يفضلون الإدخار لرحلة روحية لا ترفيهية
مكة تجتذب الجيل الجديد من الحجاج الشباب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يأتي شبان من كل أنحاء العالم إلى مكة لأداء فريضة الحج للمرة الأولى في حياتهم، بعد تفضيلهم صرف ما تمكنوا من ادخاره في الجانب الروحي بدلًا من السفر الترفيهي، ولا يشكل الحج بالنسبة إلى هؤلاء مانح وضع اجتماعي مميز كما كان بل واجب ديني فحسب.
مكة المكرمة: قدم محمد (33 عامًا) مع زوجته إلى مكة ليقوم بمناسك الحج هذ السنة، "ما إن توافرت الوسائل، وما دمنا نتمتع بالصحة"، على حد قوله، وهو واحد من كثيرين ينتمون إلى جيل الشباب الذين يكتسب موسم الحج معهم أهمية متزايدة.
منذ قرون، يتوجه الحجاج الى مكة، مستعينين بما يكونون قد وفروه طوال حياتهم. وبعضهم تكون رحلتهم طويلة. ويضمن الحج لصاحبه موقعا اجتماعيا مرموقا.
واجب ديني فقط
اليوم، باتت مكة تستقبل مزيدا من الشباب، الذين لا يشكل الحج بالنسبة اليهم ذروة حياة بكاملها، او يمنحهم وضعا اجتماعيا، بل يشكل "واجبا" دينيا فقط. يقول محمد وزوجته مديحة (28 عاما) القادمان من باريس، ان عددا من اصدقائهما قاموا بفريضة الحج قبلهما. واكدت لهما وكالة السفر التي حجزا فيها رحلتهما، انها تنقل عددا كبيرا من الأزواج الشباب.
يضيف محمد، استاذ التربية البدنية، لدى وقوفه في صف طويل امام مطعم للوجبات السريعة، "الحج هو احد الاركان الخمسة للاسلام، انه واجب". وتقول مديحة "بدلًا من شراء سلع مادية، كالسيارة على سبيل المثال، من الافضل ان ننفق مالنا في شيء يفيدنا على الصعيد الروحي".
ويقول الكاتب عمر الساخي، مؤلف كتاب "باريس-مكة، سوسيولوجيا الحج"، ان "الحج لم يعد الافق الصوفي لحياة بكاملها، بل انه حدث عقلاني عادي، يميل الى اسقاط طابع الاستثنائية فيه، ليصبح أمرا مبرمجا قابلا للتكرار".
في الثانية.. حاجة
تزور سَنِيّة، المسلمة البريطانية التي كانت تحمل بيد عبوة مشروب غازي، وفي اليد الأخرى كيسا صغيرا من البطاطا المقلية، مكة للمرة الثانية في حياتها.
فور خروجها من المسجد الكبير في مكة الذي أدت فيه الصلاة، توجهت إلى تناول طعام الغداء مع زوجها في واحد من المراكز التجارية الفائقة الحداثة التي تحيط بأقدس مكان لدى الاسلام.
تتذكر الشابة التي ترتدي حجابا اخضر واسود، "قبل 12 سنة، جئنا مع العائلة لتأدية فريضة العمرة". لكنها تعود هذه المرة من اجل الحج، لانه يشكل "تغييرا جذريا في الحياة". تضيف بابتسامة "من الاسهل عندما نكون صغار السن، تحمل المسيرات الطويلة والصلوات تحت الشمس اللاهبة".
يبحث محمد خزما (27 عامًا) الذي يعمل حارسا أمنيا في طرابلس في شمال لبنان عن طاولة شاغرة ليتناول فروجه المقلي. ويعرب عن سروره لتمكنه من جمع المبلغ للقدوم الى مكة، لأن "ذلك فرصة لا تتوافر للجميع". يقول الساخي ان النسبة المتزايدة لهؤلاء الشباب "المثقفين والمعتادين على السياحة والاستهلاك الجماعي" ساهمت رويدا رويدا في تغيير وجه مكة.
ويؤكد لوكالة فرانس برس ان "العلامات التجارية الجديدة والمجموعات الكبيرة تجتذب هؤلاء الزبائن الجدد الذين لا تستطيع السوق القديمة المؤلفة من فنادق ومطاعم عائلية، إرضاءهم".
تشويش الرفاهية
تتذكر سنيّة قائلة "خلال زيارتي الاولى الى مكة قبل 12 عاما، كنا نأكل في الشارع". اما الآن "فالوضع أفضل بكثير، إذ نستطيع اختيار خدمة خمسة نجوم". لكن البعض يعرب عن الاستياء لاختلاط الروحانية بالاستهلاك الجماعي. ويؤكد محمد خزما انه لا يأبه بالمراكز التجارية والتبريد والمطاعم والمتاجر الاخرى.
ويقول الشاب الذي يرتدي جلابية قاتمة "أنسى كل هذا، آخذ القرآن، وبضع حبات من التمر وماء وأبقى في المسجد الكبير ابتداء من بعد الظهر حتى منتصف الليل".&
يعرب محمد ومهدية عن استيائهما احيانا من هذه الرفاهية "البعيدة جدا عن قساوة الصحراء وحقبة ابراهيم" الذي يتم استذكار تضحيته خلال عيد الاضحى. ويقول محمد "أرغمنا على ان نأتي مع وكالة سفر وان ننزل بالتالي في الفندق الذي تعرضه علينا. لكن غالبا ما نتساءل عما اذا كان ذلك يتلاءم مع مساعينا الروحية". ويضيف "المتاجر والرفاهية والمراكز التجارية تشوش على الجانب الروحي".