أخبار

نسبة عالية من المغاربة استبعدت حدوث تطبيع وشيك بينها وبين الدولة

هل استطابت "العدل والإحسان" المغربية وضعية "شبه المحظورة"؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الرباط: عارضت نسبة عالية تجاوزت 80 في المائة من المشاركين شاركوا في استطلاع "إيلاف المغرب" توقعات سياسية راهنت في أوقات ،بما يشبه اليقين، على إمكانية  حصول تطبيع وهدنة دائمة بين الدولة وجماعة "العدل والإحسان المغربية" شبه المحظورة .

واستندت التوقعات في حينها، إلى  معطيات وقرائن متواترة، ضمنها أن السلطات المغربية مرتاحة للمنحى السلمي الذي يطبع نهج "الجماعة" منذ تأسيسها على يد الراحل الشيخ عبد السلام ياسين ؛ على الرغم من أن الخطاب الدعوي الذي يصدر عنها حين التعبير عن رأيها وموقفها من نازلة سياسية أو مشكل اجتماعي؛ يتميز أي الخطاب عادة ، بنبرة انتقاد عالية الحدة ، لدرجة أن  المتأمل فيه ، يعتقد أن العداء قوي ومستحكم بين الجماعة والدولة المغربية، بينما لم يصل الخلاف بين الطرفين في وقت من الأوقات إلى مستوى المواجهة العنيفة الشاملة، بل يمكن القول معها إنهما يتقاسمان " الصبر" دون غياب مبرر يجعل السلطات تحاسب أعضاء الجماعة، جراء مخالفة القانون ، مع حرص الدولة على وزن خطواتها وان لا يكون العقاب جماعيا.

وتصف الوضعية القانونية للجماعة، جملة "شبه محظورة" وهي صيغة قانونية ملتبسة مثل "تحت التأسيس" تترك الباب مفتوحا للانتقال نحو الوضعية الطبيعية أو عدمها .

وهي كذلك حالة، تعكس حذر الجانبين من بعضهما إن لم يكن انعدام  الثقة. فهل يضمران حقا الشر لبعضهما ؟ 

لا توجد دلائل مرجحة لهذا الاحتمال أو نقيضه؛فالكثير من المؤشرات يشوبها  غموض والتباس مريحان للطرفين: الجماعة تمارس نشاطها الدعوي المنتظم ، تختار المناسبات التعبوية لإبراز قوتها والتأكيد على أنها ما زالت حية ترزق، وأن المنتسبين إليها يتناسلون أفواجا ، وأنها تهيمن على التظاهرات الحاشدة التي تدعو إليها الأحزاب والنقابات والفعاليات الحقوقية، للتضامن مع القضايا القومية ( الصحراء وفلسطين) وفيها يتسم سلوك "العدليين" فضلا عن الأعداد الكثيفة، بالانضباط التام والتزامهم بما يتفق عليه من شعارات، ترفع أثناء المسيرات التي تنعت ب"المليونية" .

وهي ميزة تنظيمية ، لفتتت أكثر من مرة ، انتباه الصحافية  الوطنية والأجنبية ، في مقابل أشكال من الفوضى والتشرذم تطبع سلوك الفعاليات الأخرى .

وتدرك الجماعة أنها تمارس نشاطها السري والعلني، تحت الأنظار اليقظة للسلطات الأمنية ، وهذه تسجل وتقيس حجم المتغيرات والمستجدات الحاصلة في تقنيات وأساليب "العدل والإحسان" تستخلص المعلومات التي تفيد صناع القرار الأمني في تحديد إستراتيجية التعامل مع الجماعة.

وفي هذا الصدد، يصح القول إن الطرفين، اعتادا على بعضهما : كل طرف يعزف موسيقاه ويعرف الطريق المرسومة له للسير فوقها.

إلى متى تستمر حالة الترقب والتوجس المتبادل ؟ وما المانع من انضمام "الجماعة" إلى قائمة المنظمات الوطنية التي تعمل في واضح النهار، انطلاقا من  مبادئ وأهداف غير متعارضة جملة وتفصيلا مع تشريعات الدولة؟

ماذا وكيف تفسر إذن نتيجة استطلاع " إيلاف المغرب" التي استبعدت بنسبة مرتفعة، إمكانية حدوث تطبيع أو سلم عادي بين الدولة المغربية وجماعة العدل والإحسان؟ وما سر غض السلطات الطرف عنها وتركها تصول وتجول في الميدان؟

جدير بالذكر أن العهد الجديد ، ومنذ تولي الملك محمد السادس الحكم ، أرسل إشارات واضحة والكثير منها مرموز، نحو الجماعة، دون ذكرها بالاسم ؛ مفادها أن المغرب المتعدد ، قادر على استيعاب كل التنظيمات والمكونات والحركات السياسية ذات المرجعيات المتباينة، شريطة التزامها بما وقع عليه الإجماع أي "الثوابت الكبرى"  ، وبالتالي فمن حق "العدل والإحسان" مثل غيرها من القوى السياسية، التحرك ضمن حدود المساحة المسموح بها للجميع ، دون تطاول أو امتداد على حدود وممتلكات الغير؛ ضمانا لاستتباب الأمن والسلم وسيادة الوئام الوطني . ويعني ذلك رفض التطرف والتشدد والغلو من أية جهة أتى.

ولعل الإشارة المطمئنة التي لم تتجاوب معها أو صرفت النظر عنها «العدل والإحسان" أن النظام لا يحرم أو يجرم التعامل مع المكون الديني، بدليل إشراك "العدالة والتنمية" في تدبير الشأن العام .إذ بدل أن  يشجع "العدليون" تجربة الإسلام المعتدل أو يهادنوها على الأقل، فإنهم عاملوها بما هو اشد من الرفض والاستنكار.

ومثلما يوجد متشككون ومتوجسون في صفوف الجماعة والسلطة ،كذلك يوجد ، وإن لم يكن بنفس القدر، من يدفع نحو إيجاد نهاية معقولة لإشكال سياسي بات مزمنا اسمه "العدل والإحسان"يخدش سمعة التجربة الديمقراطية المغربية .

لقد تقوى احتمال منح الشرعية للمنظمة، بعد رحيل شيخ الجماعة ومؤسسها ،وقبله الملك الراحل الحسن الثاني . كانا ، الفاعلين المتخاصمين على رقعة المرجعية الدينية: الملك بصفته أمير المؤمنين وحامي الملة والدين بمقتضى البيعة الشعبية  ودستور المملكة ؛ تعارضه سلطة شيخ الجماعة الذي أستمد شرعية حركته من فضيلتي "العدل والإحسان" بما تحمله الكلمتان من معان فضفاضة ،  يمتزج فيها الأخلاقي بالديني والاجتماعي بالسياسي. إنه خلاف جوهري بين نظرتين إلى الدين والسياسة.

وكثيرا ما يتساءل محللون مهتمون بأحوال الجماعة إن لم تكن هي الراغبة حقا في البقاء خارج/ داخل مربع المشروعية ؟ ألا يوجد نقاش وتجاذب بين التيارات داخلها ؟ أي تيار يدفع نحو عرقلة التقارب مع النظام ودوام "الأسطورة" ومن يسعى إلى حدوث الانفراج التاريخي؟.

نفس السؤال يمكن طرحه على الجهة الأخرى ، وبالتالي ما قوة الجيوب الرافضة للتطبيع مع الجماعة ؟

والظاهر أن الجانبين لهما مصلحة في استمرار الوضعية المتأزمة  على ما هي عليه وسريان حالة الاستنفار بينهما .

وكيفما يكن الاستنتاج، فالمرجح أن الدولة  في غنى عن "العدل والإحسان "لتلميع صورتها . لها ما يكفي من التنظيمات البديلة للاستعاضة عنها ، خاصة  وأن "الجماعة" ترفض الاصطفاف  ضمن التشكيلات الحزبية  ذات المرجعيات الليبرالية والتقليدية  .

وليس مستبعدا أن يوجد في مفاصل السلطة من يقول " دعهم يفعلون ما يريدون ، يلعبون في ساحتهم ما داموا سلميين" وربما يضيفون :" ستتعب الجماعة وستخبو فيها  جذوة  المقاومة  والمعاندة مع  توالي السنين وتطور العقليات؟

والحقيقة أن ما يفسر رفض الجماعة الانضمام إلى قافلة المشروعية ، هو رتابة وجمود بل فساد البيئة الحزبية ،ففيها اختلط الحابل  بالنابل و صعب على المواطن التمييز والفرز بين القيادات والتوجهات والبرامج .أصاب السلوكيات الفردية ما أصابها، وغابت القدوة الصالحة وانحسرت المثل العليا عن محيط السياسة .في أزمة قيم وضعف في منسوب التخليق والعقلانية. وهو وضع يقوي جناح الرافضين في الجماعة للقبول بلعبة يعتبرونها غير نظيفة .

وللتذكير فإن فكرة استطلاع "إيلاف المغرب" استندت على فرضية إمكانية" التطبيع" على اعتبار أن المواكب لمواقف وخطاب  الجماعة منذ وفاة مؤسسها الشيخ ياسين، يلاحظ اعتدالا متقطعا في اللهجة ؛ ينتقي في الغالب العبارات الهادئة لتسجيل موقف حيال القضايا الوطنية .؛ ما يعتبر تطورا مقارنة مع ما كان يصدر عن الجماعة من خطب ملتهبة. وهذا أمر طبيعي ، فموقع الشيخ ياسين وإشعاعه الفكري والروحي ، يختلف عن المرتبة التي يحتلها خلفه، محمد عبادي، في هرم الجماعة .

ودون الانتقاص من قدر المرشد الجديد ، فإنه ربما يبدو أول المؤمنين  ب"كاريزما" الشيخ الراحل ، وأن لا احد يملأ  الفراغ الذي أحدثه رحيله  في الجماعة .  

تجدر الاشارة الى ان الجماعة بدأت تغييرات تنظيمية على هياكلها، بعد رحيل المؤسس حيث أصبح لها ناطق رسمي باسمها  ، كما وزعت الأدوار والمسؤوليات بين قيادات الصف الأول . 

الأقوى دلالة هو تواري صورة كريمة الشيخ ياسين "نادية" عن الأضواء والواجهة . توجه نحو المأسسة بدل الشخصنة.

هل ستراجع " الجماعة" أدوات الاشتغال  لتسلم  بقواعد المنافسة في  "بورصة" السياسة ؟ البعض  يرون الاحتمال قريبا وآخرون ، وهم الغالبية ، يرونه بعيدا ، فمن يا ترى على صواب ؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف