيسي للعالم على أسس أكثر رسوخا مما كانت عليه".

وقال إن فكرة السلام الأمريكي "كانت قصيرة للغاية، ولم يعد لها وجود الآن".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف