السلطات تفرض رقابة صارمة على النقاشات المتعلقة بها
50 عاما على الثورة الثقافية... الصين ترفض التقييم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لزم الاعلام الصيني الرسمي الصمت ازاء الذكرى الخمسين لبدء الثورة الثقافية، على غرار السلطات التي لا تزال تمنع النقاش حول هذه الحقبة الصاخبة والدامية في تاريخ الصين، حيث مازال ضحايا القمع ينتظرون اعترافا من القتلة وتعويضا لما حصل لهم.
لندن: بعد مرور 50 عاما على مقتل والد تشين شوشيانغ خلال احداث الثورة الثقافية في الصين ما زال الابن يتساءل ماذا حدث لجثة والده المضرجة بالدماء. &
ويحتفظ تشين بورقة مهترئة سمحت له بالمرور عبر الانقاض التي خلفتها الثورة الثقافية ودفع مبلغ من المال الى حشد الطلاب الهائجين الذي ضربوا والده حتى الموت كي يحرقوا جثمانه.
لم يعثر تشين قط على جثه والده. وهو منذ مقتل والده يأمل بالتوصل الى اجابات، منتظرا ان يأتي الطلاب الذين قتلوا والده نادمين في الكبر ويعتذروا عن فعلتهم. ولكن احدا لم يأت.
الصين تنتظر التقييم&
وما زال تشين ينتظر ومعه الصين، تقييما صريحاً لأحداث الثورة الثقافية التي فجرها الزعيم ماو تسي تونغ في النصف الثاني من ستينات القرن العشرين.&
وقال تشين البالغ من العمر 72 عاما الآن وهو معلم متقاعد يعيش شمال غرب بكين قرب المكان الذي عاش فيه والده "ان والدي قبل مقتله لم يُسمح له حتى برشفة ماء، وهذا امر لا أُريد التفكير فيه حتى الآن ولكني أُريد أن اسمع كلمة من الذين فعلوا هذا به. &لماذا اختاروا والدي؟ &وماذا حدث لرماده؟"
بعد نصف قرن على ثورة ماو الثقافية لتحشيد الجماهير الصينية بدعوى تطهير البلاد من الأعداء الطبقيين يرى كثيرون عاشوا تلك الأحداث الدموية ان شبح تركتها ما زال يلاحق الصين طالباً اجابات.
ومنذ البداية الرسمية لاشعال الثورة الثقافية في 16 ايار/مايو عام 1966 حتى انحسارها بوفاة ماو في 1976 يُقدر ان مليون شخص أو أكثر قُتلوا وتعرض عشرات الملايين الى الملاحقة وأُصيب الاقتصاد الصيني بالركود ودُمرت آلاف المعالم التاريخية والثقافية.
اعلن الحزب الشيوعي الصيني رسمياً ادانته للثورة الثقافية في عام 1981 معترفاً بأنها "مسؤولة عن أخطر تراجع وأفدح الخسائر" التي تكبدتها الصين الشيوعية منذ تأسيسها عام 1949.&
ولكن القيادة الصينية لم تذهب الى حد اجراء مراجعة نقدية لتلك الفترة بل ان الحزب الشيوعي اصبح مؤخرا أشد عداء لكل من يحاول تقييم قيادة ماو رافضاً ان يواجه الأسئلة الحساسة عن سلطته وسلطة الحزب المطلقة أو ان يعيد احياء وقائع أصبح فيها المرتكبون أنفسهم ضحايا في احيان كثيرة.
وكثيرا ما يكون من المتعذر على المؤرخين في الصين ان ينشروا ابحاثاً عن الثورة الثقافية.
والكتب المقررة في المدارس تقفز على هذه الفترة وكثير من الشباب ليس لديهم أي فكرة بأن المدارس كانت ساحات قتال للطلاب المتشددين الذين كانوا معروفين باسم "الحرس الأحمر".
وهذا العام لم تنظم الحكومة أي فعاليات بمناسبة الذكرى وأبدت عدم رضاها عن مظاهر الحزن العامة. &
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن تشين بنغ الذي كان طالبا حين قُتل والد المعلم المتقاعد تشين "ان الحزب الشيوعي يمسك مقاليد السلطة وهذه بقعة سوداء ضده. &وإذا مضى بعيدا في اذاعة تلك الفترة فان هذا سيكون بمثابة تلطيخ سمعته بنفسه".
وقال العديد من الناجين والحراس الحمر السابقين والمؤرخين ان الصمت الرسمي أجاز الشعور بحنين خطير الى عهد ماو.
لن تتكرّر
ويستبعد هؤلاء تكرار الثورة الثقافية مشيرين الى ان الرئيس شي جينبنغ ليس ماو تسي تونغ والمجتمع الصيني أقل جمودا وانغلاقاً الآن.
ولكن كثيرين اعربوا عن قلقهم من عودة الأساليب السياسية القاسية والتشدد الايديولوجي والتوجهات الاستبدادية التي أججت ممارسات الحرس الأحمر، جيش ماو السياسي من المراهقين. &
وكانت عائلة الرئيس شي نفسها من ضحايا الثورة الثقافية بتطهير والده بناء على قرار من ماو ثم تعرضه الى ملاحقات الحرس الأحمر، ويُعتقد ان الحرس الأحمر دفع شقيقته الى الانتحار، وكان شي نفسه يتنقل من مكان الى آخر في بكين عندما اجتاحتها اعمال العنف.
ولكن في انعطافة ما زالت تحير المؤرخين ابدى شي اعجابه بقيادة ماو علناً ومنذ تولى الحكم عام 2012 رصد منتقدون آثار ماو في نهج شي بقمع المعارضة وتركيز السلطة بيده.
وقال الحارس الأحمر السابق بو ويهوا انه "إذا لم تُطرد اشباح الثورة الثقافية وسُمح لها بالنمو سننزلق باتجاه ثورة ثقافية أخرى".
حملة ضدّ الخصوم
واوضح المؤرخ الصيني يانغ جيشنغ الذي تعرض الى ضغوط من الدولة بسبب دراسته النقدية للفترة الماوية ان الثورة الثقافية كانت حملة ماو للتخلص من خصومه في الداخل الذين أغوتهم الرأسمالية والمساومات "التحريفية" للاتحاد السوفيتي مع العدو الطبقي.
وشكل الطلاب مجموعات من الحرس الأحمر لفرض إرادة ماو الذي منحهم مباركته ثم تصاعدت الاضطرابات. &
وكان مصطلح "الثورة الثقافية" متداولا في الصين قبل اشهر على اندلاع الاضطرابات.
وقال المسؤول الحكومي هوانغ هسين باي لصحيفة التايمز وقتذاك "نحن نريد تمكين طلابنا من التحلي بالروح الثورية الفولاذية نفسها التي حركت الرجال في النضال من أجل الثورة".
بعد يوم على وقوع والد تشين بيد الحرس الأحمر طلب منهم ان يكتبوا ورقة تسمح له بالذهاب الى جامعة بكين كي يدفع تكاليف حرق جثمان والده الى مجموعة الحرس الأحمر هناك التي كانت تعمل باسم مجموعة "الراية الحمراء". ولكنه سمع عند مدخل الجامعة ان اعمال ضرب وحشية وقعت خلال الليل وان جثتين نُقلتا الى مكان مجهول. وإذ شعر تشين بالخوف فانه غادر المكان دون ان يرى جثة والده. وهو ما زال يحتفظ بالورقة.&
تعويضات&
بعد وفاة ماو في عام 1976 تلقت عائلة تشين تعويضا عن مقتل الأب قدره 2500 رينمبي أو ما يعادل 380 دولار بسعر الصرف الحالي ولكنه كان مبلغاً كبيرا وقتذاك. &كما اعطت جامعة بكين تصريحاً تعترف فيه بأن الحرس الأحمر في الجامعة قتل والده.
ولكن تشين لفت الى ان احدا لم يتقدم لتحمل المسؤولية عن مقتل والده.
عملت بينغ شياومينغ، التي كانت عضوا في مجموعة "الراية الحمراء" في جامعة بكين، وهي الآن في اواخر الستينات من العمر، &محررة في مجلة اقتصادية تصدر في بكين باسم مغاير.
وحين اتصلت بها صحيفة نيويورك تايمز هاتفياً بدت مندهشة من أن يسألها أحد عن احداث وقعت قبل 50 عاما ولكنها قالت انها لا تتذكر واقعة ضرب والد تشين حتى الموت أو انها كانت تنتمي الى مجموعة من الحرس الأحمر اسمها "الراية الحمراء". &ثم اضافت "ليس لدي شيء آخر أقوله".
وقال تشين بصوت متهدج "ان هؤلاء الناس كلهم هكذا حتى الآن، كلهم يتهربون من المسؤولية ويقولون "لم أكن في المدرسة ، لم أكن في الاجتماع ، لا أعرف".
واضاف تشين "انهم بعد 50 عاما ما زالوا لم يكتسبوا أي فهم" لجسامة تلك الأحداث.
الاعلام يلزم الصمت
لزم الاعلام الصيني الرسمي الصمت الاثنين ازاء الذكرى الخمسين لبدء الثورة الثقافية، على غرار السلطات التي لا تزال تمنع النقاش حول هذه الحقبة الصاخبة والدامية.
ففي 16 مايو 1966 انطلقت رسميا "الثورة الكبرى الثقافية البروليتارية"، وتواصلت عقدا من الزمن قلب المشهد السياسي الصيني رأسا على عقب.
ولم تنشر صحيفة الشعب الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الاثنين اي مقال حول هذه الذكرى، في حين اكتفت صحيفة "غلوبال تايمز" الرسمية بنشر خمس فقرات من مقال لوكالة فرانس برس، حول نجاح جامعي القطع الاثرية خلال هذه الحقبة دون اي تعليق.
وفي 1981 وصفت الثورة الثقافية رسميا بالخطأ "الخطير" لماو تسي تونغ الذي "زرع الفوضى في البلاد وانزل كارثة بالحزب والدولة وبكل الشعب". واكتفت السلطات بهذا القدر ومنعت النقاش حول هذه الفترة الحساسة.
وردا على سؤال للصحافيين خلال المؤتمر الصحافي المعهود في وزارة الخارجية قال المتحدث "ان الحكومة الصينية اعلنت موقفها الحقيقي من هذه الحقبة منذ زمن".
وفرضت رقابة على النقاشات حول هذا الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكتب تعليق على موقع تويتر الصيني حذف سريعا وجاء فيه ان الثورة الثقافية "تسببت باسوأ الم للطبيعة البشرية والحقت ضررا بثقافتنا الوطنية ودمرت قيمنا الاخلاقية".