بعد أسابيع في الأقبية
سكان دوما يعيدون اكتشاف مدينتهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وسيطر الجيش السوري السبت على كامل الغوطة الشرقية قرب دمشق إثر خروج آخر المقاتلين المعارضين من مدينة دوما بعدما شكلت طيلة ست سنوات معقلاً أساسياً لفصيل جيش الاسلام.
وتقول لينا كركورة في الأربعينات من عمرها لوكالة فرانس برس "قررت اصطحاب ابنتي للتنزه بعد الحاحها على الخروج وبكائها".
وما أن كانتا تهمان بالمغادرة حتى غيرت طفلتها وعد (تسع سنوات) رأيها خشية من قصف اعتادت على سماع دويه.
وتضيف المراة المتشحة بالسواد على هامش جولة نظمتها السلطات للصحافيين في دوما "طمأنتها أن الامان عاد ولن يصيبها أي مكروه (...) وأنه بات بامكاننا الخروج الان وتنفس الصعداء".
تمسك الأم بيد طفلتها التي ترتدي زياً رياضياً أحمر اللون، تمر من ساحة الشهداء في وسط المدينة وتنظر الى الدمار حولها، وتقول "عاش الأطفال برعب وخوف، لم يعيشوا طفولتهم".
تأمل لينا أن تعود الحياة مجدداً الى مدينة دوما وأن تملأ الأراجيح ساحاتها ليهنأ الأطفال بحياتهم بعيداً عن الحرب.
وشهدت الغوطة الشرقية منذ 18 شباط/فبراير هجوماً عنيفاً استمر شهرين شنته القوات الحكومية لاستعادة المنطقة التي تشكل أحدى بوابات دمشق وطالما هدد تواجد الفصائل المعارضة فيها أمن العاصمة.
وينتشر في المدينة اليوم عناصر من الشرطة العسكرية الروسية والسورية، ويفترض أن تدخلها بعثة تقصي حقائق تابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقيق في تقارير عن هجوم كيميائي مفترض في السابع من ابريل، ما دفع دول غربية الى شن ضربات ضد اهداف سورية.
ونفت دمشق بالمطلق مع حليفتيها موسكو وطهران استخدام اي سلاح كيميائي.
زيارة دمشق "حلم"
في شارع الجلاء الذي يصل ساحة بدران الرئيسية بساحة الشهداء، تتوزع المحلات التجارية المغلقة على جانبي الطريق.
وسط الشارع، يقف هيثم بدران (40 عاماً) ويمسك بيد ابنه عمر (عشر سنوات) ويتسامر مبتمساً مع اصدقائه.
ويقول لفرانس برس "لقد أخرجته للتنزه قليلاً للترفيه عن نفسه".
عاش عمر معظم طفولته تحت الحصار ولم يعرف منطقة سوى الغوطة الشرقية، ويحلم والده اليوم باصطحابه الى دمشق، للتعرف على سوق الحميدية والجامع الأموي.
ويقول بدران "أريده ان يعرف البلد، لم ير شيئاً في الدنيا حتى أنه حُرم من الدراسة".
على بعد أمتار عدة، تسير باسمة السيد (55 عاماً) ببطء، تنظر حولها من خلف نقاب أسود اللون.
وتقول بعدما رفعت نقابها عن وجهها "مكثت في القبو مع احفادي طويلاً وخرجت الآن لأشاهد الناس" مضيفة "سعادتي لا توصف، تفاءلت خيراً".
وتقول إنها رفضت الخروج من دوما، بخلاف عشرات الآلاف الذين غادروها الى مراكز ايواء قريبة حددتها القوات الحكومية أو الى شمال البلاد بموجب اتفاق الاجلاء مع الفصائل المعارضة.
وتضيف "أنا من سكان دوما الاصليين، لم اخرج منها منذ ولادتي، ولم افكر نهائيا بذلك".
"الأيام القديمة"
حول شاحنة يرمي شبان من على متنها ربطات خبز، تجمع رجال وأطفال وبدت خلفهم أعمدة من الدخان.
في أحد المتاجر القليلة التي فتحت ابوابها، وُضعت الملابس الجاهزة المزركشة بعناية على الرفوف. ويجلس رجلان في متجر آخر يعملان على آلة خياطة حديدية سوداء اللون.
ويعمل رجل على تنظيف متجره الذي تصدعت جدرانه، من الحجارة ويساعده آخر على إخراج الخردة منه.
وأمام مبنى انهار سقفه تماماً، تجر أمرأة منقبة رجلاً على كرسي متحرك وضع طفلاً على ركبتيه.
وفي شارع فرعي يضيق بالمارة وراكبي الدراجات الهوائية والنارية، يتجول ابو ياسر (41 عاماً) بصحبة زوجته.
ويروي أنه اضطر لبيع كل ما يملك لإعالة اسرته بعدما فقد عمله في توزيع المياه.
ويضيف "أمضينا سبعين يوماً تحت الارض، والآن أصبح بامكاننا ان نخرج الى الشارع. هذا كان حلماً".
لم يفاجأ أبو ياسر بحجم الدمار الذي حل بمدينته، فهو كان يخرج من القبو بين الحين والآخر للبحث عن بعض الحاجيات، على عكس زوجته التي لم ترّ النور منذ فترة طويلة، حتى أنها وضعت مولودها الخامس قبل عشرين يوماً تحت الأرض.
وتقول الشابة وترتدي معطفاً أسود طويلاً "ترددنا بالخروج لكن اليوم نزعنا الخوف من قلوبنا وخرجنا".
وتطمح الشابة ذات العينين السوداوين والبشرة البيضاء الى زيارة أهلها في دمشق.
وتضيف "أتمنى أن تعود الايام القديمة"، ما قبل الحرب المدمرة التي بدأت عامها الثامن.