أخبار

جيل طفرة المواليد ساهم في خروج بريطانيا من الاتحاد

هل يزداد تعصب الإنسان كلما تقدم في السن؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من بيروت: "إنّ استفتاء انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو بمثابة لكمة وجّهها جيل طفرة المواليد إلى جيلنا"، جملة كتبها خرّيج جامعي في المملكة جاك لانرد في تعبير كتابي لـ Vox. وأضاف "سيضطر جيل الشباب إلى التعايش مع نتيجة الاستفتاء لمدّة معدّلها 69 عاماً تقريباً مع أنّه مصير فرضه عليهم  أشخاص لن يختبروه إلا لمدّة معدّلها 16 عاماً". 

والأسباب التي دفعت الناخبين البريطانيين إلى اختيار الانسحاب معقّدة. وبحسب نتائج الاستفتاء فإنّ ما حثّهم على هذا القرار هو مزيج من الشعور القومي والرغبة في تقرير المصير والقلق من الهجرة الوافدة بالإضافة إلى معلومات مضلّلة من السياسيين التي ساعدت البعض في اعتماد هذا الاتجاه.

ولكن يوماً ما، ربما قد تزداد ميول جاك لانرد وجيله للقيام بتصويت شبيه بالـBrexit. فالعلوم الاجتماعية تفيد بأنّ الأشخاص الأكبر سناً يميلون إلى التحفظ أكثر من جيل الشباب. 

وبالفعل، فالـ Brexit يطرح سؤالاً مهماً ومقلقاً: هل من المقدّر أن نتحوّل في المستقبل إلى ظلال أكثر تحيّزاً وعدوانية مما كنا عليه؟

تكمن مشكلة الإجابة عن هذا السؤال في صعوبة التمييز بين عامل ولادة جيل في جقبة معيّنة من التاريخ من جهة وعامل التقدّم في السن من جهة أخرى. ولكن لا وجود لدراسة طوليّة تتابع تغييرات التوجهات السياسية على مرّ 5 عقود متتالية. لكنّ العلماء وجدوا دليلاً على أنّ العاملين لهما تأثير.

لا شكّ في أنّ الفترة التي نولد فيها مهمة جداً من ناحية بناء نظرتنا إلى العالم. فالمواطنون الأميركيون الذين ولدوا في العشرينيات عاشوا في بلد حيث تفشّى التمييز العرقي ورُفض الزواج المثلي، في حين تختلف كلياً المعايير التي يعتمدها الأميركيون المولودون في التسعينيات (ثمة دراسات تعتبر أنّ الأحداث العالمية التي نشهدها في سن الـ 18 تترك أثراً يدوم طويلاً ليؤثر في قرارات التصويت التي نتّخذها، على الأقلّ في الولايات المتحدة. ووفقاُ لتقرير صادرعن مركز بيو للدراسات فإنّ "الأجيال تحمل معها بصمات تجاربها السياسية المبكرة).

وما هوالإثبات بأنّ التقدم في السن بحد ذاته يؤثر في طريقة نظر الإنسان إلى العالم؟

بحسب الأبحاث فإنّ شخصية الإنسان بشكل عام تكون ثابتة على مرّ حياته. لكنّ الدراسات التي أجريت في العام 2011 على 20 ألف ألماني اكتشفت معلومة قيّمة: انخفاض مستويات انفتاح الألمان الأكبر سناً تجاه التجارب الجديدة. 

ويعتبر البروفيسور في علم النفس برانت دونيلان المشارك في الدراسة أنّ هذا أمر مهم لأنّ الانفتاح بالتحديد "يميل إلى توليد اتجاهات تحرّرية". ويشدّد على أنّ حجم تأثير السن كان ضئيلاً، فالشخص المتحرّر في سن الـ 40 سيبقى على الأرجح متحرّراً في الستين من العمر، لكنّ المستوى المطلق قد ينخفض قليلاً، فقد يُعدّ شخص في الستين من عمره متحرّراً مقارنة مع أبناء جيله، لكنّه على الأرجح أقل تحرّراً مقارنة مع مجموعة من الأشخاص في سن الـ 25.

تمحورت الدراسة الألمانية حول نقطتين زمنيتين ولم تبذل جهداّ طوليّاً على المدى البعيد، لذلك لا يمكن الاعتماد عليها للاعتبار أنّ التقدم في السن غيّر درجة الانفتاح كلياً. غير أنّ أبحاثاً أخرى استنتجت أنّ هذه التغييرات المرتبطة بالسن هي نفسها في بلدان مختلفة ما يدلّ على تورّط عامل أساس. وقامت دراسة في العام 2009 بمقارنة السن والمكتسبات السياسية والشخصيات في بلجيكا وبولندا (بلدان اختلف تاريخهما كلياً بعد الحرب العالمية الثانية) ووجدت هذا النمط نفسه.

"أحد أسباب هذه التغييرات في الشخصية قد يكون ازدياد الحاجة إلى الانغلاق كلّما تقدّمنا في السن لأننا نرغب في تقليل الشك والغموض".

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ ميل الأشخاص الأكبر سناً إلى التحفظ لا يعني أنّهم لا يستطيعون اعتماد وجهات نظر أكثر تحرراً.

في العام 2007 قارنت American Sociological Review  بيانات من 25 إحصاء مختلفاً حول السلوك الاجتماعي بين العامين 1972 و2004: الأشخاص نفسهم أصبحوا أكثر تسامحاً مع تقدّمهم في السن بحسب ما أظهرت أسئلة وتصريحات عن التسامح الاجتماعي مثل "هل ينبغي أن تهتم المرأة بإدارة المنزل تاركة مسؤولية إدارة البلد على الرجل؟" أو "يحق للأشخاص البيض إبقاء الأفارقة  الأميركيين بعيداً عن أحيائهم وينبغي أن يحترم هؤلاء الأخيرون هذا الحق".  

الأفكار النمطية لدى كبار السن

اكتشف بيل فون هيبل، اختصاصي في علم النفس من جامعة كوينزلاند في أستراليا، نمطاَ مثيراً للاهتمام في اختباراته ودراساته حول السن وارتباطه بالآراء المتحيّزة. فهو يجد عموماً أنّ الأشخاص الأكبر سناً يرغبون في أن يكونوا عادلين وأن يمتنعوا عن التفكير بطريقة متحيّزة، لكنّهم يعجزون عن التحكم بأنفسهم ويشتبه فون هيبل أنّ السبب وراء ذلك هو تدهور في حالة الدماغ يرافق التقدّم بالعمر.

ويضيف أنّ أبحاث كثيرة أظهرت أنّ كبار السن يفقدون قدرتهم على كبح الأفكار التي لا يريدونها، فهم يحاولون تجنّب تأثير الأفكار النمطية في حكمهم على الأمور، لكنّهم يجدون أنفسهم يعتمدون عليها أكثر فأكثر مع العمر... إذاً فالتقدّم في السن قد يزيد من السلبية ضد الهجرة لدى الكثير من الناس. 

بتعبير آخر، مع التقدّم في السن يتعرّض الإنسان باستمرار للتفكير بطريقة نمطية، وحتى لو كان لا ينجرّ وراء هذه الأفكار، لكنّه يتعرّف إليها ضمنياً، إذاً فهي تتفعّل تلقائياً بغض النظر إن كان يريد ذلك أم لا.

إنّ السيطرة على هذه الصور النمطية والتفكير في الناس بطريقة أكثر إيجابية يتطلّب مجهوداً فكرياً يعتمد على التحكم التنفيذي بالفصوص الأمامية من الدماغ، فهذه الأخيرة تفقد حدّتها مع التقدم في السن وبالتالي تضعف قدرة الإنسان على كبح الأفكار النمطية بالرغم من نواياه المعلنة.

برهن فون هيبل ذلك من خلال إجراء بعض الاختبارات. فوجد أنّ الأكبر سناً يظهرون مستويات أعلى من التمييز العرقي في تجارب الربط الضمني. فهم يميلون إلى تذكر المعلومات والصور النمطية من القصص. ويعتقد أنّ هذا متعلّق أيضاً بالفشل في السيطرة على النفس التي تزداد مع العمر، مثل التفوه بتصريحات غير لائقة أو تطوير آفة المقامرة. 

و يشير فون هيبل قائلاً: "إن كنت كبيراً في السن وتعلم أنّك ستتعرّض لموقف انفعالي يتطلّب الابتعاد عن الأفكار النمطية، فمن الأفضل القيام بذلك حين تكون في أعلى مستويات التيقّظ، أي في الفترة الصباحية" ويضيف أنّ "القليل من السكر والكافيين مفيدين في وضع مماثل".  

نحن لا نعلم إلى أي درجة أثرت الأفكار النمطية عن الأجانب على تصويت كبار السن في الـ Brexit. إذاً فما هي العبرة المستخلصة من هذا البحث؟

لا أعتقد أنّ باستطاعته إعطاء شرح كامل عن نتيجة استفتاء الـ Brexit لكنّه قد يساعد في التفسير أنّه مع تقدمنا في السن، نصبح أكثر عرضة للموافقة على الأفكار السياسية التي تعطي الناخبين شعوراً وهمياً بالسيطرة والمزيد من اليقين، والهدف من الـ Brexit تقرير المصير لكي تصبح المملكة المتحدة قادرة على اتخاذ قرارات خارج نطاق الاتحاد الأوروبي.

من المهم أن نعرف أنّ نمط تفكيرنا يتغيّر بحسب سنّنا. وعلى الرغم من سخرية أولاد الجيل الجديد من قرار التصويت القصير النظر الذي اتخذه الأكبر سناً، فعليهم أن يدركوا إلى حد ما أنّهم قد يسيرون على هذه الدرب أيضاً. 

أعدت إيلاف هذه المادة عن المصدر الآتي:

http://www.vox.com/2016/7/1/12051622/brexit-vote-age-gap-aging-science-psychology
 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف