أمسية حول التعايش المجتمعي والسلم الأهلي في السعودية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الرياض: في أمسية ثقافية وطنية تميزت بكثافة حضورها وتنوع مشاركيها، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف أربعة متحدثين من مختلف مناطق المملكة هم: الدكتور عيسى الغيث، والدكتور مسفر القحطاني، والدكتور زيد الفضيل، والدكتور محمد العسكر للحديث حول "الوطن وضرورات التعايش المجتمعي والسلم الأهلي" وأدار الندوة راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب الذي بدأ حديثه بالإشارة إلى أن هذه الندوة تأتي امتدادا للقاء الأخير لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني والذي كان تحت عنوان "التعايش المجتمعي وأثره في تعزيز اللحمة الوطنية". وأكد على أن المنتدى يسعى منذ تأسيسه على طرح هذه المواضيع ضمن أهدافه الأساسية لتقوية الروابط المجتمعية والابتعاد عن مسببات التوتر المجتمعي والصراعات المذهبية، مشيرا إلى العديد من المبادرات التي انطلقت من محافظة القطيف لذات الغرض.
بدأ الدكتور عيسى الغيث - رئيس مركز الوسطية للأبحاث، وعضو مجلس الشورى – حديثه حول ضرورات التعايش المجتمعي ومقوماته بالإشارة إلى أن الاختلاف سنة كونية ومن الواجب التعامل معها عبر التوافق بين مختلف المكونات الاجتماعية، عبر افساح المجال لحرية الفكر والتعبير على ألا تتجاوز حقوق الآخرين. وأكد على أن حماية السلم الأهلي هو من واجبات الدولة بسلطاتها الثلاث، كما أنه أيضا واجب يقع على القطاع الأهلي ومؤسساته لمقاومة الكراهية وتعزيز التعايش، ومن خلال العمل المشترك بين الوسطيين والمعتدلين في الوطن.
وأشار الدكتور الغيث على أن المملكة تنعم بحالة أفضل بكثير من بعض الدول القريبة، فمع أن فيها حوالي 140 قبيلة و13 منطقة إلا أن حالة الأمن والاستقرار فيها تعتبر نموذجية، مشيرا إلى أن الاندماج الاجتماعي لا يعني تذويب المكونات المتنوعة مطلقا. وتناول الدكتور الغيث إشكالية التعبير والانتماء للهويات الخاصة – سواء كانت مذهبية أو قبلية - مقابل الهوية الوطنية الجامعة، مشيرا إلى أنها تحدث شروخ في الخطاب الوطني ولهذا ينبغي تجاوز الشعور بالمظلومية والتعبير عن القضايا المختلفة ضمن إطار وطني عام. وتحدث عن نظامية الإجراءات التي تمت في مجلس الشورى حول اصدار قانون حماية الوحدة الوطنية والذي صوت أكثرية أعضاء المجلس ضده باعتباره خطوة ينبغي المواصلة في طرحها والمطالبة بها.
مهددات السلم الأهلي
وتحدث بعده الدكتور مسفر القحطاني – أستاذ جامعي وباحث في الفكر الإسلامي – حول محور مهددات السلم الأهلي وتحدياته متناولا السلم الأهلي باعتباره أحد أهم مقاصد الشريعة، باعتبار أن الشريعة قائمة على الضمان المصلحة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود أمن وسلم أهلي مستشهدا بالعديد من الآيات الكريمة وأقوال العلماء والمقاصديين كابن عاشور. كما أوضح أن السلم الأهلي يعتبر ركيزة أساسية في أولويات الدولة الوطنية، حيث أن دساتير الأمم تؤكد على دور الدولة في حفظ السلم الأهلي والأمن المجتمعي اللذان يشكلان أساس السياسة والاستقرار في أي دولة.
وعدد الدكتور القحطاني أبرز مهددات السلم الأهلي، ومنها التمترس خلف الهويات المذهبية والتي اعتبرها من أخطر الهويات التي تدفع للعنف والصدام مع الآخر وتحطيمه، وتوهين الهويات الجامعة كالدين والوطن الجامعين حيث يتم التحول لانتماءات أولية وجزئية. وأضاف أن من بين المهددات أيضا غياب التعددية الواعية في المجتمع بسبب عدم التعارف وينتج عن ذلك التنابز والتراشق كما نراه في مواقع التواصل الاجتماعي، وغياب العدالة التي أكدت عليها الرسالات السماوية جميعها. وواصل أن من بينها أيضا هيمنة المترفين وطغيان المجرمين والتي تتطلب المدافعة بالتي هي أحسن لمعالجتها، وأخيرا الشعور بالخوف والقلق لدي بعض الفئات الاجتماعية وتعالج بالمزيد من الحريات التي يمكن أن تطلق الإبداع وتبعث أجواء مطمئنة للجميع.
تناول الدكتور زيد الفضيل – الكاتب والباحث الإعلامي – موضوع دور المجتمع والاعلام في تعزيز السلم والتعايش، حيث أكد على أن الإعلام يلعب دورا محوريا في تصعيد التوتر القائم حاليا وذلك بسبب غياب الوعي، فالخلافات الدينية والمذهبية ليست بجديدة ولكنها كانت محصورة وجاء الاعلام الجديد ليقذف بها الى عموم الجمهور ويخرجها للشارع. وانتقد في حديثه الفضائيات الطائفية التي ينجرف لها الناس دون وعي، وكذلك الإعلام الايدلوجي والحزبي وخاصة ضمن الإطار الديني الذي يهدد السلم الأهلي عبر تحوله من خطاب وحدوي الى مثير للنعرات الطائفية والمذهبية.
الحكومات مسؤولة
وحول دور الجهات المسئولية، أوضح الدكتور الفضيل أن الحكومات تقع عليها مسئولية منع مولدات الاحتقان بإغلاق القنوات الفضائية الطائفية ومنع بثها، كما أن الجهات التشريعية ملزمة بسن تشريعات وقوانين صارمة لمواجهة الاعلام الطائفي أيا كان شكله، ومن اللازم أيضا تعزيز الخطاب المعتدل واستيعاب مختلف أشكال التنوع في المجتمع. أما حول دور الأفراد والمجتمع، فطالب الدكتور الفضيل بتعزيز حالة الوعي إزاء كل موضوع وعدم الانسياق حول القضايا الطائفية، وتعزيز حالة الرفض للإعلام الطائفي وكذلك لحالة الاصطفاف والتمترس حولها.
واستعرض الدكتور محمد العسكر – كاتب ومستشار سابق بوزارة البترول – في مشاركته تجارب التعايش في ظل التعددية والتنوع، متحدثا عن تجربته الشخصية حيث أنه من مواليد منطقة نجران ذات الأغلبية الإسماعيلية، وعاش في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، وعمل في الرياض ذات الأغلبية السنية. وتساءل الدكتور العسكر حول أزمة التعايش التي نمر ومبررات طرح هذا الموضوع، ويرده إلى الاختلاف المتعنت في الفكر بسبب حالة التشدد والتكفير، موضحا أن هناك رغبة جامحة لدى الجميع لتأكيد الترابط وتفعيل الحوار وتعزيز المشتركات التي تؤسس لتقوية اللحمة الوطنية، مطالبا بتفعيل قوانين صارمة تحد من الانجرار للصراعات البينية.
وتناول في حديثه تجربة شركة أرامكو السعودية في المنطقة الشرقية التي استطاعت عبر أنظمتها وبيئتها الإيجابية إذابة الفروق بين مختلف المكونات المتواجدة فيها وخلق روح عمل إيجابية بينهم جميعا. كما تحدث عن المجتمعات في مكة المكرمة ومنطقة نجران وكونها من المناطق المنفتحة اجتماعيا ومذهبيا وتعايش فيها المواطنون من مختلف المناطق والفئات. وأشار إلى أهمية إبراز هذه التجارب المحلية والوطنية عند الحديث عن التعايش في المجتمع لنستلهم منها الدروس والمعارف عن الوضع الاجتماعي والثقافي الذي أدى إلى هذا النوع من التعايش بين مختلف المكونات.
في بداية المداخلات، انتقد الأستاذ خالد النزر الطرح الإيجابي والصور الوردية التي أبرزها المحاضرون باعتبار أن هناك مشاكل جذرية وحقيقية ينبغي التنبه لها وإبرازها، وأن الشعوب العربية لديها القابلية للتأثر بالإعلام الطائفي والقبول به. وأكد الأستاذ علي الرضي على ضرورة قانون حماية الوطنية، وهو ما أكده أيضا الأستاذ عبد العزيز الحسن والأستاذ صالح العمير الذي طالب بقرارات رسمية تحد من التوتر الطائفي والتصعيد المذهبي.
وتحدثت الأستاذة سارة الجشي حول الشعور بالدونية والتمييز بين المواطنين وضرورة معالجتها بقوانين واضحة، وأشارت الأستاذة نجاة بوحليقة إلى أهمية معالجة وتطوير مناهج التعليم كي تواكب حاجات المجتمع وتكون أدارة مؤثرة في التصحيح. وانتقد الأستاذ علي البحراني استخدام مصطلح التعايش بين أبناء الوطن الواحد المشتركين في التاريخ والجغرافيا. وأكد الأستاذ محمد المسكين على أن قضايا الصراعات المذهبية واضحة وجلية وتحتاج لمعالجة جذرية وحاسمة.
وأكد الشيخ حسن الصفار على دور النخبة الثقافية الواعية التي ينبغي أن تتسامى على المؤثرات القائمة، فالصراعات الحالية هي سياسية بالأساس وهناك محاولات لمذهبتها من مختلف الأطراف، مؤكدا على ضرورة مواصلة مبادرات التواصل ضمن إطار وطني شامل. وأكد الأستاذ أحمد العبد النبي على أن هناك أزمة أخلاقية تعيشها مجتمعاتنا وخاصة ممن يمارسون الاستعلائية والفوقية في الخطاب مشيرا إلى الحاجة الى ميثاق أخلاقي وطني. وأشار الأستاذ أحمد الخرمدي على أهمية السلم الأهلي والمجتمعي الذي يتوافق مع توجهات القيادة، واعترض الأستاذ علي شعبان على تكرار إقامة مثل هذه الندوات دون الوصول إلى نتائج ملموسة بسبب عدم ملامسة القضايا الأساسية والجذرية. وأكد الأستاذ محمد المصلي على الآثار المدمرة للتمييز السائد في العديد من المجتمعات وعلى ضرورة منع القنوات الفضائية الطائفية، كما أشار الأستاذ عارف الفضلي إلى أن مداخلات الحضور تعبر عن وعي وواقعية لديهم، وأنه من الضروري العمل على إيجاد حلول سليمة، ومطالبة بإصدار قانون لحماية الوحدة الوطنية.