تصاعد الأحزاب القومية الرافضة للبقاء
باريس: فقدان الثقة يحتم إجراء تغيير في آلية الإتحاد الأوروبي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من باريس: أظهر تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي الأزمات التي يعاني منها الإتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالإندماج الإجتماعي بين دوله الأعضاء، ففي وقت يعتبر فيه الفرنسيون سياسة الإتحاد الأوروبي ليبرالية اكثر مما هو مطلوب يرى البريطانيون أن المعاملات الإدارية والقوانين الداخلية التي فرضها الإتحاد الأوروبي أدت إلى تراجعه وجعلت منه هيكلاً في قارة عجوز وسط تخوف أوروبي من أن يكون لخروج البريطانيين تأثيرُ الدومينو على باقي دول الإتحاد الأوروبي، حيث تتصاعد شعبية الأحزاب القومية المتطرفة التي تريد الخروج من الإتحاد الأوروبي والرافضة للهجرة المتنامية من دول أوروبا الشرقية، وتلك الوافدة إليها من خارج أوروبا على غرار هولندا والدانمارك وفرنسا وإيطاليا والنمسا. &
رأى الإتحاد الأوروبي النور تدريجيًا منذ تشكيله عام 1950 وانضمت بريطانيا إليه عام 1973، واحتفظت بوضعية خاصة فيه إذ لم تدخل فضاء شينغين ولم تكن يومًا عضوًا في منطقة اليورو.&
وعارضت فرنسا في حقبة الجنرال شارل ديغول مرتين &دخول بريطانيا في الإتحاد الأوروبي في عام1963 &و1967، واعتبر الرئيس الفرنسي آنذاك، الجنرال شارل ديغول، أن قبول بالمملكة المتحدة عضوًا في الإتحاد الأوروبي، لن يكون سوى عضوية كذابة ستؤدي إلى زوال صرح بُني بالكثير من العناء ووُضعت عليه آمالٌ كبيرة، لأن جنرال شارل ديغول لطالما اعتبر أن المملكة المتحدة تظل أقرب إلى الولايات المتحدة من الدول الأوروبية، على الرغم من موقعها الجغرافي.&
عدة أزمات عصفت بالكيان الأوروبي لم تصل سابقًا إلى خروج دولة&
عانى الإتحاد الأوروبي في السنوات الماضية من أزمات مالية بعد وصول اليونان إلى شفير الإفلاس عام 2008،&وكانت ازمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين عام 2015 &الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، وأظهرت الإنقسامات العامودية بين دوله الأعضاء التي بادر قسم منها وفي إجراء مستقل إلى إقفال حدوده، ما هدد حرية التنقل في الفضاء الأوروبي الموحد، إضافة إلى خطر الإرهاب الذي ضرب باريس وبروكسيل، وتبين أن القوانين الأوروبية المعمول بها مكنت الجهاديين من التنقل بحرية إلى حين تنفيذ هجماتهم. ولكن على الرغم من كل الأزمات التي عصفت بكيان الإتحاد الأوروبي منذ ستين عامًا، &فهو استطاع السير إلى الأمام حتى جمع 28 دولة عضوًا إلى أن أتى تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي ليشكل سابقة من نوعها في انسحاب دولة من الكيان الأوروبي الموحد الذي بات يضم 27 دولة.&
باريس: فقدان الثقة بالمشروع الأوروبي الموحد يحتم إجراء تغييرات&
اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن قرار البريطانيين الخروج من الإتحاد الأوروبي يحتم علينا اليوم إعادة دراسة ما يفتقر إليه العمل الأوروبي الموحد، &بعدما فقدت الشعوب الأوروبية الثقة بالمشروع الذي يحمله الإتحاد وسط تزايد خطر الأحزاب القومية، المتطرفة وكي تسير أوروبا إلى الأمام عليها أن تخرج من سياستها الحالية.&
وحدد الرئيس الفرنسي أربعة اهداف للمرحلة المقبلة تتمثل بتعزيز الأمن والدفاع لحماية حدود الإتحاد الأوروبي،&وزيادة الإستثمارات لتدعيم النمو وخلق فرص عمل جديدة وتنسيق ضرائبي وإجتماعي وتدعيم منطقة اليورو وحوكمتها &الإقتصادية،&في إطار مشاريع أوروبية لا يجب ان تضيع في معاملات إدارية. &
وتعتبر مصادر قصر الرئاسة الفرنسية في تصريحات إعلامية&أن مقتضيات عصرنا تتطلب شيئًا جديدًا، فالنقاش الأوروبي لطالما كان محصورًا بالآليات وليس الأهداف، ونحن نريد اليوم&أن يغير الألمان طريقة تفكيرهم، بعدما رأوا ما يمكن أن يأتي به أيُ استفتاء.
ألمانيا تعتبر أن أي تعديل في قوانين الإتحاد الأوروبي يجب ان يكون في إعادة مناقشة المعاهدات الموقعة، وهو ما ترفضه باريس لأن أي تعديل في أي معاهدة يجب أن يمر عبر استفتاء شعبي، وهو ليس مضمون النتائج اليوم.&
اليمين المتطرف دعا إلى استفتاء على غرار بريطانيا في فرنسا&
سارع حزب الجبهة الوطنية، اليمين المتطرف للدعوة إلى تنظيم استفتاء مماثل&في فرنسا، واعتبرت رئيسته مارين لوين انه في حال انتخابها رئيسة للجمهورية فهي ستعمد لإعادة دراسة المعاهدات مع الإتحاد الأوروبي، وسيتم طرحها في استفتاء شعبي حول بقاء أو خروج فرنسا من الإتحاد الأوروبي.
ايلي حاتم المستشار السياسي لمؤسس حزب الجبهة الوطنية جان ماري لو بين يقول لـ "إيلاف"، إن هيكلية الإتحاد الأوروبي كما هي عليه حاليًا تمحي إستقلالية الدول من&الناحية الإقتصادية والسياسية أيضًا وكما أعلن نايجل فاراج رئيس حزب إستقلال بريطانيا إنها عودة نحو إستقلالية بريطانيا.&
تابع: أعتقد أن الفرنسيين إذا سئلوا اليوم أو طُلب منهم في استفتاء ماذا يريدون؟ البقاء أو الخروج من الإتحاد الأوروبي، فهم سيصوتون بـ 'نعم' &للخروج من الإتحاد الأوروبي على غرار البريطانيين، وستكون فكرة أوروبا ومشروع المكوث أو الخروج من الإتحاد الأوروبي في صلب الحملات الإنتخابية للرئاسيات القادمة عام 2017، وكان حزب الجبهة الوطنية أول حزب في فرنسا ينادي ضد المكوث في الإتحاد الأوروبي والهيكلية التي هو فيها التي تفرض أن تكون القوانين الفرنسية متطابقة مع القوانين الأوروبية، وهناك شعور أنه ليست هناك استقلالية في فرنسا بل هناك نوع من الديكتاتورية التي يفرضها الإتحاد الأوروبي في بروكسيل على باقي أعضائه.&
خروج البريطانيين من الإتحاد الأوروبي: من المستفيد ومن المتضرر؟&
انقسمت ردود الفعل بين فريق سياسي، ضم الأحزاب القومية و المتطرفة، رأى في تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي دعمًا لمعتقداته السياسية وخروجًا عن ديكتاتورية بروكسيل، وفريق آخر تمثل بخبراء المال حذر من تداعيات سلبية على الإقتصادين الفرنسي والبريطاني معًا.&
وأسفرت نتائج الإستفتاء إلى صدمة في الأسواق الأوروبية، حيث خسر الجنيه الإسترليني 12 بالمئة من قيمته للمرة الاولى&منذ 30 عامًا وخسر اليورو 4,5 بالمئة من قيمته العادية، فيما هوت البورصات الأوروبية &إلى ما دون 13 بالمئة غداة إعلان النتائج.&
أشرف العيادي، خبير مصرفي ومالي، يتوقع في حديث لـ "إيلاف" بأن تكون حجمُ الإستثمارات التي قد تأتي إلى بريطانيا في السنوات القادمة أقل بكثير من تلك المعهودة، لأن العديد من المؤسسات المالية والمصارف والشركات المتعددة الجنسيات التي كانت تعمل عبر لندن في بقية دول الإتحاد الأوروبي ستخسر الإمتيازات التي كانت مستقرة من أجلها في لندن، وسوف تكون مجبرة على تحويل العديد من عملياتها ومكاتبها إلى عواصم أخرى مثل باريس وفرانكفورت ولوكسمبورغ وبروكسيل بحد أقل. &
القطاعات الأكثر تضررًا&
يعتبر قطاع النقل البري والجوي أكثر المتضررين بعد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، حيث ستفقد شركات النقل البريطانية إمكانية التنقل بحرية داخل الفضاء الأوروبي الموحد، إضافة إلى قطاع التغذية والطاقة التي يمكن ان تؤدي الرسوم على البضائع التي ستفرضها دول الإتحاد الأوروبي على الشركات البريطانية إلى خسائر مالية كبيرة لها.
أشرف عيادي: 'بطبيعة الحال، ستتأثر شركات النقل لأنه نقل جوي ولأن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي سيؤدي إلى قيود أكثر على تحرك الأشخاص والسلع والمؤسسات بين حدود بريطانيا والإتحاد الأوروبي، ولا ندري بعد كيف ستكون القيود على تحرك الأشخاص ورجال الأعمال، وأعتقد ان قطاع السياحة البريطاني سوف يتضرر من هذه الوضعية والعديد من القطاعات لأنه سوف تتم إعادة النظر في المعاهدات التي تنظم حركة السلع&والتبادل التجاري، ويمكن توقع ارتفاع في بدل الرسوم الجمركية، وهذا سيؤدي إلى مشكلة في بريطانيا لأنها تستهلك الكثير من المنتوجات التي تأتيها من أوروبا، وبالتالي بما ستعوضها، وما ستكون الكلفة الجديدة مع رسوم جمركية إضافية ولن تكون الأزمة فقط اقتصادية، لأن الجانبين البريطاني والأوروبي يحتاجان للكثير من الوقت لإعادة صياغة كل العلاقات التجارية بين الإتحاد الأوروبي وبريطانيا.&
ودعا العديد من قيادات الإتحاد الأوروبي إلى خروج فوري لبريطانيا من الإتحاد الأوروبي بعد نتيجة الإستفتاء.
يقول أشرف عيادي: إن الإتحاد الأوروبي في عجلة من أمره لأن قياداته تعلم انه إذا طالت المفاوضات فإن وضعية الأسواق وعدم الثقة سوف تتواصل طويلاً، ولذلك يدعون بريطانيا إلى الخروج سريعًا والتفاوض سريعًا.&
في المقابل، عمدت الأحزاب القومية والمتطرفة إلى استعراض النتائج الإيجابية لخروج بريطانيا منها الإقتصادية، وفي هذا الإطار يقول إيلي حاتم: ' إن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي سمح للجنيه الإسترليني بالإنخفاض، وهذا سيسمح للصادرات البريطانية أن تتكثف وتزداد، ونحن نعلم ان سياسة الولايات المتحدة الأميركية من الناحية الإقتصادية كانت تخفيض قيمة الدولار، هذا سيسمح أولاً للذين يريدون الإستثمار ويريدون شراء العقارات في بريطانيا أن يضعوه في بريطانيا، وثانيًا هناك نواحٍ ضريبية مهمة تسمح اليوم للشعوب الأوروبية أن تذهب وتضع أموالها في البنوك البريطانية لأنهم&لم يعودوا تحت وطأة السياسة الضريبية الهائلة التي تدفعها الشعوب المنتمية للإتحاد الأوروبي.&
وفي نظر الخبراء الماليين، الإتحاد الأوروبي وبريطانيا هما الخاسران الأكبر.
أشرف عيادي يعلل ذلك بالأسباب التالية:&" إن الجميع خاسرون لأن الإتحاد الأوروبي يخسر عضوًا مهماً داخله، له وزن إفتصادي كبير وكان يدفع بديناميكية معينة وكانت بريطانيا الفتى المدلل داخل الإتحاد الأوروبي واستفادت من الكثير من الإمتيازات الخاصة، لإبقائها داخل الإتحاد الأوروبي، ولكن ستخسر بريطانيا الكثير لأنها سوف ترى نفسها في عزلة إقتصادية وسياسية وعسكرية، وإن بريطانيا عادت اليوم إلى المربع الأول الذي رسمه وينستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بعد الحرب العالمية الثانية أي أن إتحاد الدول الأوروبية لا يمكن أن يكون إلا للدول في الضفة الأخرى، أما بريطانيا فهي الحليف الطبيعي للولايات المتحدة".