من الظل إلى «زعيمة العالم الحر»
ميركل تعلن ترشحها لولاية رابعة مستشارة لألمانيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
برلين: أعلنت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل الاحد لحزبها ترشحها لولاية جديدة في منصبها بينما يرى فيها انصارها الحصن الاخير في مواجهة صعود الشعبويين الذي عكسه قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الاوروبي وفوز دونالد ترامب بالرئاسة الاميركية.
وأعلنت ميركل (62 عامًا) ترشحها رسميا في اجتماع لمسؤولي حزبها المحافظ الاتحاد المسيحي الديموقراطي في برلين، مؤكدة امامهم انها ترددت كثيرا ومنبهة الى ان الانتخابات التشريعية في سبتمبر أو اكتوبر 2017 لن تكون سهلة، وفق ما نقلت مصادر قريبة من الحزب لفرانس برس.
واعتبر أحد كوادر الاتحاد المسيحي الديموقراطي ستانيسلاف تيليش ان "انغيلا ميركل تجسد الرد على الشعبوية السائدة، هي تكاد تكون نقيض ترامب".
ووصفتها جوليا كلوكنر احدى القريبات منها داخل الحزب بانها "ضمان استقرار وثقة في مرحلة اضطرابات". وميركل تشغل هذا المنصب منذ احد عشر عاما، وهو رقم قياسي في السلطة في الدول الغربية.
أقوى امراة في العالم
وتمكنت ميركل ابنة القس التي نشأت خلف الستار الحديدي، من الارتقاء خلافا لجميع التوقعات، الى المستشارية الالمانية، حيث أثبتت عن أطول حياة سياسية بين جميع القادة الغربيين.
لم يكن أحد يتصور في خريف 2005، بعد فوزها الشاق على المستشار الاشتراكي الديموقراطي اللامع غيرهارد شرودر، أن تحصل المسؤولة المحافظة التي تفتقر الى الكاريزما، من مجلة "فوربز" على لقب "اقوى امراة في العالم" على مدى ست سنوات على التوالي.
ونجحت انغيلا ميركل التي باتت برأي أنصارها "زعيمة العالم الحر" بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة، خلال أحد عشر عاما من السلطة، في فرض أسلوبها الخارج عن الأنماط المعروفة، اسلوب يمزج بين الذكاء الشديد في خوض علاقات القوة، والبراغماتية القصوى التي تحمل أحيانا على اتهامها بعدم امتلاك قناعات، والافتقار الى البراعة الخطابية.
وغاب نظراؤها السابقون عن الساحة الدولية مثل جورج بوش وتوني بلير وجاك شيراك وسيلفيو برلوسكوني، وهي لا تزال تمسك بزمام السلطة في المانيا؟
وتبقى ميركل الملقبة في الصحافة الألمانية "الأم أنغيلا" تيمنا بالام تيريزا، بدون منافس في بلدها، ولو ان شعبيتها تراجعت بعدما فتحت أبواب المانيا أمام مليون لاجئ.
وأثار قرارها وإصرارها على التمسك به بالرغم من الانتقادات مفاجأة كبيرة. وكانت أنغيلا دوروتيا ميركل المولودة كاسنر والتي نشأت في ريف جمهورية ألمانيا الديموقراطية، تعرف قبل ذلك بميلها الى عدم التصدي للراي العام.
"ميركيافيل"
بدت المستشارة لوقت طويل وكأنها لا تكترث لمقام منصبها، ولا سيما مع قلة اهتمامها بملبسها وعدم اتقانها الفن الخطابي.
وهي تعيش في شقّة لا تملك وسائل الترف في وسط برلين، وهواياتها المعروفة قليلة جدا: الاوبرا والنزهات في منطقة تيرول الجبلية مع زوجها الثاني يواكيم ساور، وهو عالم يفضل البقاء بعيدا عن الحياة العامة.
وتشاهد بانتظام في سوبرماركت متدني الاسعار قريب من منزلها في برلين، حيث تشتري الجبنة والنبيذ الأبيض.
واحتفاظ ميركل بسلوكها ومظهرها العاديين، بقي لفترة طويلة ضمانة لشعبيتها لدى الناخبين.
وعلى الصعيد السياسي، كان أسلوبها في الحكم ما بين وصولها الى السلطة في 22 نوفمبر 2005 وأزمة اللاجئين يتسم بالبراغماتية، مع فترات من التردد على هوى توجهات الرأي العام، ما حمل منتقديها على اتهامها بالانتهازية.
وقال الخبير السياسي تيلمان ماير من جامعة بون لوكالة فرانس برس انها تميل الى "الانتظار لفترة طويلة على الدوام، قبل التفوه أخيرا بكلام حاسم".
ووصل الأمر بعالم الاجتماع اولريش بيك الى ابتكار مفهوم أطلق عليه اسم "ميركيافيل" لوصف النهج الذي تتبعه، وهي كلمة مركبة من اسم المستشارة والسياسي والمفكر الايطالي ماكيافيل، لوصف أسلوبها في الحكم القائم على مزيج من التريث والحزم.
عاشت انغيلا ميركل حياة من التقشف في ألمانيا الشرقية، بعدما قرر والدها الانتقال من الغرب إلى الشطر الشيوعي من البلاد للمساهمة في نشر التعاليم المسيحية في الدولة الشيوعية.
حصن في وجه التحولات
كانت انغيلا ميركل في صغرها تلميذة موهوبة تحب الرياضيّات واللغة الروسية. وتابعت دروسها الجامعية في ظل النظام الشيوعي حتى حصولها على شهادة دكتوراه في الكيمياء. وبعد سقوط جدار برلين في نهاية 1989، انخرطت في العمل السياسي، أولا كمتحدثة باسم آخر حكومة في المانيا الشرقية، ثم بانخراطها في الاتحاد المسيحي الديموقراطي المحافظ بزعامة هلموت كول.
والمستشار "العملاق" آنذاك هو الذي عرض عليها أولى مسؤولياتها الوزارية. وكان في ذلك الحين يلقبها بتودد "الطفلة".
وفي العام 2000، اغتنمت فضيحة مالية داخل حزبها لإبعاد مرشدها في السياسة، ثم خصومها الرجال الواحد تلو الآخر، وقد أساؤوا تقدير قوة تلك المرأة التي كانت مترددة في بداياتها ولم تكن تولي مظهرها أي اهتمام.
وبعد خمس سنوات حصلت على التكريس فأصبحت أول امرأة مستشارة لألمانيا، قبل أن يجدد لها الناخبون ثقتهم مرتين.
وهدوء هذه المسؤولة السياسية التي احتفظت باسم زوجها الأول، ليس سوى واجهة. فسرعان ما فرضت نفسها على الساحة الدولية، إلى حدّ باتت بمثابة حصن في وجه التسلط التركي أو الروسي، والمنحى الانعزالي الذي تتخذه الولايات المتحدة وأزمة ما بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي.
ويمكن للمستشارة أن تظهر تشددا صارما، كما في تعاطيها مع مسالة الديون اليونانية، ولو حرك ذلك في اوروبا الأفكار النمطية القديمة عن النزعة العسكرية الألمانية.
وهذا الانضباط الصارم لقي تقديرا كبيرا بين مواطنيها، إلى حدّ جعل لقبها "الأم" (موتي) ينتشر بشكل واسع بين أنصارها، ولو انه كان بالاساس ساخرا.