البابا وترامب: رسالة متناقضة

أرخى كلام البابا عن مسيحية ترامب بظلاله على المشهد في غير مكان، لا سيما لجهة مقاربة الأمور السياسية والاجتماعية من قبل الرجلين، ففي حين يسعى البابا إلى معالجة الأمور انطلاقًا من نظرة قائمة على العدالة الاجتماعية، يبدو ترامب أقرب إلى تقسيم العالم بين رابح وخاسر.&واشنطن: في غمرة السباق الرئاسي الذي تشهده الولايات المتحدة، والمناظرات الحامية بين المرشحين من الحزبين الكبيرين، انطلق سجال طغى على اخبار الحملة الانتخابية، ودفع نجومها الى الظل، وقد تمثل باندلاع الحرب الكلامية بين البابا فرنسيس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب.&وقد أعلن البابا فرنسيس، في ختام زيارته للمكسيك، ان ترامب ليس مسيحيًا، وذلك في أطار رده على مواقف ترامب من المسلمين والمهاجرين، فيما يرى البابا ان هذه قضية أكبر من أي اعتبارات دبلوماسية تتطلب منه عدم التعليق.&&بابا سياسي!&ومنذ جلوس البابا فرنسيس على الكرسي الرسولي أدرك أهمية الاعلام في لفت الانتباه الى آرائه، وفي هذا الاطار تأتي زيارته المشحونة بالدلالات السياسية الى منطقة الحدود الاميركية &- المكسيكية، وهو نفسه البابا الذي توقف عام 2014 في بيت لحم ليصلي امام جدار كُتبت عليه شعارات تطالب بعودة القدس الى الفلسطينيين. &&ويقول منتقدوه في الولايات المتحدة، وأكثرهم من الكاثوليك المحافظين، إن فرنسيس "بابا سياسي" ينفذ أجندة يسارية تندد بالرأسمالية وتردي البيئة، فيما كان ترامب قد اتهم البابا بالتدخل في السياسة والانحياز الى جانب المكسيك بزيارته منطقة الحدود، حتى قبل تصريحات الحبر الأعظم، رغم ان الأخير وجه انتقادات لاذعة لأمراض المجتمع المكسيكي ايضا ، بما في ذلك المرض والفقر وعصابات المخدرات وانعدام فرص العمل والتعليم للشباب.&&وقال مراقبون إن نزاع البابا وترامب جاء وكأنه مفصل على قياس الاعلام الاميركي، ولكن ما يفوت وسائل الاعلام في تغطية هذا النزاع ان كلاهما تمكنا من تشخيص تيارات واحدة في المجتمع الاميركي الذي يفيض بمشاعر الغضب والاحباط والاغتراب الروحي واللامساواة الاقتصادية. &&ومن وجهة نظر اوروبية، فإن ترامب نسخة مضخمة من شعبويين مثل مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، بحيث يحققون رصيدهم من الشعبية على حساب المهاجرين والمسلمين، مع استغلال عامل الركود الاقتصادي في البلاد.&&وكتب المعلق السياسي الايطالي ماسيمو فرانكو في صحيفة كوريري ديلا سيرا &أن "ترامب زعيم الشعبوية المتنامية، وهي صناعة ثقافية لها مقلدون في عدد من بلدان اوروبا الشرقية بالدرجة الرئيسية، بالإضافة إلى فرنسا وايطاليا والدنمارك والدول الاسكندنافية ايضا". &&واضاف فرانكو: "هذ يعبر عن رفض وكراهية تجاه الأجانب مصدرهما الخوف وانعدام الأمان الاقتصادي وان ترامب اخذ يصيح رمز مسيحية أنانية وعنصرية، وهذا بنظر البابا يمثل الجمع بين نقيضين لا يلتقيان".&&نظرة مختلفة&وقال جيفاني ماريا فيان، رئيس تحرير صحيفة لوسرفاتوري رومانو الناطقة باسم الفاتكيان، في مقابلة هاتفية مع صحيفة نيويورك تايمز: "إن كل بابا يتمتع ببعد ديني وسياسي معًا، فالبابا يوحنا بولس الثاني كان سياسيًا معروفًا بسبب دوره خلال الحرب الباردة في اسقاط الستار الحديدي بين الشرق والغرب، وكذدلك هي الحال مع البابا فرنسيس، ولهذا السبب يستهدفونه".&&وفي حين ان شعبويين مثل ترامب ولوبان يحمّلون الأجانب مسؤولية الآفات الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعهم، فإن البابا فرنسيس يشير الى لامساوة بنيوية سببها النظام الرأسمالي العالمي.&&ويمثل ترامب الرأسمالية في جوانبها البشعة، لكن مسؤولين في الفاتيكان اكدوا ان البابا لم يكن يهاجم ترامب شخصيا أو يحاول التأثير على الناخبين الاميركيين، وقال المتحدث باسم الفاتكيان فيدريكو لومباردي لاذاعة الفاتيكان: "إن البابا قال ما نعرفه جميعًا حين نتبع تعاليمه وآراءه، وهو أن علينا ألا نقيم حواجز، بل أن نبني جسورًا". &&&وكان البابا تحدى اساقفته أنفسهم ان يكونوا أكثر تواضعًا وان ينزلوا الى الشارع ويتعاشوا مع المحرومين، كما وانتقد ثقافة الاستهلاك والهدر التي يشكل الفقراء والمهاجرون أول ضحاياها، وعلى النقيض من ذلك، فإن ترامب يفضل تقسيم العالم الى رابحين وخاسرين.&&وفي هذا الإطار، فقد روى البابا في قداسه الختامي على الحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة قصة مدينة نينوى التوراتية، التي كانت تدمر نفسها نتيجة الظلم والاثم والعنف وغياب العدل، فأرسل الله اليها النبي يونس ليحذر ملكها ان يغير هذا الوضع وإلا فان المدينة ستهلك، فاستمع الملك الى تحذير النبي يونس وأُنقذت نينوى، ويرى مراقبون ان البابا فرنسيس يرى نفسه حاملًا لرسالة مماثلة.&

&