أخبار

لكونها تدرّ عليهم في "السوق السوداء" أموالًا طائلة

مزارعو الحشيشة في لبنان يحذرون من تشريع مهنتهم

عامل في حقل حشيشة في اليمونة في شرق لبنان
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خلف حاجز للجيش في شرق لبنان، تلوّن نباتات الحشيشة حقلًا شاسعًا، وتلوح عن بعد بطول يتخطى المتر... وبات اليوم بإمكان زارعي هذه النبتة المحظورة الحديث عنها علنًا، بعدما بدأت السلطات تعد قوانين لتشريعها للاستخدام الطبي حصرًا.

إيلاف: يتباهى أصحاب أراضي بلدة اليمونة بمداخيل يحققونها من هذه الزراعة المنتشرة لديهم، والتي فشلت كل محاولات الحكومة على مدى سنوات في وضع حد لها. وخشيتهم الأكبر أن تتسبب قوانين جديدة بخسارة تلك الأرباح.&

بيوتنا من أموالها!
اتخذ قرار العمل على وضع قوانين لتشريع زراعة الحشيشة إثر تلقي الحكومة توصيات في هذا الشأن من شركة "ماكينزي" للاستشارات المكلفة وضع خطة للنهوض بالاقتصاد.

ولا يزال عدد من المزارعين يخشى المجاهرة باسمه لدى الحديث عن الموضوع، لكن محاذير كثيرة سقطت مع إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن البرلمان في "صدد التحضير لإقرار التشريعات اللازمة لتشريع زراعة الحشيشة وتصنيعها للاستعمالات الطبية". بين هذه المحاذير، التباهي بسهولة زراعة هذه النبتة وتدني كلفتها.

يقول أحد المزارعين، مشيرًا إلى المنازل المطلة على سهول الحشيشة في اليمونة، "كل هذه البيوت وقرميدها من حولنا بنيت بأموال زراعة الحشيشة". ويضيف "إذا رميت الحشيشة على البحص تنبُت، تراها على جوانب الطرق وحتى فوق النفايات".

ويجد زائر بلدة اليمونة نفسه أينما توجه محاطًا بحقول خضراء شاسعة من الحشيشة، تزيّنها أقراص دوار الشمس الصفراء اللون التي تعرف بطول شتولها، وغالبًا ما كانت تزرع لتحجب رؤية الحشيشة.&

مطاردات أمنية
تتم زراعة الحشيشة في مطلع الربيع، وحصادها في سبتمبر. بعدها تجفف تحت أشعة الشمس، قبل أن يتم تبريدها، ثم "دقها" أو طحنها في معامل صغيرة في البقاع.

عملت القوى الأمنية على مدى سنوات على تلف المحاصيل أو مصادرة بضائع مهرّبة. ووقعت مواجهات دامية أحيانًا بينها وبين العائلات التي تعمل في هذا الحقل، كما حصلت تدخلات سياسية لوقف الحملات والملاحقات.

في 23 يوليو، قتل ثمانية أشخاص، بينهم علي زيد إسماعيل، تاجر مخدرات مطلوب بمذكرات توقيف عدة، خلال مداهمة للجيش اللبناني تخللتها مواجهة مسلحة.&

وفي يونيو، صادرت القوى الأمنية في إحدى ضواحي بيروت 15 طنًا من الحشيشة معدّة للتصدير إلى الخارج، ذكرت تقارير أن قيمتها تصل إلى 75 مليون دولار.

يتخطى سعر كيلو الحشيشة 400 دولار، بحسب مزارع آخر، رفض الكشف عن اسمه، ويرتفع بحسب النوعية، ويباع على الأرجح بأضعاف ذلك في ما بعد.

نريد تصدر المستفيدين
لا يزال الطريق طويلًا أمام التشريع، وإن كان سكان اليمونة يخشون آلية التنفيذ. فالبيع إلى التجار بهدف صنع المخدرات شيء، والبيع وفق قواعد محددة وفي مساحات محددة لاستخدام النبتة في صناعة الأدوية شيء آخر.

يقول نائب رئيس بلدية اليمونة حسين شريف لفرانس برس: "كلنا تحت القانون ونريده، نحن أساسًا ضد زراعة المخدرات، لكن لم تنجح زراعة أخرى لدينا"، مضيفًا "لا مشكلة في التشريع، لكن المستفيد الأول يجب أن يكون المزارع".

ويرى أن على المزارع أن يربح من التشريع بقدر ما كان يربح من التهريب. ويوضح أن المزارع في اليمونة كان يعمل في "التجارة الحرة، يبيع الإنتاج لتاجر كبير ويربح عشرات أضعاف الكلفة. أما إذا حصل الأمر عبر الدولة، فالأرباح لن تكون عينها"، خصوصًا إذا حددت السلطات الأراضي المسموح الزراعة بها أو الجهات التي ستشتري.

مخاوف من خسارة الزبائن
ويقول مختار اليمونة جمال شريف إنه مع التشريع، "يجب حصر الزراعة في المناطق التي تزرع فيها حاليًا"، موضحًا "إذا بات الشخص الذي كان يأتي إلينا لشرائها قادرًا على زراعتها، فسيتوقف عن المجيء إلينا".

ويُعد لبنان، وفق الأمم المتحدة، ثالث منتج لعجينة الحشيشة في العالم بعد أفغانستان والمغرب. ويجد المنتج اللبناني بشكل أساسي أسواقًا له في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا في سوريا والأردن ومصر وإسرائيل وقبرص وتركيا.

شكلت الحشيشة اللبنانية المعروفة بـ"نوعيتها الجيدة" صناعة مزدهرة خلال الحرب الأهلية (1975-1990). وكانت تدرّ ملايين الدولارات، قبل أن تقوم الدولة بحملات للقضاء عليها، واعدة بزراعات بديلة، الأمر الذي لم يتحقق.

أتركوني أصدرها
لعل أكثر ما يحلم به سكان المنطقة هو أن يتيح تشريع الحشيشة إسقاط الدعاوى ومذكرات التحقيق بحق آلاف المطلوبين في قضايا تتعلق بإنتاج وتهريب وتجارة المخدرات بينها الحشيشة.

ويقول نائب رئيس البلدية "يطمعون هنا بمجرد ما شُرعت الحشيشة أن يصدر عفوًا عن أكثر من 30 ألف مطلوب ممن لديهم قضايا متعلقة بالحشيشة وتجارتها". وتسمح دول عدة في العالم باستيراد وتصدير الحشيشة للاستخدام الطبي، بينها الأرجنتين وولايات أميركية عدة. أما كندا والأوروغواي فتسمحان بزراعتها واستهلاكها أيضًا للترفيه.

وتستخدم الأدوية، التي تتضمن القنب، لتخفيف عوارض الصرع أو الآلام المزمنة أو الغثيان لدى مرضى السرطان وغيره. ويعبّر مختار بلدة اليمونة عن تشاؤمه من مشروع تشريع زراعة الحشيشة في ظل الفساد المستشري في مؤسسات لبنان، الذي يحتل المرتبة 143 بين 180 دولة الأكثر فسادًا، بحسب الترتيب الأخير لمنظمة الشفافية الدولية.

يضيف "سرقوا كل ما في لبنان، لم يبقَ سوى الحشيشة يريدون سرقتها"، مشيرًا إلى أن فوائد زراعة الحشيشة على الاقتصاد مرتبطة بمنح حرية أكثر للتجار.

ويحتل لبنان المرتبة الثالثة على لائحة البلدان الأكثر مديونية في العالم. وشهد اقتصاده منذ 2011 تدهورًا تدريجيًا بفعل الجمود السياسي والانقسام حول ملفات داخلية عدة.

ويقول جمال شريف "تريدون تشريعها قولًا وفعلًا، أتركوني أزرعها وأتركوني أصدرّها (...). تجار المخدرات سيكونون قادرين في سنة واحدة على سد دين" الدولة.&
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف