استفتاء الاتحاد الأوروبي: هل يُسعد خروج بريطانيا بوتين؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ستيفن روزنبرغ
بي بي سي نيوز- موسكو
ليس بالضرورة أن تكون بريطانيّا حتى تدلي برأيك في قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
خلال الأسابيع الماضية عبر العديد من زعماء العالم عن وجهات نظرهم في الاستفتاء البريطاني حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، ودعم غالبيتهم بقاء لندن في الاتحاد.
وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما مخاطبا البريطانيين: "إذا ما أشارت عليكم دول قريبة منكم ترتبطون معها بعلاقات خاصة أنه من الأفضل لكم الحفاظ على العلاقة الحالية مع الاتحاد الأوروبي، فالأمر بالفعل يستحق الاهتمام به."
أما رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، فقال: "بريطانيا تحتاج أوروبا وأوروبا بحاجة إلى بريطانيا."
لكن ماذا قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
بالتأكيد لم يقل شيئا. حافظ الكرملين على صمته حيال هذا الأمر.
لكن هذا الصمت لم يمنع روسيا من الانجرار إلى الجدل الدائر حول قضية الخروج. ومؤخرا قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، إن بوتين "ربما يصبح سعيدا" إذا ما تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبي.
أما فيليب هاموند، وزير خارجية بريطانيا، فكان أكثر صراحة وقال: "إذا أردنا الحقيقة فإن البلد الوحيد الذي يفضل مغادرتنا الاتحاد الأوروبي هو روسيا، وهذا الموقف ربما يخبرنا الكثير الذي نريد معرفته."
وتأكيدات مثل هذه تدفع المسؤولين الروس إلى إظهار انزعاجهم.
وردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا ساخروفا قائلة إنهم "يلومون روسيا على كل شيء، ليس فقط في بريطانيا ولكن في العالم أجمع."
وقالت: "على سبيل المثال، نراقب حملات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ويأتي ذكرنا فيها، لذلك فهذا ليس مفاجأة لنا. لكن روسيا لا تملك شيئا لتفعله حيال خروج بريطانيا، لسنا منخرطين في الأمر ولسنا مهتمين بهذا المجال."
لعبة صفريةوروسيا في الواقع "ليست منخرطة في الأمر"، وبعد كل هذا لن يشارك الناخبون الروس في تحديد مصير بريطانيا سواء بالخروج أم البقاء في الاتحاد الأوروبي.
لكن قولها "لسنا مهتمين بهذا المجال"، مثار نقاش وجدل.
وأشار سيرغي مدفديف، من مدرسة موسكو العليا للاقتصاديات إلى أنه حال خروج بريطانيا إذا ما تسبب في أزمة في الاتحاد الأوروبي، " فإنها ستكون دعاية انتصار محلية".
وأقر بأن حسابات الكرملين بسيطة: خروج بريطانيا = اتحاد أوروبي أضعف = روسيا أقوى.
وقال: "ترى موسكو كل شيء من منظور أنه لعبة محصلتها صفر".
وتابع: "لذلك فإن ما هو شر للاتحاد يكون خيرا لروسيا، إنها هكذا ببساطة، لكن الروس لا يفكرون بنظرة بعيدة في أن الاتحاد الأوروبي أكبر شريك اقتصادي لهم، وفي مسألة السفر بدون تأشيرة، وسيكون هناك تكاليف نقل أكبر على رجال الأعمال الروس. لا، إنهم لا يفكرون بهذه الطريقة: إنها إما / أو".
وكجزء من "اللعبة" الجيوسياسية، فإن موسكو ترعى العلاقات الثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي التي تراها "مقربة" من موسكو، مثل اليونان والنمسا والمجر وسلوفاكيا.
ويتمثل أحد الأهداف في كسر الإجماع داخل الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على روسيا. ويسعى الكرملين لصداقة مع دول الاتحاد حتى تلك التي تبنت موقفا أكثر تشددا تجاه موسكو.
وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا في عام 2014 بعد ضمها شبه جزيرة القرم ، ثم تصاعدت العقوبات بعد سيطرة انفصاليين موالين لروسيا على شرقي أوكرانيا.
واستضاف بوتين الزعيم البافاري هورست سيهوفر، مطلع العام الحالي، والمعروف بانتقاده للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
وجاءت الدعوة في إطار استراتيجية "فرق تسد" الكلاسيكية.
واتهمت بعض الحكومات الغربية الكرملين بمحاولة زرع الفتنة في الاتحاد الأوروبي من خلال دعم وتشجيع الأحزاب القومية في أوروبا.
الاتحاد الأوروبي "في أزمة كبيرة"ويقول فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير صحيفة روسيا في الشؤون الدولية إن "روسيا لن تبكي كثيرا إذا كان الاتحاد الأوروبي سينحدر إلى تراجع أكبر، لكن للأمانة لن نضطر لبذل مجهود كبير."
ويضيف: "ويرجع هذا لأن الاتحاد الأوروبي في أزمة مفاهيم عميقة جدا، ونشأت قوى مناهضة لأوروبا ورافضة للأجانب، ليس بسبب دعم موسكو. ولكن بسبب التناقضات الداخلية العميقة في الاتحاد الأوروبي."
ويتابع: "الحقيقة أن أي منافسين أو معارضين بالخارج يحالون استخدام المشاكل الداخلية لمصلحتهم، وهذا للأسف شيء طبيعي بالنسبة للسياسة".
وبخلاف العقوبات هناك سبب آخر لاستياء روسيا من الاتحاد الأوروبي، يتمثل في أنها تعتبره ناديا أنشئ حصريا لتهميش دور روسيا.
وحضرت مطلع العام الحالي لقاء في موسكو بين أعضاء بالبرلمان الروسي وسياسيين وصانعي سياسات أوروبيين.
وفي خطابه زعم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما، كونستانتين كوساتشيف، أن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) انتهكا ميثاق باريس (باريس تشارتر)، والذي شكل نهاية الحرب الباردة.
وقال كوساتشيف "تشير الوثيقة إلى ثلاث منظمات دولية قد تحدد مستقبل أوروبا والعالم، الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومجلس أوروبا، ولا توجد إشارة واحدة للناتو. والإشارة للاتحاد الأوروبي كانت مرة واحدة في قسم الاقتصاد والتجارة.
"كان من المتوقع أن تقرر الحكومات الوطنية مستقبل أوروبا، ولكن الناتو والاتحاد الاوروبي لا ينويان بناء أوروبا على قدم المساواة".
وفشل السيد كوساتشيف في أن يذكر أنه بعد مرور عام على ميثاق باريس، تفكك الاتحاد السوفيتي، وتغير وجه أوروبا.
وقد تأسس الاتحاد الأوروبي نفسه فقط في عام 1993، عندما جاء ليحل محل الجماعة الاقتصادية الأوروبية (EEC). وعندما كانت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا أكثر دفئا، ونادرا ما اتهمت موسكو بروكسل بانتهاك ميثاق باريس.
حتى لو أضعف خروج بريطانيا الاتحاد الأوروبي، فإن موسكو على يقين من أنها لا تزال بحاجة إلى العلاقة مع بروكسل.
ويقول فيودور لوكيانوف "حتى لو كان الاتحاد الأوروبي ضعيفا فسيظل اتحادا"، "بالنسبة لروسيا سيكون من الأسهل التعامل مع بلدان منفردة، وخاصة الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، لكنني لا أعتقد أن أحدا في موسكو يعتقد بإمكانية حدوث هذا".