صدى إعلامي خافت لحاضرة" الثقافة العربية
استطلاع "إيلاف المغرب" يؤكد استفادة وجدة من احتضان التظاهرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الرباط: تأمل نسبة عالية من المغاربة المشاركين في استفتاء "إيلاف المغرب"، فاقت 73 في المائة ، في أن اختيار مدينة وجدة عاصمة للثقافة العربية على مدى سنة كاملة 2018، يمكن أن يسهم في حدوث انتعاشة وحركة فكرية سياحية، تعود بالنفع المادي والمعنوي على المدينة الواقعة شرق المغرب قريبا جدا من الحدود الجزائرية، المغلقة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، جراء الخلاف المستعصي بسبب الصحراء المغربية.
وكانت المدينة تضررت اقتصاديا ،من إجراء سياسي لا يدري سكانها كيف يبررونه ، خاصة وأنها عرفت على مدى تاريخها تمازجا وانسجاما أخويا ،على صعيد العادات والتقاليد وحتى الطبائع والأمزجة، بين سكانها وبين الوافدين عليها من جارة بلادهم الشرقية، للتسوق والسياحة وإحياء صلة الرحيم بين العائلات الموزعة على جانبي حدود البلدين ؛ بل يمكن القول بأن كثيرا من المنشآت والاستثمارات السياحية في المدينة، أنجزت بغاية أرضاء مزاج ومتطلبات الزائر الجزائري الذي لا يحس بأية غربة وقد حل بمدينة وجدة ،لا على صعيد اللسان أو طريقة العيش .
تجدر الإشارة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إلى أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ، أمضى سنوات طفولته وشبابه في المدينة التي أسسها القائد "زيزي بن عطية " ، ودرس المرحلة الثانوية في أحد معاهدها "ليسي عبد المؤمن" كما كانت "وجدة" مركز قيادة وتنسيق العمليات العسكرية أثناء الحرب ضد فرنسا ، حيث لجأ للمدينة المغربية عدد من قادة جبهة التحرير الوطني ، من صاروا مشهورين في تاريخ الجزائر الحديث ب"مجموعة وجدة" من بين عناصرها الرئيس الحالي بوتفليقة، الذي كان يتنقل بين مالي والمغرب، باسم حركي هو " الكومندان عبد القادر المالي" . وسيطرت نفس المجموعة على السلطة على اثر الإطاحة بالرئيس الراحل أحمد بن بلة يوم 19 يونيو 1965 على يد نائبه الأول ووزير دفاعه ، الراحل هواري بومدين.
ومن السابق لأوانه ، تقييم مدى وحجم الفوائد التي يفترض أن تجنيها المدينة من احتضان الفعاليات الثقافية التي تستمر طيلة 12 شهرا، من ابريل 2018 إلى شهر مارس المقبل؛ لكن يمكن الجزم أنها ستكون محدودة ومعنوية أكثر منها مادية.
ولم تنشر وزارة الثقافة المغربية ،على نطاق واسع، ضمن حملة منسقة ، البرنامج المفصل للأنشطة التي تستضيفها المدينة؛ فقد اكتفى الوزير محمد الأعرج، في خطاب انطلاقة السنة، بذكر معطيات عامة أجملها في أكثر من 500 نشاط، بينما رفعتها تقارير صحافية، إلى أكثر من 900. وسيحل طبقا لنفس التقديرات على المدينة،حوالي 1200 فنانا ومثقفا وفاعلا من المغرب والخارج وأساسا من الدول العربية.
ولم تشرع الجهات المنظمة بعد، في القيام بحملة تسويق وترويج إعلامي وإعلاني للحدث غير المسبوق في تاريخ "وجدة" والمغرب ؛سواء في الداخل أو الخارج ؛ فالصدى الإعلامي ضعيف ، ووسائل الاتصال الرسمية لم تول الحدث ما يستحقه من تغطية ضافية ،وربما لم تعرف الرسالة طريقها للمستهدفين من التظاهرة الكبرى التي استلم المغرب رايتها من مصر .هل يتعلق الأمر بتحفظ جهات مغربية معادية للثقافة العربية من الاستضافة؟
يصح القول، مع ما يلزم من التحفظ، إن المغرب يبدو وكأنه ليس على أتم الاستعداد لاستقبال الحدث الكبير والاستفادة منه ، واستثماره إعلاميا ، فكريا وسياسيا ، وفق خطة مدروسة . إن الفاصل الزمني بين تاريخ الاستجابة لطلبه وبالإجماع في العام الماضي من قبل اللجنة العربية للثقافة التي اجتمعت بالدار البيضاء (نوفمبر 2017) وبين موعد ألإطلاق الرسمي للفعاليات ( ابريل2018 ) ليس كافيا لإعداد يليق بالمناسبة المميزة، ولا يكفي أن تتوفر المدينة على بعض البنيات والتجهيزات الثقافية لإحياء أنشطة مكثفة على مدى سنة، فهي ستضيق حقا باستيعاب أنواع البرامج إن انتقلت الأنشطة إلى مناطق متباعدة من وجدة.
ومن الأشياء التي استرعت انتباه ملاحظين، أن القنوات التلفزيونية العمومية لم تنقل وقائع التدشين الرسمي مباشرة، مع أن المناسبة لا تقل أهمية عن التظاهرات الرياضية والمهرجانات الموسيقية التي تنظم في مدن أخرى ويتم الاحتفاء بها بكيفية صاخبة.
في هذا السياق ، وجهت صحف مغربية انتقادات لاحتفالية الإطلاق الرسمي ، شملت أسلوب التنظيم والمحتوى ، مسجلة أن أسماء محلية تنتمي إلى النسيج الثقافي والأكاديمي المحلي ، غابت عن الحضور ومتابعة لحظة الافتتاح التي حضرها عدد من وزراء الثقافة العرب وشخصيات وازنة من القطاع. تساءل المنتقدون إن كانت الأسماء المغربية قد دعيت أصلا؟ غاب أهم الشعراء عن مناسبة استحضرت ذكرى الشاعر محمود درويش . لا شك أنها هفوات غير مقصودة.
إن المسافة التي تفصل وجدة عن المركز، يحرمها من مواكبة يومية وتغطية إعلامية شاملة لما سيجري بها إلى غاية مارس المقبل ، وربما لن تشجع الكثيرين على التنقل إليها.
ويتخوف الغيورون على الثقافة العربية وعلى مدينة وجدة أن يقتصر الاهتمام على الجانب الفني الغنائي ،وتحديدا موسيقى "الراي" التي يشترك في عشقها شباب وجدة والمدن المجاورة على الجانب الجزائري .
ورغم كل ذلك ، يعرب كثيرون عن الاعتقاد، بأن اختيار وجدة مناسب ويحمل أكثر من دلالة وإشارة والتفاتة نحو المنطقة الشرقية المغربية ، في وقت تمر فيه العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر، بلحظات تأزم شديد على خلفية موقف الجزائر من نزاع الصحراء.
إلى ذلك ، يعد اختيار وجدة خروجا على تقليد احتكار العواصم السياسية العربية للأنشطة الثقافية بمختلف تجلياتها.
وينسجم الاختيار كذلك مع مسار الجهوية الموسعة التي قرر المغرب نهجها ، وهو البلد العربي الإفريقي المتعدد الغني بالتعبيرات الثقافية التي انصهرت وامتزجت فيما بينها على مر العصور وتقلبات الأزمنة.
وفي هذا الصدد، تتمتع عاصمة شرق المغرب، بميزات ومواصفات تجعلها أهلا لتتحول إلى فضاء مركزي للثقافة العربية: فهي مدينة حدودية تجاوزت الألف سنة ، تحتوي على مآثر عمرانية وحضارية شاهدة على ما عرفته المدينة والمنطقة من أحداث وتقلبات .
وتصنف مدينة وجدة ضمن القلاع المجاهدة إذ قاومت المطامع الاستعمارية منذ أو أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، لذلك استهدفتها الجيوش الاستعمارية الفرنسية الزاحفة من الجزائر فكانت أول مدينة مغربية مهمة احتلتها القوات الغازية لتتخذها قاعدة انطلاق نحو باقي التراب المغربي.
وعلى أي، فإن سنة قد تكون كافية وفرصة، لتلافي بعض ثغرات الإعداد ونقائص البرنامج بما يضمن النجاح والمردود المبتغى من الفعاليات التي ستنفذ خلال فصول السنة.
يبقى مشكل مهم لا ينتبه إليه المخططون لهذه التظاهرات على صعيد الوطن العربي؛ يتمثل في أن مفهوم الثقافة والتواصل التفاعلي مع الجمهور العريض، يخضع في الوقت الراهن لتحولات جذرية عميقة، لا تنفع معها الأدوات التقليدية لنشر الثقافة على أوسع نطاق.لقد تغيرت الأذواق وأساليب الاستقطاب.
ويخشى أن لا يهيمن الطابع السياحي الاستهلاكي على المناسبة وعلى نوع المنتج الثقافي الذي سيعرض في وجدة.
وأخيرا، تبدو النتيجة التي عبر عنها المشاركون في استطلاع "إيلاف المغرب" معقولة ومنطقية: فلا هي متحمسة بقوة ولا هي متشائمة .
المؤكد أن احتفاء وجدة، بسنة الثقافة العربية، لن يختلف جذريا عن ما عاشته مدن عربية قبلها، فازت بدورها بشرف احتضان التظاهرة الرمزية المهمة، وآخرها مدينة "الأقصر" المصرية التي لم تخلف من جهتها صدى واسعا خارج الحدود ، بل ربما لم يسمع عنها كثيرون إلا لحظة تسليم وزيرة الثقافة المصرية لنظيرها المغربي "راية" التظاهرة في وجدة .
تثير المناسبة كذلك سؤالا إشكاليا: هل يمكن لجهات رسمية أن ترعى تنظيم فعاليات ثقافية مختلفة بطبيعتها ومقاصدها والجمهور الموجهة إليه؟. من الواضح أن المقصود هو الفرجة قبل الإفادة.
سؤال آخر لا يقل إثارة، يتعلق بطبيعة التصور الذي تستحضره وزارات الثقافة العربية وكذا الجامعة العربية حين التخطيط لمثل تظاهرة وجدة: كيف يمكن لمدينة أن تكون منتجة للثقافة ومستهلكة وأيضا مصدرة ليعم إشعاعها أنحاء قريبة وبعيدة منها ؟ باختصار الجو الثقافي العام في المغرب هادئ ومستقر ،لا يوحي أن إحدى مدنه تأوي حدثا مهما.