مايو 1968 منعطف ثقافي ومجتمعي كبير في فرنسا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ويقول الثمانيني هنري ويبر الذي كان زعيم الرابطة الشيوعية ثم اصبح عضوا في مجلس الشيوخ ونائبا اوروبيا اشتراكيا ان "1968 شكل دفعا ديموقراطيا وليبراليا كبيرا، بالمعنيين السياسي والثقافي للعبارة، اي مهاجمة كل اشكال التمييز".
ويضيف ويبر انه "دفع باتجاه تغليب المتعة ضد الطهرانية والمبادئ الاخلاقية الصارمة"، موضحا انه "تمت مهاجمة كل اشكال ممارسة السلطة للاستبداد، ليس ضد السلطة بل ضد التسلط".
ويشير ويبر الذي سيصدر كتابه "شباب متمرد" في الثالث من مايو، الى ان المجتمع في فرنسا الجنرال ديغول وعلى الرغم من موجة موسيقى البوب الشعبية بين الشباب المولودين خلال طفرة الولادات، بقي المجتمع "تقليديا وصارما وقمعيا". ويؤكد انه في "1968 فجر الشباب هذا الطوق".
وكان لهذه الحركة مقدماتها في جميع انحاء العالم. فقد بدأت في الولايات المتحدة في بداية الستينات وبلغت ذروتها مع المعارضة لحرب فيتنام. وفي اوروبا الشرقية صعد الاحتجاج على الشيوعية السوفياتية، وشهدت براغ "ربيعا" قصيرا في 1968.
انتعاش حركة تحرير المرأة
ارتدت تلك السنة في فرنسا طابعا خاصا مع اضراب بين سبعة ملايين وعشرة ملايين شخص وتظاهرات الطلاب والحواجز في قلب باريس.
واستمرت آثار هذه الهزة في السنوات التالية. ويقول المؤرخ باسكال اوري في مجلة "ليسكبريس" انه "في السنوات العشر التي تلت يبدو الخط البياني واضحا: انتقلنا من +اليسار العام+ الى +اليسارات المتخصصة+ -- حركة تحرير المرأة ومثليي الجنس وحماية البيئة ومقاومة التغيير ومناهضة التشجيع على الاستهلاك... وهنا تحققت نجاحات لا جدال فيها".
اما عالمة الاجتماع جولي باجي فتركز على التقدم الذي تحقق في مجال حقوق المرأة. ففي 1968 كان قد مضى ثلاث سنوات فقط على السماح لهن بامتلاك حساب خاص بهن في المصرف والعمل بدون موافقة الزوج. وسمح قانون صدر في نهاية 1967 باللجوء الى وسائل منع الحمل لكنه لم يطبق، ثم توالت مراسيم تطبيقه بين 1969 و1972. اما الاجهاض فكان محظورا.
وتذكر باجي بانه "اعتبارا من سبعينات (القرن العشرين) وكان الارث المباشر الى حد ما للاحداث، هو انتعاش حركات الدفاع عن حقوق المرأة"، مشيرة الى ان "عمليات التعبئة هذه غيرت جذريا حقوق النساء، خصوصا مع صدور قانون" العام 1975 الذي يلغي معاقبة الاجهاض.
وتوضح مؤلفة تحقيق حول مسارات اكثر من مئتي شخص "عاديين" شاركوا في تظاهرات 1968، ان تلك السنة شكلت محفزا "لوعي" النساء مع "تشكيكها بالعلاقات الزوجية والهيمنة". وتقول ان "الظلم الذي كن يعشنه وجد في الاطار الجماعي للازمة فرصة رائعة للتسييس".
وتؤكد الطبيبة النسائية والمدافعة عن حقوق المرأة جويل برونوري كوفمان انه في 1968 "قيل +نحن البنات يمكننا ممارسة الجنس+".
و"التقدم" الآخر في نظر جولي باجي هو "حقوق العاملين". ففي نهاية مايو ابرمت اتفاقات بين الحكومة والنقابات دخول النقابات الى المؤسسات، الى جانب زيادة نسبتها 35 بالمئة على الحد الادنى للاجور.
هل كانت حركة 1968 عملية تفكيك؟
فتح التشكيك في الوضع القائم الباب ايضا على قطاع التعليم الذي "يعيد انتاج عدم المساواة".
تقول باجي "بفضل 1968، حدث تغيير كبير في النظام الجامعي والتربوي. قبل ذلك، كانت الجامعة تعني دروسا في مدرج يتحدث فيه الاستاذ وحده. 1968 شهدت بدء الاعمال الموجهة التي تعني مشاركة اكبر للطلاب في عمليات التأهيل. انه انجاز مهم الى درجة الى ان لا احد جاء ليشكك فيه".
ومع ذلك، في 2007 انتقد الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي بعنف ارث 1968، واتهمه خصوصا بانه "قضى على مدرسة الجدارة والاحترام" و"مهد الطريق للرأسمالية بلا رادع او اخلاق".
ويرى الفيلسوف لوك فيري ايضا ان 1968 كان مهد الرأسمالية. ويقول ان "الحركة لم تكن ضد مجتمع الاستهلاك بل من اجله". وذكر من شعارات تلك المرحلة "متعة بلا عقبات".. ويضيف "كان يجب تصفية القيم التقليدية لتزدهر الرأسمالية العالمية".
وترد جوليا باجي غاضبة ان هؤلاء المنتقدين الذين "يقللون" من اهمية الحركة يريدون "جعل 1968 كبش الفداء لينسبوا اليها كل مساوئ المجتمع".
ويرد بالطريقة نفسها هنري ويبر قائلا "حماقات! انهم يريدون الايحاء بان ما جرى +بعد+ (1968) حدث +بسببها+".
ويتابع ان "ما حل في الكثير من مجتمعاتنا منذ ذلك الحين جاء ضد ابناء 1968. فردية اليسار والديموقراطية التي لم تكن تمانع اطلاقا عمل الجماعة، اصبح نزعة محافظة ليبرالية بعد انهيار الحلم الشيوعي (...) عندما لا يكون هناك تمثيل لمجتمع بديل ننطوي على انفسنا".
وفي نهاية المطاف، من نقاط فشل 1968 هو انه "لم يعد هناك حلم بمدينة فاضلة".