أخبار

المفكر والمؤرخ الإيطالي الأقرب إلى ابن خلدون 

فيكو مناهضًا لعقلانية ديكارت

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لست أدري لماذا ظلّ العرب يجهلون إلى حد هذه الساعة، المفكر والمؤرخ الإيطالي المرموق جيامباتيستا فيكو (1686-1744) صاحب كتاب "العلم الجديد" الذي ترجم إلى العديد من اللغات ما عدا العربية على ما أظن! والحال أن فيكو هو الاقرب إلى ابن خلدون من كلّ المفكرين والمؤرخين الغربيين الاخرين. 

كما أن قراءته مهمة في هذا الزمن الذي يسود فيه التزمت، وتكثر فيه الفتاوى الصفراء، ويحرّم فيه التفكير الحر، بل تحاكم فيه الاحاسيس، والعواطف، والاذواق، وحب الحياة، ويدان فيه كلّ من تمرد على الجمود والانغلاق، طامحًا إلى فتح آفاق واسعة أمام إنسان عربي جُرّد من كل قدرة على التعبير عن إنسانيته، وعن وجوده. 

وقد أثر كتاب فيكو "العلم الجديد" في كبار الروائيين المعاصرين من أمثال جيمس جويس، وصاموئيل بيكت. لكن علينا أن نقرّ بأن عظمة فيكو لم تنكشف لأهل الفكر والثقافة في الغرب إلاّ بعد وفاته بسنوات مديدة. بل لعلّها لم تنكشف لهم سوى في القرن العشرين. أما في حياته فقد كان المدركون لسعة علمه، وعمق تفكيره نادرين. 

وفي السيرة التي خصصها لنفسه، كتب فيكو يقول: "على جمهورية الاداب التي أثقلت كاهلها وفرة الكتب ألاّ تقبل بتحمل ما يمكن أن يضاعف من ذلك. لذا علينا ألاّ نقدّم لها سوى الكتب التي تحتوي على الإكتشافات الجديدة، الاكثر إفادة للناس". 
 
وكان فيكو محقّا في ما قال، ومنسجمًا مع نفسه تمام الإنسجام إذ أنه لم يؤلف طوال حياته التي امتدت إلى 76 عامًا سوى عدد قليل من الكتب، غير أنها كانت جميعها نافعة ومفيدة. 

وأول كتاب انجزه كان بعنوان:"Ratione"، وفيه حدّد البعض من مفاهيمه حول الثقافة، والعلم، والتاريخ. وفي الاصل كان الكتاب المذكور نصّ محاضرة ألقاها فيكو في جامعة "نابولي" حيث كان يدرّس، وفيها كان يتجنّب البلاغة الرنانة التي كانت سائدة في عصره، والتي كانت تزعجه أكثر مما يزعجه "طنين الذباب". والذين استمعوا إلى تلك المحاضرة كانوا في جلّهم من أعيان المدينة، ومن الطلبة والاساتذة. 

وفي محاضرته، طرح فيكو الاسئلة الجوهرية التي كانت تحيّره: لماذا ندرس؟ وما هي الفائدة التي يجنيها المجتمع من التعليم؟ وما هو دور التعليم في ازدهار الثقافة والاداب؟ وكيف نرتقي بالاداب إلى مستوى عالٍ؟ وكان هدف فيكو من هذه الاسئلة التصدّي للأفكار الفلسفية التي كانت قد شاعت في عصره، والتي كان الفيلسوف الفرنسي ديكارت عَلمًا من أعلامها. 

وكما هو معلوم، كان العقل بالنسبة لصاحب "خطاب الطريقة" هو المرشد، والدليل. وهو "المنقذ من الضلال"، و"الهادي إلى الحقيقة". 

غير أن فيكو كان معارضًا لهذا الخطاب الذي جاء به ديكارت، ومتناقضًا معه إذ أنه كان يرى فيها خطرًا على الخيال، وعلى الحساسية، وعلى العواطف والمشاعر الإنسانية، وعلى المكونات الأخرى التي تساهم في تقدم المعرفة. وقد اتهم فيكو معاصريه من أتباع ديكارت بـ "ملء رؤوس" الشباب بكلمات كبيرة، وبنظريّات تقودهم الى عالم بارد، أو إلى ما سمّاه بـ"البربرية الفكرية". 

ويعتقد فيكو أن الإنسان في عملية إكتسابه للمعرفة لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يعتمد على العقل فقط، وإنما هو يحتاج إلى جميع ملكاته الأخرى. 

وفي محاضرته، أدان فيكو العقلانية المفرطة التي تؤدي بحسب رأيه إلى الفراغ الأخلاقي، وإلى الجفاف الروحي. وبذلك يصبح المثقف عاجزًا عن فهم الحياة في جريانها!. وقد اعتبر كتاب "العلم الجديد" أوّل كتاب انتقد الحداثة الاوروبية في جانبها العقلاني. 

كما أنه كان منتقدًا لفلسفة الأنوار قبل ظهورها. والان وقد بدأ الكثير من الناس يشكّكون في قدرة العقل البشري وحده على اكتشاف الحقيقة، وفي أن العلم يمكن ان يحقق السعادة للبشرية، عاد كتاب "العلم الجديد" ليكتسب أهمية كبيرة لم يكتسبها من قبل أبدًا! وهو يعتبر من أوائل الكتب التي تصدت بالنقد الحديث للحداثة. 

والنظرية الاساسية في هذا الكتاب هي التالية: بإمكان علم التاريخ أن يبلغ دقة قد تكون أسمى وأعلى من الدقة التي تتوصل اليها العلوم الفيزيائيّة، ذلك أن هذا العلم يهتم بعالم ابتكره البشر انفسهم. لذا هو يكون اكثر وضوحًا من الطبيعة التي هي من ابتكار الله. ويعتبر المفكر البريطاني ايزياه برلين أن كتاب "العلم الجديد" هو من اول الكتب التي انتقدت فلسفة الانوار التي ظهرت في القرن الثامن عشر، مبينًا انه ليس بامكان البشر أن يصنعوا التاريخ اعتمادًا على المبادئ العقلانية. 
 
فيكو وهوميروس:
 
من الفصول المهمة في كتاب "العلم الجديد"، الفصل الذي خصصه فيكو لشاعر اليونان الاعظم هوميروس. وهو يقول إن صاحب "الالياذة" و"الاوديسة" ظهر قبل ميلاد الفلسفة والعلوم الرياضية والفيزيائية. 

لذا جاءت أعماله عاكسة للبدائية. ولطقوسها وتقاليدها المتصفة بالعنف والخشونة. فالالهة في أعماله تخوض معارك طاحنة، وتصاب بجروح بليغة، وترمى بحجارة تصيب رأسها. وفي معاركهم، يضع اليونانيون السّمّ في سهامهم. 

وهم يرفضون دفن القتلى من اعدائهم، بل يتركونها تتعفن في العراء لتنهشها الكلاب السائبة، والطيور الجوارح. ومعنى هذا أن هوميروس وصف طبائع وعادات سبقت التحضر والتمدّن اللذين ستتصف بهما حياة اليونانيين في ما بعد. 

ومعنى هذا أن ما يأتي به ابطاله من افعال موسومة بالشراسة، والتكبر، والخالية من التعقل والتبصر يدل على أن لهم طبائع الاطفال الذين يمتلكون خيالاً واسعًا وثريًا، غير ان تفكيرهم يظل ناقصًا ومحدودًا إن لم يكن منعدمًا اصلاً. 

ويخلص فيكو إلى الاستنتاجات التالية:

1 - الصور الشعرية المستوحاة من المواضيع الوحشية لا يمكن لأي شاعر آخر أن يأتي بمثلها بعد هوميروس

2 - الوحشية التي تتميز بها المعارك والتمثيل بالقتلى تشكل الجانب الغريب والمدهش في "الالياذة"

3 - هذه الاحكام وهذه الصور، وهذه الوصفات والبيانات لا يمكن ان تصدر عن فكر فلسفيّ، هادئ، ومستقر، ولطيف. 

4 - طبائع وسلوكيّات ابطال هوميروس تشبه طبائع وسلوكيات الاطفال ذوي العقول الخفيفة، والنساء ذوات الخيال الملتهب والفتيان ذوي الانفعالات الحادة والعنيفة، وبالتالي لا يمكن ان تكون ناتجة عن فلسفة ما وممثلة لها. ويضيف فيكو قائلاً بأن هوميروس كتب "الالياذة" في فترة الشباب. 

لذلك نحن نعاين أن بطلها اخيل هو دائمًا في حالة اندفاع وتوثب للمعارك. والغضب يلازمه في كل آن، وفي كل حين بحيث يمكن القول انه هو الذي يتحكم في كل فعل يقوم به. 

أمّا "الاوديسة" فقد كتبها هوميروس في فترة نضجه، حيث نجد البطل اوليسيس يلجأ إلى الحيلة وإلى الذكاء لمواجهة المصاعب التي تعترضه. ويعتقد فيكو ان هوميروس كان أعمى بالفعل اذ انه يذكر أن الشعراء الذين ينشدون اشعارهم على مآدب الامراء كانوا عميانًا. 

ولعله يريد أن يلمح من خلال ذلك إلى أن العميان مثله يمتلكون خيالاً واسعًا، وذاكرة عجيبة. وقد يكون هوميروس شاعرًا أعمى وفقيرًا يتنقل بين الاسواق لينشد اشعاره على الناس. 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
معارك الترجمة
جبار ياسين -

حقا لماذا يتبارى المترجم الفلاني مع المترجم الفلتاني في ترجمة ماهو مترجم مسبقا وقبل سنوات حتى صارت لدينا ترجمات كثيرة للشاعر الواحد. كل مترجم يترصد الآخر وهكذا نسي المترجم الفلاني ان يترجم الكتاب لكنه سيتحفز بقوة شباب اخيل و وحشيته لتمزيق ترجمة عديقه المترجم الفلتاني. والالياذة مستمرة نتفا وشتما . اللهم لا تجعلنا من المترجمين .

معارك الترجمة
جبار ياسين -

حقا لماذا يتبارى المترجم الفلاني مع المترجم الفلتاني في ترجمة ماهو مترجم مسبقا وقبل سنوات حتى صارت لدينا ترجمات كثيرة للشاعر الواحد. كل مترجم يترصد الآخر وهكذا نسي المترجم الفلاني ان يترجم الكتاب لكنه سيتحفز بقوة شباب اخيل و وحشيته لتمزيق ترجمة عديقه المترجم الفلتاني. والالياذة مستمرة نتفا وشتما . اللهم لا تجعلنا من المترجمين .

معارك الترجمة
جبار ياسين -

حقا لماذا يتبارى المترجم الفلاني مع المترجم الفلتاني في ترجمة ماهو مترجم مسبقا وقبل سنوات حتى صارت لدينا ترجمات كثيرة للشاعر الواحد. كل مترجم يترصد الآخر وهكذا نسي المترجم الفلاني ان يترجم الكتاب لكنه سيتحفز بقوة شباب اخيل و وحشيته لتمزيق ترجمة عديقه المترجم الفلتاني. والالياذة مستمرة نتفا وشتما . اللهم لا تجعلنا من المترجمين .

معارك الترجمة
جبار ياسين -

حقا لماذا يتبارى المترجم الفلاني مع المترجم الفلتاني في ترجمة ماهو مترجم مسبقا وقبل سنوات حتى صارت لدينا ترجمات كثيرة للشاعر الواحد. كل مترجم يترصد الآخر وهكذا نسي المترجم الفلاني ان يترجم الكتاب لكنه سيتحفز بقوة شباب اخيل و وحشيته لتمزيق ترجمة عديقه المترجم الفلتاني. والالياذة مستمرة نتفا وشتما . اللهم لا تجعلنا من المترجمين .

معارك الترجمة
جبار ياسين -

حقا لماذا يتبارى المترجم الفلاني مع المترجم الفلتاني في ترجمة ماهو مترجم مسبقا وقبل سنوات حتى صارت لدينا ترجمات كثيرة للشاعر الواحد. كل مترجم يترصد الآخر وهكذا نسي المترجم الفلاني ان يترجم الكتاب لكنه سيتحفز بقوة شباب اخيل و وحشيته لتمزيق ترجمة عديقه المترجم الفلتاني. والالياذة مستمرة نتفا وشتما . اللهم لا تجعلنا من المترجمين .

معارك الترجمة
جبار ياسين -

حقا لماذا يتبارى المترجم الفلاني مع المترجم الفلتاني في ترجمة ماهو مترجم مسبقا وقبل سنوات حتى صارت لدينا ترجمات كثيرة للشاعر الواحد. كل مترجم يترصد الآخر وهكذا نسي المترجم الفلاني ان يترجم الكتاب لكنه سيتحفز بقوة شباب اخيل و وحشيته لتمزيق ترجمة عديقه المترجم الفلتاني. والالياذة مستمرة نتفا وشتما . اللهم لا تجعلنا من المترجمين .

معارك الترجمة
جبار ياسين -

حقا لماذا يتبارى المترجم الفلاني مع المترجم الفلتاني في ترجمة ماهو مترجم مسبقا وقبل سنوات حتى صارت لدينا ترجمات كثيرة للشاعر الواحد. كل مترجم يترصد الآخر وهكذا نسي المترجم الفلاني ان يترجم الكتاب لكنه سيتحفز بقوة شباب اخيل و وحشيته لتمزيق ترجمة عديقه المترجم الفلتاني. والالياذة مستمرة نتفا وشتما . اللهم لا تجعلنا من المترجمين .