إيران لا تزال تنتظر جني ثمار الاتفاق النووي، فهل تلعب أوروبا دورا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ليز دوسيت
كبيرة مراسلي الشؤون الدولية
في أحد الفنادق الشهيرة في العاصمة الإيرانية طهران، ينشغل العاملون بتغيير أعلام الدول.
حينما وصلنا إلى هناك في الساعات الأولى من يوم السبت برفقة أكبر وفد للاتحاد الأوروبي يزور إيران منذ أكثر من عقد من الزمن، برزت طاولة في الردهة عليها نباتات للزينة من فصيلة الزنبقيات وأمامها العلم الأزرق للاتحاد الأوروبي المكون من 12 نجمة بمحاذاة العلم الإيراني ذي الألوان الثلاثة.
وبحلول وقت الغداء، بدأ علم الهند في الظهور ليزاحم من أجل مساحة له على الطاولة للترحيب بوزير الخارجية الهندي، بينما يجهز العاملون في الفندق العلم الروسي بمناسبة قرب وصول بعثة تجارية من موسكو.
وفي وقت لاحق، سمع في الردهة نغمة غير متوقعة، وهي النشيد الوطني الأمريكي.
مرحبا بكم في طهران بعد ثلاثة أشهر من رفع العقوبات ومرور عام تقريبا على الاتفاقية النووية التاريخية التي فتحت أبواب إيران أمام العالم.
لكن بعيدا عن الأعداد المحدودة لكن متزايدة من السائحين الأمريكيين الذين بدأوا في التدفق إلى إيران للاستمتاع بالتراث وحسن الضيافة في إيران، فإن الشركات والمسؤولين الأمريكيين لا يزالون محجمين عن زيارتها.
ولا يزال انخراط الشركات والمسؤولين الأمريكيين في إيران مقيدا بسبب العقوبات المالية الأمريكية والتي لا يمكن رفعها إلا بقرار من الكونغرس، ولا توجد إشارة في الأفق على أن ذلك سيحدث قريبا وهو ما يعقد الأمور على الجميع.
حينما زارت مفوضة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني مقر وزارة الخارجية الإيرانية الفخم برفقة وفد يضم سبعة من المفوضين بالاتحاد، تحدثت عن "فتح صفحة جديدة" في العلاقات الأوروبية الإيرانية.
وبابتسامة مليئة بالأمل، رحب وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بما سماه "بداية جديدة" في العلاقات مع أوروبا.
فائدة اقتصاديةلكن وفي مؤتمر صحفي كبير، ظل الصحفيون الإيرانيون يسألون عن العراقيل المصرفية الأمريكية التي تصيب الجميع بالإحباط بدءا من الأفراد الذين يحاولون إجراء تحويلات مصرفية دولية إلى المستثمرين المحتملين الذين يطلبون تمويلا لصفقاتهم التجارية.
وردت موغريني على تساؤلات الصحفيين لتؤكد لهم إن "الأوروبيين لديهم نفس الاهتمام مثل الإيرانيين بتسوية هذه القضية".
أبلغني أحد الخبراء البازرين في الاتحاد الأوروبي في مجال العقوبات إنه لا يجب على الشركات الأوروبية أن تخشى من عواقب العقوبات التي لا تزال مفروضة على إيران.
لكن البنوك والشركات الأوروبية الكبرى، خاصة تلك المرتبطة بالولايات المتحدة، لا تزال قلقة، إذا أنها تخشى من أنها قد تتورط عن غير قصد في شبكة اللوائح والإجراءات المتبقية.
لا تزال هناك عقوبات سارية على إيران مرتبطة باتهامها بـ"دعم الإرهاب"، وانتهاك حقوق الإنسان وكذلك المخاوف بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية.
وأكد ظريف أن "إيران والاتحاد الأوروبي سيضغطان على الولايات المتحدة لتسهيل تعاون البنوك غير الأمريكية مع إيران".
ومن المعروف أن موغريني حتى أثارت هذه القضية مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي إن هناك اتصالات مع المسؤولين الأمريكيين بشأن هذه القضايا "بصورة يومية".
ويدرك المسؤولون الأمريكيون الذين لعبوا دورا مهما في إبرام الاتفاق النووي التاريخي حاجة إيران لأن ترى عوائد اقتصادية من هذا الاتفاق.
لكنهم يؤكدون أيضا على أنهم أفووا بالتزاماتهم وفقا للاتفاق. وهؤلاء المسؤولون يواجهون أيضا ضغوطا من النواب الجمهوريين في الكونغرس المعارضين بشدة لأي انفتاح على طهران من الأساس.
مخاطروهناك مشكلة أخرى تواجه المستثمرين المهتمين بالاستفادة من السوق الإيراني الذي يوجد به 80 مليون مستهلك، وهذه المشكلة هي النظام المبهم لإيران.
حين جلست مع ظريف برفقة ثلاثة صحفيين آخرين سافروا مع وفد موغريني لطهران، نفى الوزير الإيراني بشدة التقارير التي تقول إن أكثر من نصف اقتصاد بلاده يدار من قبل كيانات مرتبطة "بهيئات شبه حكومية" من بينها الحرس الثوري الإيراني، الذي يخضع لعقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ومن المعروف أن هذه الهيئات منخرطة في أنشطة صناعية من النفط وحتى الاتصالات.
وقال ظريف: "ليس لدي أرقام دقيقة، لكن يمكنني أن أؤكد لكم أن الاقتصاد الإيراني ضخم وهذه النسب غير متناسبة تماما مع الواقع."
وحينما قلنا له "أقل بكثير من نصف الاقتصاد"، فرد علينا قائلا "بالتأكيد".
وشدد على أن إيران ستفي بالتزاماتها للتعاون مع المؤسسات التنظيمية في قضايا مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
لكن بالرغم من قلقه الواضح، فإن ظريف لم يردد نفس التحذير الذي أطلقه رئيس البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف قائلا إن الاتفاق النووي مع الدول الكبرى المعروف باسم "خطة العمل المشتركة الشاملة" محفوف بالمخاطر حاليا.
وقال ظريف إن "خطة العمل المشتركة الشاملة ليست في خطر (حاليا)"، لكنه حذر من أنها عرضة للخطر.
وأضاف: "أعتقد أن الإيرانيين متفاؤلون للغاية بشأن المستقبل ورؤية فوائد الانخراط (مع المجتمع الدولي). لكنهم إذا لم يروا تغييرا، فإنهم سيغيرون رأيهم".
في معظم الحوارات التي سمعتها في طهران، كان هناك شعور بأن الأمل لا يزال موجودا.
وقالت فتاة إيرانية تدعى شقايق خلال جولة تسوق في سوق مزدحم بطهران: "كنت سعيدة جدا حينما جرى التوصل للاتفاق النووي. لم يحدث تأثير بعد (لهذا الاتفاق)، لكنني متأكدة من أنها سيحقق أشياء جيدة للجميع تدريجيا."
وأعربت امرأة أخرى تدعى نيجين عن نفس الشعور قائلة: "رفع العقوبات لم يخفض الأسعار كما كنا نأمل، لكننا سنشهد نتائج إن شاء الله."
واستمعت في نفس ردهة الفندق أيضا إلى نوعين من الناس.
يقول رجل الأعمال الباكستاني كورام سعيد وهو يرفع صحيفة وفي صفحتها الأولى صورة لمجموعة كبيرة من المستثمرين المحتملين خلال مشاركتهم في مؤتمر للصناعات البتروكيماوية: "جئت إلى هنا خمس أو ست مرات. لكن الأمر كله خدعة. لا يحدث شيء لأنه لا يمكننا أن نجد تمويلا، وكل شيء يعتمد على الولايات المتحدة".
كان يجلس بالقرب مني رجل إيراني تبين أنه مرشد سياحي، وقال لي بنبرة يملؤها الحماس: "لدي أفواج عديدة من السائحين الأمريكيين."
لكن نبرته الإيجابية تغيرت، حينما أضاف قائلا: "نصف الزائرين الأوروبيين ألغوا زياراتهم مؤخرا."
يعود شعور هذا المرشد السياحي بخيبة الأمل إلى القيود الجديدة على التأشيرات التي فرضتها الولايات المتحدة والتي تطالب الأشخاص الذين سافروا إلى دول محددة في الشرق الأوسط من بينها إيران بالحصول على تأشيرات لدخول الولايات المتحدة.
لكن عازف البيانون في الردهة غير النغمة التي كان يعزفها، إذ أنه استبدل سريعا النشيد الوطني الأمريكي الذي كان يعزفه بنغمة أخرى لأغنية شعبية شهيرة لفريق البيتلز.