الموصل المحاصرة: ثاني أكبر المدن العراقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كانت الموصل هي ثاني أكبر المدن العراقية عندما سيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" في يونيو/حزيران 2014، الأمر الذي أحدث هزة في الجيش العراقي وكانت له تبعاته حول العالم.
وبعد أكثر من عامين، بدأت القوات العراقية حملة لاستعادة الموصل، بدعم من قوات البيشمركة الكردية، وقوات الحشد الشعبي، والحشد الوطني، بغطاء جوي من قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى، غنية بالنفط، وكانت مركزا سياسيا واقتصاديا وثقافيا في شمال غرب العراق، قبل سقوطها في يد تنظيم "الدولة الإسلامية".
ويبلغ عدد سكان الموصل 1.8 مليون نسمة، وكانت واحدة من أكثر مدن العراق المتنوعة عرقيا، إذ يسكنها عرب، وأكراد وآشوريون، وتركمان، بخلاف الأقليات الدينية المتعددة.
وأُنشئت الموصل في القرن السادس الميلادي، على الضفة الغربية لنهر دجلة، على الجانب الآخر من الموقع الأثري الآشوري في نينوى، ثم امتدت المدينة عمرانيا لتطوق الموقع الأثري.
وفي القرن الثامن الميلادي أصبحت، تحت الخلافة العباسية، الموصل المدينة الرئيسية في شمال بلاد ما بين الرافدين، ومركزا تجاريا كبيرا. واشتهرت المدينة بصادراتها من الأقمشة القطنية الفاخرة، التي أطلق عليها التجار الأوروبيون اسم "موسلين" نسبة إلى الموصل.
وفي عام 1262 ميلادية، سيطر المغول على الموصل، بعد حصار دام لحوالي عام، عانى خلاله سكان المدينة بشدة.
وفي القرن السادس عشر الميلادي، سيطر الأتراك العثمانيون على الموصل. ومرة أخرى استعادت المدينة موقعها كمركز تجاري وإداري.
وبعد انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى، احتلت القوات البريطانية الموصل والأقاليم المحيطة بها. وفي عام 1926، أصبحت المدينة جزءا من الانتداب البريطاني على العراق بعد اتفاق شامل مع الدولة التركية الجديدة.
وفي نفس الوقت، استفادت الموصل بشكل كبير من تطوير آبار النفط في المنطقة. كما أصبحت مركزا لصناعات الأسمنت، والمنسوجات، والسكر.
وبعد استقلال العراق عام 1932، حاولت الحكومات المتعاقبة "تعريب" الموصل ومناطق أخرى في شمال العراق، عن طريق تهجير مئات الآلاف من الأكراد والتركمان والآشوريين، وتشجيع العرب الذين لا يملكون أراضي في وسط وجنوب العراق على الانتقال إلى الموصل.
ووصلت سياسة التعريب إلى أوجها في عهد الرئيس السابق صدام حسين، وحزب البعث، في سبعينيات القرن الماضي. وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حاول الكثير من الأكراد وغيرهم من العرقيات استعادة ممتلكاتهم التي قالوا إن النظام العراقي صادرها، الأمر الذي زاد من الاحتقان الطائفي.
وسيطرت قوات البيشمركة الكردية على العديد من البلدات والقرى المحيطة بالموصل، في محاولة لضمها إلى المنطقة الكردية المستقلة. وفي عام 2005، قاطع العرب السنة الانتخابات المحلية، مما أدى إلى سيطرة الأحزاب الكردية على الحكم في نينوى لمدة أربعة أعوام.
وتحولت الموصل إلى مركز لمقاومة الاحتلال الأمريكي بفضل السيطرة الكردية، مما أدى إلى تعرضها للتفجيرات وحوادث إطلاق النار على مدار سنوات، على يد مسلحين من تنظيم القاعدة في العراق، والموالين لحزب البعث الذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن المصالح العربية.
وفي عام 2007، انتقل الكثير من أفراد تنظيم القاعدة في العراق إلى الموصل، بعد عمليات شنها تحالف من قوات أمريكية وعراقية والقبائل السنية العربية لطرد التنظيم من المحافظات إلى الجنوب والغرب. كما أن قرب الموصل من سوريا يجعلها ممرا للمقاتلين الأجانب.
وبدأت الحياة تعود إلى طبيعتها في الموصل عام 2009، وإن كان المسلحون قد حافظوا على سيطرتهم على المدينة، وظلت من أكثر المدن العراقية خطورة.
وتصاعدت وتيرة العنف الطائفي مرة أخرى بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق في أواخر عام 2011، ووصل إلى أوجه في مطلع عام 2013، بعدما أمر رئيس الوزراء نوري المالكي، بشن هجمات على قوات تنظيم القاعدة في العراق، بالتزامن مع تحركه ضد المتظاهرين العرب السنة، المحتجين على السياسات الطائفة التي تنتهجها الحكومة.
وفي يونيو/حزيران 2014، هاجم مسلحون من تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" مدينة الموصل، وذلك بعد ستة أشهر من سيطرتهم على مدينة الفلوجة في غرب البلاد، وكذلك انتصارهم في معارك في سوريا. وانسحبت القوات العراقية، وعددها يتراوح ما بين عشرة آلاف وثلاثين ألفا، من الموصل بدون سلاحها، في مواجهة 800 من مقاتلي التنظيم.
واتجه مسلحو التنظيم نحو الجنوب، وسيطروا على الكثير من المناطق في نينوى ومحافظتين مجاورتين في غضون أيام. وهرب حوالي نصف مليون شخص من منازلهم خوفا من الهجوم.
وبعد أيام، أعلن التنظيم تأسيس "الخلافة"، وتغير اسمه ليصبح "الدولة الإسلامية".
وظهر أبوبكر البغدادي، قائد التنظيم، لأول مرة منذ سنوات، وألقى خطبة الجمعة من الجامع الكبير في الموصل، مطالبا المسلمين بالهجرة إلى أراضي الدولة الإسلامية.
وفي البداية، بدا أن الكثيرين من سكان الموصل السنة رحبوا بمسلحي التنظيم.
لكن حركة المعارضة بدأت تزيد بعد أكثر من سنتين تحت الحكم القاسي للتنظيم، إذ شهدت المدينة عمليات قطع رؤوس وبتر علنية، ومُنع التدخين، وأُجبرت النساء على ارتداء زي يغطي كامل أجسامهن في الأماكن العامة. كما شكا سكان المدينة من ظلم ومراقبة التنظيم لهم، وكذلك نقص المياه والكهرباء والوقود.
وبدأ تنظيم "الدولة الإسلامية" في تدمير التراث الثقافي في الموصل، الأمر الذي أثار سخطا عالميا. وانتشرت مقاطع فيديو يظهر فيها أفراد التنظيم وهو يهدمون المواقع التراثية الإسلامية والمسيحية المعروفة، ويحطمون الآثار الموجودة في متحف الموصل، ويدمرون التماثيل الضخمة في موقع "بوابة نركال" الأثري في نينوى.
وشنت القوات الحكومية العراقية حملة لاستعادة الموصل في أكتوبر/تشرين الأول 2016، ويُقدر عدد سكان المدينة الحاليين بحوالي مليون نسمة، بدؤوا في مقاومة حكم تنظيم "الدولة الإسلامية".
وقطع التنظيم رأسي رجلين بعد كتابة حرف "ميم"، في إشارة إلى كلمة "المقاومة"، على عدد من جدران المدينة. كما قُتل أكثر من 50 شخصا للمشاركة في ترتيب تمرد ضد حكم التنظيم.
وتشير التقديرات إلى أن عدد مقاتلي التنظيم في الموصل يتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف، واستعدوا للدفاع عن سيطرتهم على المدينة بحفر الأنفاق، وتفخيخ الكباري، وتجهيز السيارات المفخخة، وتجنيد الأطفال كجواسيس، وذلك بحسب مسؤولين عراقيين وأمريكيين.